أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   حوار الاديان (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=14)
-   -   الرائيلية الحلقة الثالة عشرة (رأي في سطور) (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=206)

keko 24/12/2003 14:03

الرائيلية الحلقة الثالة عشرة (رأي في سطور)
 
ختاماً أحب أن أختم بحثي بمقالة من جريدة النهار:


نرى أنفسنا مجدداً أمام رعب الاستنساخ والفوضى البشرية التي قد تنتج منه. ومهما تعددت واختلفت انتماءاتنا الفكرية والعقائدية، ترانا نتبنّى موقفاً أخلاقيا واحداً إزاء ما يخلخل نظرتنا إلى ذواتنا بشراً، والى العالم الفكري والأخلاقي الذي بنيناه وفقما بنيناه منذ العصر النيوليتيكي إلى اليوم.

إما المستنسخة المزعومة "ايف" فهي تزعزع الصورة التي ظننت أنها تمثّلني خير تمثيل إلى اليوم، كما أنها تزعزع كل المفاهيم المحيطة بنا. فما مصيرنا الأخلاقي والفني والفلسفي والعاطفي بعد ولادة هذا المسخ؟ وأسمح لنفسي بأن اسمّيها مسخاً، كيف لا وقد خرقت قوانين "الطبيعة" التي بنت البشرية فلسفتها في الحياة والموت انطلاقاً منها.

إن كنا خفنا قبل بضع سنين من ذاك المولود الذي كان شقيق أمه وابن جدته (وكم احزن على سيكولوجية هذا الطفل التي في حاجة إلى كتيبة من علماء النفس ليفسّروا ما حصل له)، فإننا خفنا اليوم أكثر حيال هذه المولودة العجيبة الغريبة (ولا أزال املك أملا بأنها مجرد أكذوبة) التي ستكون هي كأنها هي، مولودة غير مخلوقة، إلهة حية من إلهة حية، مرآة ذاتها وانعكاس لها، لتنتهي البشرية عند عتبة الألوهية أو جنون الأزل.

إذ صدم كوبرنيك يوماً العالم بإعلانه أن الأرض هي التي تدور حول الشمس، ثم اعتاد العالم الفكرة وقبلها واستوعبها وشفي من الصدمة، فان الأمر مختلف اليوم، فما أعلنه كوبرنيك لم يكن من صنع البشر، ولا من إنتاج العقل، بل كان منذ الأزل، أو تقريباً، هنا. وكل ما فعله هذا العالِم هو رؤية هذا الواقع ولمسه كي لا أقول اكتشافه، بينما نشهد الآن أمراً مختلفاً، ابتداع "شيء" لم يكن هنا، غير موجود. والأخطر من ذلك، إن عالَم اليوم أسير الرتابة واللامفاجأة واللاإنتظار.

