أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   الخواطر و الخربشات (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=16)
-   -   خمسة أيّام في العراق تحت وقع الحرب! (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=113846)

قرصان الأدرياتيك 31/01/2009 03:35

الأحد 13 حزيران 2004 (اليومُ الثّاني)
 
الأحد 13 حزيران 2004 (اليومُ الثّاني)

ومثلما اعتادَ أصحابُ الأديارِ، كانت الصّلاةُ في السّابعة صباحاً، لكنّي وبسبب تعب البارحة وكثرة التجوال والتأمّل دخلتُ عليهم متأخّراً أكثر من عشرِ دقائق! وكنتُ أقولُ في سرّي سأدخلُ متمهّلاً بخفيةٍ وأمكثُ في الخلف... لكنّ الرّئيس كانَ أحذقَ منّي فقد أخّرَ سكّان الدّير بانتظارِ الزّائر النّائم الذي رمقه الجميع بعين العتب حالما دخل... يا إلهي! صرتُ كتلةً محمرّةً ورغبتُ في داخلي أن ألبسَ عباءة الخفاء، لا بل رغبتُ أن تبتلعني الأرضُ وتهضمني وتُخرجني في الخلاء. لكنّ المحالَ محالٌ. بدأَ صلاتَه بألحانٍ شجيّة ومقامات تطربُ لها الأذهانُ قبلَ الأسماع، وراحَ يلعبُ بصوته ومقطوعاته الروحيّة متنقّلاً بين المقامات الشرقيّة مركّزاً على البيات، فيجيبُه شمّاسُه، وأنا هناكَ مثلَ أطرشٍ في زفّةٍ صباحيّة!

انتهت الصّلاةُ وحمدتُ الله على ذلك آلافَ المرّات، ومكثتُ للحظاتٍ أسألُ النّفسَ عن هذا الطّريق الذي قادني يوماً إلى اجتماعِ مثل هذا في دير الشّهيد بهنام! بعدَ عدّة دقائق كانَ الفطورُ مُعدَّاً مؤلّفاً من جبنة بيضاء مالحة، وزيتون أخضر وأسود، ومرتديلا، وشاي ثقيل. أن تأكلَ على صوتِ الأشجار والعصافير في بستان صغيرٍ، فهذا يُطعمك غذاءً روحياً لا يعبأ بأغذية الجسد. لم أردْ أن ينتهي احتفالُ الطّعام، لكنّ كلمة الرّئيس عن مكتبة المخطوطات الثّمينة عجّلتْ في ذلك! أعادنا من جديد حيث مكتبة البيع وأهداني صوراً وكتباً، ومن هناك سرْنا إلى ركنٍ بعيدٍ مهمل في صدرِه اضطجعَ أكثرُ من أربعمئة مخطوطٍ عربيٍّ وسريانيّ مرميّة على رفوفٍ حديديّة صدئة، مما فطرَ قلبي فأفلت لساني من لجامه وانطلقَ معنّفاً الرّئيسَ دونَ أن أتنبّه إلى لهجتي القاسية. اعتذرتُ منه على عجلٍ وقلتُ له إنَّ مثل هذه الثّروة الأدبيّة يليق بها مكانٌ مناسبٌ لحفظها، وألقيتُ على مسمعه دروساً في حفظِ المخطوطات تعلّمتها عبر دراسةٍ نظريّة وعمليّة لأكثر من خمس سنوات. وفي أحد الأطراف انثنى مخطوطٌ صغير بدون غلاف، حتّى مالَ نصفُه بزاويةٍ حادّة وكادَ أن ينشطرَ نصفين، سحبتُه من موضعه ووضعته منبسطاً في مكانٍ قريب، وعيناي لا تصدّقان ما تريا. وودتُ لو أمكث في هذا المكان أيّاماً أرتّب ما عبثتْ به أيادي الجهل والأميّة الحمقاء وقلّة الحيلة بدون رقيب، لكنّنا كنّا بأمسّ الحاجة إلى هذه الدّقائق للوصول إلى بغداد في الوقت المناسب. وفي ساحةِ الدّير خارجاً وقفنا أمامَ البوّابة الضّخمة والتقطنا بضع صورٍ ثمَّ ودعناهم شاكرين وغادرنا على بركةِ الله.

