أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   قرأت لك (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=19)
-   -   مقتطفات من السأم -ألبرتو مورافيا (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=66048)

butterfly 20/11/2006 14:21

مقتطفات من السأم -ألبرتو مورافيا
 
عن السأم ، هذا الشعور الذي سيتفق لي أن أتحدث عنه غالباً خلال هذه الصفحات . فأنا أذكر ، بقدر ما تسعفني ذاكرتي في الإرتداد عبر السنين ، أنني تألمت دائما من السأم . و لكن يجب أن نتفاهم على معنى هذه الكلمة . فهي تعني ، بالنسبة لكثير من الناس ، عكس التسلية ، و التسلية هي الشرود ، و النسيان ، و لكن السأم بالنسبة لي ، ليس عكس التسلية ، بل يمكنني القول إنه ، في بعض مظاهره ، يشبه التسلية بما يخلّفه من شرود و نسيان ينتميان طبعاً إلى فئة خاصة جدا . إن السأم في نظري هو حقاً نوع من النقص أو عدم التلاؤم أو غياب حسّ الواقع . و أعمد هنا إلي تشبيه فأقول : إن حس الواقع ، حين يتملكني السأم ، يحدث لدي ما يحدثه بالنسبة للنائم غطاء قصير أكثر مما ينبغي ، في ليلة شتوية : فإذا سحبه علي قدميه ، أصيب بالبرد في صدره ، و إذا رفعه إلي صدره ، أصيب بالبرد في قدميه ، فهو لهذا لا يستطيع أبداً أن ينام قرير العين


*********


و حين كنت صبياً خاصة ، كأن السأم يتكلف أشكالاً غامضة تماماً بالنسبة لي و للآخرين ، أشكالاً كنت غير قادر علي شرحها ، و كان الآخرون ، أمي مثلاً ، يعزونها إلي اضطرابات في الصحة أو إلى أسباب مماثلة ، و ذلك شبيه بعض الشيء بالمزاج السيء لبعض الأطفال الذي يُعزي إلي نمو أسنانهم . و في تلك الأعوام ، كان يحدث لي أن أكفّ فجأة عن اللعب و أبقي ساعات كاملة جامداً ، كما لو أنني خدر ، و أنا في الواقع مرهق باستياء كان يوحيه لي ما أسميه ذبول الأشياء ، أي الشعور الغامض بأنه لم يكن ثمة بيني و بين الأشياء أية علاقة . فإذا دخلت أمي الغرفة في تلك اللحظات ، فرأتني أبكم جامداً و ممتقعاً من الألم ، و سألتني عما أشكوه ، كنت أجيبها جواباً لا يتغيّر : (( إنني سئم )) شارحاً علي هذا النحو، بكلمة ذات معني واضح و محدود ، حالة نفسية واسعة و غامضة
و إذ ذالك كانت أمي تحمل تأكيدي علي محمل الجد ، فتنحني لتقبلني ، ثم تعدني بأن تصحبني إلي السينما بعد الظهر ، أي انها كانت تعرض عليّ تسلية لم تكن عكس السأم و لا علاجه ، و كنت من ذلك علي يقين تام . و فيما كنت أتظاهر بتقبل هذا الإقتراح في فرح ، لم أكن أستطيع الإمتناع عن الشعور بهذا الإحساس نفسه من السأم الذي كانت أمي تسعي إلى طرده إذ تضع شفتيها علي جبيني ، و تحيط كتفيّ بذراعيها ، كما تسعي إلى طرده بالسينما التي كانت تلوّح بها أمام عيني كالسراب . و الواقع أنه لم يكن لي في تلك اللحظة أية علاقة بشفتيها و ذراعيها و السينما . و لكن كيف كان لي أن أشرح لأمي أن شعور السأم الذي أعانيه لا يمكن أن يخفف بأية طريقة ؟ لقد سبق أن لاحظت أن السأم يثوي بصورة خاصة في عدم التواصل . و إذ كنت عاجزاً عن التواصل مع أمي التي كنت مفصولاً عنها كما كنت مفصولا عن أي شيء آخر ، فقد كنت محمولا على نحو ما أن أقبل سوء التفاهم هذا ، و أن أكذب عليها

**********
ـ و لكن الفن يحقق شروداً و ذهولاً لمن يتعاطاه . كان باليستاري يتلهى و أنت تتلهى . أما الدين ، فهو علي العكس مضجر . و في الدير ، كنت أحسّ دائماً بأن الراهبات كنّ ضجرات ، كما كان الرهبان ضجرين ، و علي العموم ، جميع الذين يهتمون بالدين . و في الكنائس ، كم يسأم الناس ! أنظر إليهم حين يكونون في الكنيسة ، فستري أن ليس فيهم من لا يسأم حتي الموت !

و كانت هي المرة الأولي التي تحدثني فيها سيسيليا عن السأم ، و لم أتمالك عن سؤالها
ـ و لكنك تسأمين ؟
ـ نعم ، أحياناً
ـ و بم تشعرين حين تسأمين ؟
ـ أشعر بالسأم
ـ و لكن ما هو السأم في نظرك ؟
ـ كيف لي أن أشرح لك السأم ؟ السأم ، هو السأم
و كان بودي أن أقول لها : (( السأم هو انقطاع كل صلة ، و إذا كنت أريد أن أتزوجك ، فلكي تسأميني ، لكي لا أتألم بعد ، لكي لا أحبك بعد ، و بالإجمال ، لكي أعتبرك غير موجودة بعد ، كما أن الدين غير موجود في نظرك ، و كذلك كثير من الأمور الأخري )) و لكني لم أجرؤ علي ذلك .
إهداء مني لchefadi :mimo:

chefadi 21/11/2006 04:58

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : butterfly (مشاركة 568031)
إهداء مني لchefadi :mimo:

يسلمو كتير مرسيل :D:D
و هي فعلا من الروايات الرائعة بتاريخ الادب الانساني ,,,
بنصح الكل يقراها :gem:
حيّاكون


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 23:49 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.02831 seconds with 11 queries