المفارقة الكبرى ما يشهده الغرب من تناقضات، فهذا الغرب الذي أغلق كنائسه التقليدية (أي المسيحية) كي يتبنى العقلانية نراه ينتج كنائس بألف لون وشكل ويسقط من حيث لا يدري في اللاعقلانية! اي انه يعود رغم كل الثورات الفكرية والاجتماعية إلى كنيسة ما، إلى دين ما. فات هذا الغرب أمر غاية في الأهمية إذ خال أن الإنسان آلة ينظم القانون سيرها، غافلاً عن أن هذا الإنسان هو روح قبل كل شيء، وهو في حاجة بالتالي إلى الروحانيات. أما قوانين الضرائب والتقاعد والشيخوخة والضمان الصحي وتعويضات البطالة فلا تصنع سعادته بل لا تملأ فراغه. وها هي الكنائس - المعابد على أشكالها وأنواعها تنبت هنا وهناك. معابد شتى تؤمن بخرافات أين منها الخرافات الدينية المعروفة، وعمل الغربيون كل ما في وسعهم ليغسلوا أيديهم من ارثهم المسيحي. يدشّنون اليوم معابد غريبة ولا يخجلون منها كما كانوا يخجلون من انتمائهم إلى الأديان التقليدية. معابد عجيبة ذات معتقدات وطقوس تثير الاشمئزاز وترتكز في معظمها، إن لم يكن كلها بلا استثناء على الكاريزما والمال والجنس. فـ"الكاهن" يتمتع دوماً بسلطة وشخصية جذّابتين بّراقتين، وأتباعه عادة من كبار الأثرياء، والأمر الثالث والاهم انه يتمتع بسلطة ذكرية جنسية على أتباعه من الإناث. وسمعنا أكثر من مرة لدى أكثر من طائفة بين الطوائف الخرافية، كيف يقوم كهنتها بدور الذكر الذي لا ترفضه امرأة، الذكر الذي يمارس غرائزه الجنسية بلا رادع مع سائر نساء "رعيته". أما نهاية رعايا هذه المعابد فباتت معروفة: الانتحار الشنيع (مقارنة مع الانتحارات الأخلاقية الحرة) وآخر ما وردنا وقرأنا عنه وسمعنا به تلك البدعة الرائيلية التي تنتظر خلاص البشرية من كوكب آخر لا من "ملكوت السماوات"، والتي ولدت في قلب "كنيستها" المخلّصة المستنسخة "ايف"! لكن هذا الأمر يستدعي ملاحظة ثانية مثيرة للسخرية تماماً، فالعالم الغربي الذي نراه نشطا كلياً في الاتجاه النسوي حتى التطرف، يكشف لنا عن تناقض هائل ومضحك: الكنائس ما بعد المسيحية، أو البدع إذا شئنا، كهنتها من الرجال، في حين أن ما تبقى من الكنائس التقليدية (أي المسيحية) يشهد صراعاً من جانب النسويات إذ يرغبن، بل يصررن على التربع على عرش الكهنوت ليخدمن القداس كأي أسقف أو كاهن. وأتساءل، لِمَ في الطوائف - البدع، أي في الأديان الحرة، غير التقليدية، يعود الذكر إلى موقعه التقليدي، أي موقع السلطة فيتوّج كاهناً أو رئيساً للطائفة ولا تعترض النساء التابعات لهذه الطائفة - البدعة فيما يعترضن ويقمن الدنيا ويقعدنها على رؤوس الكهنة في الكنيسة التقليدية ويسعين إلى احتلال مراكزهم؟!

في أي حال، لو كانت هذه الـ"ايف" موجودة حقاً فإنها تهين كرامتي كانسان إذ وُلدت من رحم أمي بينما وُلدت من خدها، أو من كتفها، أو من إصبع قدمها! ولدتُ أنا من أبي وأمي، بينما ولدت هي من ذاتها وبذاتها، أكمل أنا مسيرة البشرية، بينما هي توقفها. أنا النص الذي يُكتب للمرة الأولى والمرة الأخيرة، وهي النص الذي تسحب ملايين النسخ منه أنا الأنا والذات، وهي ذات الذات الخاوية من الأنا. إنها بذلك بنتُ عصرها، بنت الإنتاج المتشابه الصالح للاستهلاك، بلا وجه أو اسم أو روح، كسلعة السوبر ماركت تماماً.

عندما قتل نيتشه الله، لم يكن يدري انه عمل على قتل البشرية. وعندما أسقطت البرجوازية الاريستوقراطية وفرحت، لم تكن تدري أنها عملت على إسقاط النبل لمصلحة الجشع والابتذال. فالنبيل يولد متميزاً ويحمل اسماً وتقاليد ويملك أرضاً. بينما يخلق الابتذال أشخاصا متشابهين، بلا وجه أو اسم. و"ايف" في هذا المعنى هي بنت البرجوازية من ناحية، إذ لا تحمل وجهاً خاصاً بها ولا ذاكرة إرثٍ، كما أنها من ناحية أخرى بنت البشرية التي قتلت إلهها وتولت دور الإله لسد الفراغ الذي تركه نيتشه وراءه. ومفارقة أخرى في الغرب أن الكالفينية والبرجوازية ترافقنا في تشجيع المرء على الجشع، ولا ادخل هنا في التفاصيل. بيد أن أمراً واحداً يهمنا: تقف وراء "ايف"، ويا للأسف، الشركات التجارية الكبرى التي تدافع عن هذا المسخ لتحقيق أرباح مستقبلية هائلة. أليست هذه الشركات والمصانع والمصارف أولى بنات البرجوازية"!؟
صباح زوين "النهار" 28 كانون الثاني 2003



مع أطيب التحيَّات، خالد كرامة

XT2k 06/08/2005 19:12

نكوشة :jakoush: :jakoush: :jakoush: :jakoush: :jakoush:


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 13:35 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.02154 seconds with 9 queries