دخلنا الموصلَ من جديد في حوالي التّاسعة والنّصف، وفي أثناءِ المرور شاهدنا كنيسةَ النبيّ يونان التي حُوّلت في عهود العبوديّة والذمّية اللاعادلة إلى جامع النبيّ يونس، قبّتها منشأَة على الطّراز الأرمنيّ ذي الشّكل الهندسيّ الجميل، ومئذنتُها لا تحمل من عناصر الفنون إلا الإسلاميّة. عبرناها وانحرفنا إلى الشّرق باتّجاه دهوك.

تركنا الشّمسَ وراءَنا إلى اليمين وأخذنا طريقَ الشّمال، وعندَ إحدى السّاحات تقدّمت ثلاثُ سَيّارات من نوع الهَمَر الأميركيّ تحملُ المارينز، وفي أعلى السيّارة المتوسّطة برزتْ فتاةٌ شقراء تحملُ مدفعاً رشّاشاً مصوّباً نحوَ الأمام وشعرها الطّويلُ يندفعُ من تحت خوذتها متطايراً مع الهواء! اصطفّتْ آثارُ النينويّين إلى اليمين، وبرجٌ عملاقٌ توسّط الطّريقَ. وأمامنا ارتفعَ قصرُ صدّامَ المليء بالعلوج على حدّ تعبير الصحّاف وزير الإعلام العراقيّ السّابق، خلفه مباشرةً كانَ فندقُ أبروي نينوى، وفي غمرة هذه المشاهد والتّصاوير دخلنا الكورنيش وعبرنا فوق دجلة العريض وشمسُ الظّهيرة تعلو في السّماء دون انتظار.

في شمال المدينة الحدباء أوقفنا عربتنا أمام محلٍّ لإصلاح العجلات، وأنزلَ أبو بشّار العجلة التي وجدناها صباحاً فارغة من الهواء "على الجنط"! لم يطل الأمرُ كثيراً فامتطينا مركبتنا وحثثنا السّيرَ نحوَ الشّمال الكرديّ جنّة العراق على حدّ قولِ العراقيّين. بلغَ شهرُ حزيران منتصفه وما زالَ الحصّادون يحصدونَ القمحَ المُصفرَّ تحت وقع الشّمس الرّتيب، وأمامَ أبصارِنا بدتْ سلسلة جبالٍ كأنّها خيال ضباب جاثم على الأرض. وإحدى لافتات الطّريق قالتْ: زاخو 80 كم، دهوك 42 كم، سدّ الموصل 17 كم وهذا بلغناه والسّاعة تعلنُ العاشرة والنّصف. كانَ هذا السدُّ يُسمّى سدّ صدّام وهو ضخمٌ ورائع كبحرٍ صغيرٍ على سطحه تغفو سماء زرقاء بين جبال جرداء تُذكّر بسكينة الخالق ونسّاك وزهّاد كانوا يملأون هذه الأرضَ يوماً وينثرون بوجودهم عبقَ طيبِ القداسة ويُظهرون جمالَ اللهِ وكمالِه بين البشر.

بعدَ عشر دقائق دخلنا ناحية فايدة وهي إحدى النواحي التي قامتْ على ما يبدو حديثاً بجانب صوامع الحبوب. وعلى تلٍّ بعيد انتصبتْ واحدةٌ من قلاع الديكتاتور الرّاحل. وهكذا أوقفنا كلَّ شيءٍ في العاشرة وخمسين دقيقة عندما بلغنا حدودَ كردستان. ولأنَّ سيّارتنا تحملُ لوحةً مكتوب عليها "بغداد" فقد أنهكنا العسكريُّ الكرديُّ بتفتيشه وتقليبه حاجاتنا. وعلى الحاجز الثاني اقتربُ عسكريٌّ آخر مدجّجٌ بالأسلحة وقالَ بالكرديّة: ﭼاوايِه... باش؟! أي كيفَ الحال... أبخير؟! وعندما اقتربَ أكثر ورأى الصّليبَ معلّقاً في السيّارة، ابتسمَ وقالَ بالسّورث وهي اللهجة الآراميّة المنتشرة في العراق: ܣܽܘܪܰܝܰܐ... ܒܫܶܝܢܐ ܐܚܽܘܢܺܝ: سورايا... بْشِينا خوني، أي:مسيحيّ... بالسّلامة (أهلاً) يا أخي. كانَ آشوريّاً من حزب ܙܰܘܥܐ "زَوْعا". تغيّرَ كلُّ شيء فاكتست الطبيعةُ بالأخضر واعتدلَ الهواءُ وانتعشَ ببرودة الجبال القريبة التي صرنا عندَ أقدامها، وأمامَنا انبسطتْ مدينةُ دهوك مرحّبةً بكلمة الآثوريّ الآراميّة.

حملتني الجبالُ واخضرارُها ورطوبة نسائمها إلى لبنان الذي قضيتُ فيه سنوات دراستي الست... وتذكّرتُ فيه كلَّ جميل وذكرى ختمتْ نفسي بختم تلك البلاد الرّائعة المتعبة بسبب قلاقل أبنائها! فتحتْ دهوكُ ذراعيها تستقبلنا كأمٍّ سريانيّة تقتبلُ بنيها بعدَ غيابٍ طويل وتحدّثهم عن ماضيها الحافل بكلّ اغتصابٍ وانتهاك، تخبرهم عن لغتها وأرضها وكلّ قطعةٍ من جسدها وطئها الأغرابُ فأحالوها إلى رمادٍ لا جمرَ تحته!!! امتلأت الأجواءُ بالرّوائح الكرديّة حتّى لافتات الطّريق المكتوبة باللغة الكرديّة كانت تلحّ في إيقاظنا لتكشفَ عن عيونِنا البراقع التي حجبتْ عنها رؤية دولة كردستان الجديدة.

sona78 04/02/2009 12:59

اقتباس:

وصلنا ديرَ الشّهيد وقد أنهى النّورُ العظيمُ احتضارَه وماتَ بعيداً عن العيون، لكنّ الأفقَ ما زالَ مضاءً غيرَ مُصدّقٍ هذا الرّحيل!
دون اية مبالغة .........اجمل تعبير عن الغروب فراته بحياتي على الاطلاق
متابعة دائمة

قرصان الأدرياتيك 05/02/2009 00:26

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : sona78 (مشاركة 1212532)
دون اية مبالغة .........اجمل تعبير عن الغروب فراته بحياتي على الاطلاق
متابعة دائمة

شكراً يا عزيزتي سونا على هذا الإطراء الذي لم يأتِني من أحد قبلاً. وأرجو أن أكونَ عندَ حسن ظنّك!

قرصان الأدرياتيك 01/08/2009 01:31

حالما دخلنا المدينة توقّفنا بالقربِ من مقهى فيه بضعة رجال سألنا أحدهم عن فندق بابل فأجابنا بكرديّة لم نفهم منها إلا القليل، وبمعونة إشاراته وإيماءاته عرفنا الطريق، فبلغنا البيتَ بعد دقائق لم تخلُ من عناء. سلّمنا على أصحابِه الذين يمتّون بصلةِ القرابة إلى أبي بشّار، وبعدَ استراحةٍ قصيرة تخلّلتها القهوة التركيّة خرجنا في زيارةٍ قصيرة إلى سوقِ المدينة، وهناك جذبني السجّادُ الكرديّ الفارسيّ بألوانه الحارّة وتلك النّقوش التي تزيّنه، ولم يطل الأمرُ حتّى انطلقنا متّجهين إلى زاويثا بحسب الخطّة المرسومة!

خرجنا من دهوك عندَ منتصف النّهار لنعبرَ الجبالَ نحوَ الشّمال من جديد. كانت الأوبّل الألمانيّة تزمجر وهي ترتقي تلك المرتفعات المزيّنة باخضرارٍ لا مثيل له، وتقتربُ من زاويثا المشهورة بنوعٍ فريد من أنواع شجر الصّنوبر، ومعها سحنا في أحضان طبيعةٍ تضمُّ كروماً ولوزاً وشعرنا أنّنا فعلاً في خدرِ العراق الحقيقيّ. بلغنا مقصدنا في زاويثا وفيها توقّفنا والتقطنا صورتَين ثمَّ أخذنا الطّريقَ صعوداً نحوَ "سره سنك". مررنا ببلدة "سوارا توكا" وسيّارتنا تواصل ارتقاءَها كقردٍ أفريقيّ لا يكلّ ولا يملّ وفي أعلى هذه البلدة نزلنا حيث عثرنا على مطعمٍ واستراحةٍ صغيرة لا بأسَ بها! رحتُ أنا آخذُ الصّورَ للوادي والجبال العملاقة المخوفة بينما أفرغَ أبو بشّار تعبَه في سجائره عراقيّة الصّنع! جلسنا في زاوية الحديقة وشربنا الشّاي وبدأ قريبي يقصُّ عليَّ شيئاً من طفولته التي يذكرها بحسرة، عندما كانَ يُرافق أباه في أعمالِه التي صرفها في هذه المنطقة في بناءِ المصايف والمطاعم لعدّة سنوات.

تركنا المكانَ بعدَ وقتٍ ملأته أحاديث أبي بشّار العذبة وخفايا طفولته وشقاواته، وانحدرنا هذه المرّة نزولاً نحوَ "سره سنك"، وعلى قمّة جبلِ "جارا" رأينا أحد قصور الرّئيس الرّاحل. وبالقربِ من ذاكَ المكان مررنا بأرضٍ مسوّرة بحجارةٍ صفراء متينة عرفتُ لاحقاً أنَّ هذه الأرض هي بقايا لقصرٍ صدّاميٍّ آخر لم يعدْ موجوداً اليوم بعدما نهبَ الأكرادُ حجارته وكثيراً من حجارة السّور ليبنوا بها منازلهم! لفحنا هواءٌ رطبٌ قادمٌ من بحيرة قائمة على سدٍّ صغير توقّفنا عندَها للحظات وسحبتُ آلة التصويرِ وصوّبتها تجاه المياه وضغطتُ إلا أنّها خانتني في تلك اللحظة وتعطّلت... شتمتُها شتيمةً سوريّةً ثقيلة من قاموس مفردات ممّا تحت الزنّار، وكدتُ أرمي بها على الأرض لولا أبي بشّار الذي قالَ لي: لا تقلق سنجدُ في سوق البلدة فيلماً أضعه في كاميرتي! بالقربِ من شابٍّ نحيفٍ طويل فتحَ قريبي نافذتَه وقال: "عندي سؤال بَلا زَحْمَة! أكو مصوّر قريب؟!" رفعَ الشابُ يدَه مشيراً إلى يسارنا وقال: "في السّوق"! وعندَ محلّ التّصويرِ ضاعَ الحابلُ بالنّابلِ فقد تعطّلتْ كاميرا أبي بشّار بعدَ وضع الفيلم الجديد، والمصوّرُ غائبٌ، وصبيّه يشرحُ لنا بكرديّة ممزوجةٍ بإشارات يديه البهلوانيّة... وضاقَ صدري ونفذ صبري فقرّرتُ شراءَ واحدة جديدة ما زلتُ حتّى اليوم أحتفظ بها ذكرىً لتلك المصيبة. دفعتُ أربعاً وخمسين ألفَ دينارٍ أي حوالي ثمانية وثلاثين دولاراً وأخذتُ أيضاً فيلمين وضعتهما في جيبي وعُدنا إلى السيّارة التي سارتْ بنا صعوداً نحوَ "إينشْكي" وهي قريةٌ مسيحيّةٌ صغيرة قريبة في شكلها وأزقّتها من القرى السوريّة القريبة من السّاحل.

في هذه الأثناء هاتفتُ أختي وتكلّمتُ معها كي تطمئنّ... ثمَّ نزلنا باتّجاه "سُلاف"، وفي الطّريقِ إليها، وأمامَنا مباشرةً، على بُعدٍ بعيد فوق ذروة الجبل، كأنّها مائدةٌ مستديرة اصطفّتْ عليها ألوانُ الطّعامِ؛ جثمتْ مدينةُ "العَمّاديّة"! أوقفَنا عسكريٌّ وقالَ بالكرديّة: الطّريقُ إلى العَمّاديّة مقطوعٌ! فنزلنا "كلي سُلاف" ("كلي" كلمة كرديّة تعني "وادي" تلفظ الكافُ فيها جيماً مصريّة)، ومن هناك برزتْ العَمّاديّة من جديد كتاجٍ يزيّن هامة الجبل مرصّعةً ببيوتها المرصوفة فيها كجواهر من كلِّ شكلٍ ولون. وبعدَ لأيٍ وجدنا الطّريقَ الموصل إليها، لكنّنا قبل بوّابتها الحجريّة انعطفنا إلى اليسار نحوَ "شيلادزَّه" وخلال الطّريق كنتُ أجوبُ بنظري الأنحاءَ فشاهدتُ لافتةً مكتوبٌ عليها "إلى كنيسة مار عوديشو"، وعندَ مفترقِ طرقٍ لمحتُ لافتةً أخرى تقول "عمليّات إزالة الألغام"، تظلّعتُ إلى أبي بشّارَ وأشرتُ إليها بدون كلمة، فقال بدون أن يلتفتَ إليَّ: تعودُ هذه الألغام إلى الحرب التي شنّها صدّام على الأكراد، ثمَّ سكتَ فسكتُّ معه وعدتُ إلى مشاهدي وتلك الخربشات التي خططتُها على وريقات كنتُ أحملها!

يتبع...

jano. 01/08/2009 02:39

رائع أنت كالعادة يا طيرنا المسافر...

لا بأس أن تتعطل آلة التصوير، فها أنت تصوّر لنا الأماكن أكثر دقةً من أية آلة، وبطعمٍ آخر.

سمعت كثيراً عن المنطقة التي وصفتها لنا في مذكّرتك الأخيرة. هل هذه القرى التي ذكرتها قريبة من نوهدرا؟

يقال أن الطبيعة هناك فريدة بجمالها، هل هذا صحيح؟

بانتظار التتمّة...

:D

عاشق سلاف 01/08/2009 11:40

غريب ..

أنا من الموصل .. أتحدث إليك من أرضها الآن ..

ولكنك تتكلم عن مدينتي .. وتصفها بشكل لم اعرفه من قبل

هذه المناظر والأماكن التي تقولها .. أراها يوميا .. ولكن لم اكن اعلم بانها جميلة لهذا الحد ....



شكرا لك اخي العزيز على وصفك الرائع ..


وانشالله تجي تعملك زيارة الخ عدنا بالموصل .. بس خبرني قبل ما تجي
(( هذه الجملة باللهجة الموصلية الأصلية .. ههههه ))


متابع معك .. وأي معلومة بدك اياها .. حاكيني

قرصان الأدرياتيك 02/08/2009 16:13

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : jano. (مشاركة 1308204)
رائع أنت كالعادة يا طيرنا المسافر...
لا بأس أن تتعطل آلة التصوير، فها أنت تصوّر لنا الأماكن أكثر دقةً من أية آلة، وبطعمٍ آخر.
سمعت كثيراً عن المنطقة التي وصفتها لنا في مذكّرتك الأخيرة. هل هذه القرى التي ذكرتها قريبة من نوهدرا؟
يقال أن الطبيعة هناك فريدة بجمالها، هل هذا صحيح؟
بانتظار التتمّة...
:D

عزيزي جان
قلبي يشكرُ لطفَك واهتمامَك وكلماتك المشجّعة، أمّا بعد
إنَّ نوهدرا أو بيث نوهدرا كانت الحدود الشماليّة لنينوى وعاصمتها مَعَلْثا... وهذه القرى التي مررنا بها هي في قلبِها! فأمّا عن الطّبيعة فحدّث ولا حَرَج... جبال عملاقة ووديان مهيبة واخضرار وشلالات وأنهار... هي جنّة عدن الكرديّة اليوم!
مرحباً بك :D.

Sun Shine Art 02/08/2009 18:58

روعه ...مبدع كا العاده الصراحه مابعرف كيف شو احكي :D...

قرصان الأدرياتيك 02/08/2009 21:29

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : Sun Shine Art (مشاركة 1309255)
روعه ...مبدع كا العاده الصراحه مابعرف كيف شو احكي :D...

أن تأتيَك "الرّوعة" من رائعة فهذا ما يُسمّى بالتناغم، كأنّ الجمالَ يبوحُ بإيقاعٍ لا ندَّ له!
حضورُك ينوبُ عن الكلام في أيِّ مكان :D.

sona78 03/08/2009 12:33

اقتباس:

شتمتُها شتيمةً سوريّةً ثقيلة من قاموس مفردات ممّا تحت الزنّار،

يلي بيكتب مذكرات بيتجاهل بالعادة هيك ذكريات :o

جميل دائما يا قرصان

Sarita 05/08/2009 18:40

فاقت مذكراتك الحقيقة
اضافت الي قلبي حنينا وشوقا لزيارة بغداد
حيث انني اشتقت الى كركوك والموصل وبغداد وكربلاء والبصرة وبابل ....
اشتقت الى العراق بالرغم من عدم زيارتي لها

الا اني انتظر هذه الفرصة تحت طيف ذكرياتك

شاكرة لك قرصان

Grazie per la creatività
:D

قرصان الأدرياتيك 05/08/2009 21:25

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : عاشق سلاف (مشاركة 1308336)
غريب ..
أنا من الموصل .. أتحدث إليك من أرضها الآن ..
ولكنك تتكلم عن مدينتي .. وتصفها بشكل لم اعرفه من قبل
هذه المناظر والأماكن التي تقولها .. أراها يوميا .. ولكن لم اكن اعلم بانها جميلة لهذا الحد ....
شكرا لك اخي العزيز على وصفك الرائع ..
وانشالله تجي تعملك زيارة الخ عدنا بالموصل .. بس خبرني قبل ما تجي
(( هذه الجملة باللهجة الموصلية الأصلية .. ههههه ))
متابع معك .. وأي معلومة بدك اياها .. حاكيني

حينَ يعتادُ المرءُ أمراً يراه ولا يراه... يُصبح منه وفيه لكأنّه قطعةٌ من جسده!
لكلّ منّا عينان، إلا أنَّ عيونَنا مختلفة فخلفَ كلٍّ منها فرادة تميّزُ الواحدَ عن الآخر...
شكراً لحضورِك في هذه الذّاكرة :D.

قرصان الأدرياتيك 17/10/2009 15:12

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : sona78 (مشاركة 1309608)
يلي بيكتب مذكرات بيتجاهل بالعادة هيك ذكريات :o
جميل دائما يا قرصان

بالعكس... هدول أهمّ شي، بيعكسوا ثقافة كل بلد تماماً.
ليتك ترجعي وما تغيبي كل هالقد :D.

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : Sarita (مشاركة 1310875)
فاقت مذكراتك الحقيقة
اضافت الي قلبي حنينا وشوقا لزيارة بغداد
حيث انني اشتقت الى كركوك والموصل وبغداد وكربلاء والبصرة وبابل ....
اشتقت الى العراق بالرغم من عدم زيارتي لها
الا اني انتظر هذه الفرصة تحت طيف ذكرياتك
شاكرة لك قرصان
Grazie per la creatività :D

كلٌّ منّا يا صديقتي يرى جانباً أو جزءاً من الحقيقة فيعكسها في اختبارِه وفي ما يكتب.
اليومَ يا عزيزتي نزورُ مكاناً جديداً فيه من سحرِ الطّبيعة ما لم أرَ مثلَه من قبل.
أهلاً بك متى شئتِ :D.

قرصان الأدرياتيك 17/10/2009 15:18

نهايةُ اليومِ الثّاني
 
عندَ نهر الزّاب توقّفنا قليلاً وأخذنا بضع صورٍ بين حناياه الصخريّة، ثمَّ أكملنا الطّريقَ إلى "شيلادزّه" متخوّفين من نفاد الوقود، إلا أنَّ اللهَ منَّ علينا بمحطّةِ وقودٍ أشبعت السيّارة وأشبعتنا من الغبطة والارتياح. ومن عمّال المحطّة حصلنا على خريطة الطّريق إلى موضع التقاء الزّاب بأرضِ العراق. في الرّابعة والرّبع وصلنا المدينة المنشودة واجتزناها نحوَ الشّمال، لكنَّ اقترابَنا من الحدود التركيّة، وخلوّ المنطقة من البشر بعثا القلقَ في قلبِ مرافقي، فقال لي: سنعودُ أدراجَنا، ولم ينتظرْ جواباً مني بل أدارَ مقودَ السيّارة وعادَ من حيثُ أتينا!

على ضفاف الزّابِ الأكبر جلسنا في مطعمٍ صغيرٍ تلامسُ مياهُ النّهرِ صخورَه، وأوصى أبو بشّار على "التكّة" وهي "الشّقف" السّوريّة، أي قطع لحمِ الخروفِ المشويّة! وفي الفترة التي أمضاها الشّاوي في إعدادِها نزلَ أبو بشّار إلى ضفّةِ النّهرِ الصّاخبة بهديرِ المياه المندفعة اندفاعَ سيلٍ عرمرم من جبلٍ عالٍ، فتبعتُه حذراً من الانزلاقِ على الأرضِ المنحدرة المبلّلة بالرذاذ المتطاير، وهناكَ جلستُ على صخرةٍ نابتة في قلبِ التّراب أرقبُ قريبي بقلبٍ واجفٍ، فما كانَ منه إلا أن خلعَ نعلَيه ثمَّ جوربَيه وبدأ يغتسلُ في المياه الباردة المُنعشة. تاقتْ نفسي إلى ملامسة المياه ولكأنّها تبغي ملامسةَ الماضي والحاضرَ وكلَّ أمجاد هذه الأرض الخالدة، فخلعتُ أنا أيضاً حذائي ثمَّ جوربيَّ وقرّبتُ قدمي اليُمنى برجفةٍ من النّهرِ المليء بالأسرار والألغاز، وما إن احتضن التيّارُ الهادرُ القدمَ حتّى شعرتُ بأنّ النّهرَ قطعةٌ من الثّلجِ تذوبُ شيئاً فشيئاً، كانت باردةً إلى حدٍّ رفعتُ فيها قدمي مرّات قبلَ إعادتها من جديد إلى المياه، وبدأتُ طقسَ الاغتسالِ بنشوةٍ لم أعهد لها مثيلاً من قبل. المفارقةُ جعلتني أغيبُ عن المكان بفكري وبصيرتي، فالشّمسُ من علا السّماء تكوي الأرضَ بلهيبِ أشعّتها، والنّهر من قاعِ هذه الأرض يبرّدُ ما احترقَ ويُنعشُ ما ذبل.

كانَ الغداءُ لذيذاً فلم يبقَ في الأطباق شيءٌ، واللذّةُ المجبولة بجوعِ السّفر أتت أيضاً على الفتات الباقي، وكانَ شرابُنا من ماءِ النّهرِ إمعاناً منّا في اقتبالِ هبة الخالق كما خرجتْ من بين كفّيه!

لم أنسَ قبلَ الرّحيل تصويرَ المكان، فإن خانت الذّاكرةُ يوماً ولم تسعف في الإبقاء على ذاك السّحر والجمال، فالصّورةُ أوفى عهداً ولا خوفَ عليها من فواجع النسيان.

عُدنا أدراجَنا قبلَ أن تُسدلَ الشّمسُ السّتارَ وتفسحُ بغيابِها مكاناً لكوكبِ الليلِ المتلألئ وسط نسيج السّماء الأسود. وفي طريقِ العودة مررنا بمدينة العمّاديّة، وتجوّلنا فيها بسيّارتنا، وعندما وصلنا مكاناً فسيحاً فوجئ أبو بشّار بدبّابتين جديدتين وحاملة جنود يلمعُ حديدُها تحت ما تبقّى من نورِ النّهار، علمنا أنّها تعودُ إلى جيشِ الأتراك القادمين لمحاربة "البَكَكَة". وهكذا بدأت شمسُ يومِنا ذاك تنفخُ في البوقِ معلنةً انسحاب جيوش أنوارِها إلى ما وراء الجبال، وأعدنا عبورَ الطّريقِ مرّةً أخرى فمررنا ببحيرةٍ من صنعِ قائدِ العراق الرّاحل ابن تكريت، واسترحنا قليلاً في بلدة "سواراتوكا" في مَقْصَفٍ يعود إلى العهدِ الذي سبقَ استقلال دولة العراق الحديث، ثُمَّ أكملنا الطّريقَ نحوَ الجنوب.

وصلنا دهوكَ في الثّامنة وقمنا بزيارةِ رجلٍ عجوز مُقعَد من عائلة النجّار يعرفه أبو بشّار منذ زمنٍ بعيد، وما إن رآنا حتّى أخذَ يبكي كطفلٍ رضيع. ومن تلك الزّيارة التي فطرت فؤادي توجّهنا إلى دارِ الأسقفيّة حيثُ قابَلَنا صاحبُ عرشِ الكاثدرا بابتسامةٍ وطيبةٍ لم أعتدْها من أحدٍ في مثلِ هذا المنصب. عُدنا إلى نزلنا حيثُ حضرَ العشاءُ فأكلتُ والتّعبُ يأكلُ من جسدي كلَّ موضع، والوسنُ يثقل جفنيَّ ورأسي. وعندَ منتصفِ الليلِ استلقيتُ على الفراش متدثّراً بالعتمات ورحتُ في نومٍ عميقٍ أنهيتُ بهِ يوميَ الثّاني في أرضِ العراق.


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 14:28 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.04424 seconds with 11 queries