أخوية

أخوية (http://www.akhawia.net/forum.php)
-   منبــر أخويـــة الحــــــر (http://www.akhawia.net/forumdisplay.php?f=15)
-   -   نقلة نوعية (http://www.akhawia.net/showthread.php?t=2643)

Anmar 22/12/2004 02:09

نقلة نوعية
 
جريدة تشرين عدد يوم الاثنين 13 كانون الاول 2004 زاوية قوس قزح
نبيل صالح


بعد انتظار طويل وفي الهزيع الأخير من ليل الوطن تمكن المواطن (س) من الفرار خارج المصح العقلي تاركاً خلفه ذكريات وصداقات طيبة مع قاطنيه. استقل أول سيارة أجرة تمرّ به متجهاً نحو العاصمة التي يقع المصح في إحدى ضواحيها. كانت عيناه شاردتين خلف زجاج السيارة.. بشرٌ تجري شجر يجري ريح تجري مثل حياته التي خلّفها خارج المصح أول مرة.
تذكر أول عهده بالخروج على النظام.. حاملاً شهادة عليا في الرياضيات وآمالاً أبويه في أن يكون لبنة في جدار الوطن المنيع.. ألقوه في غرفة ضيقة مع خزنة حديدية ليصبح محاسباً في مؤسسة عامة بعد ربع قرن من التصاق مؤخرته بمقاعد العلم تخرّج بعدها ليكتشف أن (العلم يبني بيوتاً لا عماد لها) أي خارج نطاق إنجازات وزارة الإسكان.. ‏

لم تحتمل روحه رؤية أمثاله من الموظفين الواقفين في طابور ذليل لاستلام راتب شهري يكفيهم مؤونة يوم واحد.. فكّر وقدّر طوال ليل قبل أن يقدم صباحاً على توزيع ميزانية المؤسسة على موظفيها البائسين.. ‏

بعد انتهاء الدوام عاد إلى منزله، قبّل يد أمه وتناول طعام الغداء ثم أخذ قيلولة من يحس أنه أرضى ربه وضميره.. في نومه سمع دعاء الموظفين في الأرض له ورأى ملائكة بأجنحة بيضاء تحمله إلى الجنة.. في اليوم التالي لإنجازه التاريخي وصل إلى عمله في الوقت المحدد فرأى سيارة المصح وأمامها ممرضان يرتديان سترات بيضاء بانتظاره فعلم أن منامه قد انفدى.. أخذوه إلى المصح وهناك شكلوا له لجنة طبية لتأكيد جنونه. سأله رئيس اللجنة: ‏

­ هل تدرك ما فعلته بالأمس؟ ‏

قال المواطن س بهدوء: ‏

­ حسب التعاليم الاشتراكية التي تهيمن على البلاد فقد وزعت فضل القيمة على مستحقيها. ‏

­ يا ابني هذا مال الوطن وأولو الأمر هم من يقررون أموراً كهذه وجلّ ما قمت به هو أنك أفرغت خزنة المؤسسة. ‏

­ صحيح أني أفرغت الخزنة من النقود لكنني وضعت فيها ما هو أثمن وأغلى!! ‏

­ وماذا وضعت؟ ‏

­ حفنة تراب! ‏

­ ومن يبادل حفنة تراب بالملايين؟ ‏

­ لقد علمونا في المدرسة أن تراب الوطن أثمن مافي الوجود. ‏

­ هادا حكي مدارس يا ابني ولا يصدقه سوى الأطفال والمجانين. ‏

­ وأنا صدقته. ‏

قالت اللجنة: ­ طيب بما أنك صادق، هل تعتبر نفسك مجنوناً أم عاقلاً؟ ‏

­ هذا يتوقف على توصيفكم لأنفسكم، باعتباركم موظفين بدوام كامل وراتب ناقص، هل تعتبرون أنفسكم مجانين أم عقلاء؟ ‏

أجابت اللجنة بصوت واحد: ­ بالطبع نحن عقلاء.. ‏

­ في هذه الحالة يجب أن أكون مجنوناً لكي يكتمل توصيف اللجنة الطبية عليكم.. ‏

ثم تركهم وغادر بنفسه نحو العنبر رقم 6 ليقيم فيه حتى لحظة فراره.. عند هذه النقطة من التذكر استيقظ س من شروده وقال لسائق التاكسي: ‏

­ عفواً، هل يمكنك أن تعيدني إلى المكان الذي نقلتني منه؟ ‏

السائق: ­ هل أنت مجنون؟ ‏

­ بالضبط ياسيدي.. ‏

ابتسم السائق قبل أن يضرب فرامله أمام مبنى (الشركة المتحدة للصناعات الوطنية) أدار السيارة فبرز له من قلب الظلام حارس مدجج بالسلاح وهو يصرخ: ممنوع التوقف هنا. لم يهتم السائق وهو يعود أدراجه. قال س: ­ ما الذي يحرسونه بالداخل وممن هم خائفون؟ ‏

قال السائق: ­ إنهم يحرسون الغباء. ‏

­ الغباء!! ‏

­ نعم الغباء. فأثناء قيام الثورة كان لابد لرجالها من أن يؤمموا شيئاً ما لكي يكتمل الإعلان عن ثورتهم الاشتراكية بعد البلاغ رقم واحد، ولما كانت البلاد زراعية لم يجدوا في طريقهم سوى بضعة معامل صغيرة فأمموها ومن بينها هذه المنشأة التي غدت خاسرة إلى يومنا هذا.. قال س مستغرباً: خاسرة! تابع السائق: نعم، وبعد ربع قرن من الخسارة قررت الحكومة أن تعرف لماذا فأرسلت خبيراً لدراسة الأمر. جاؤوا له بالسجلات والأضابير حتى ملأت الغرفة ثم أرسلوا له قهوته مع الحاجب.. نظر إليه المفتش ثم قال: «من كام سنة أنت تعمل هنا يا عم»؟ قال الحاجب: من زمان ياسيدي، من قبل التأميم. قال المفتش: وهل كانت خاسرة حينذاك؟ الحاجب: لا، كانت رابحة.. ‏

المفتش: ولماذا برأيك كانت رابحة ثم غدت خاسرة؟ الحاجب: العفو ياسيدي أنا مجرد حاجب أمّي. المفتش: وأنا يهمني أن أسمع رأيك. الحاجب: السبب بسيط ياسيدي: قبل التأميم كانت عين المدير على الشركة وقفاه على الكرسي. بعد التأميم صارت عيون المديرين المتعاقبين على الكرسي وأقفيتهم على الشركة.. هاهاها راح السائق يضحك بشكل يشبه البكاء قبل أن يتوقف عند باب المصح. ترجل س أمام الباب. تأمل اللوحة التي فوقه «مصح ابن سينا للأمراض العقلية» تسلق الجدار حتى وصل إلى اللوحة ثم فك براغيها. قلبها وأعاد تركيبها بحيث يصبح وجهها إلى داخل المصح وقفاها نحو العالم الخارجي. تأملها بإعجاب: مصح ابن سينا للأمراض العقلية. ابتسم وقال: الآن أعدت تصحيح الأمور ثم عاد إلى عنبره راضياً مرضيّاً..

HashtNasht 22/12/2004 03:10

حلوة كتير

و الله انك كلك ذوق يا باشا :D

mhmary 22/12/2004 06:52

اقتباس:

كاتب النص الأصلي : hashtnasht
حلوة كتير

و الله انك كلك ذوق يا باشا :D

برياحة :D :D

Hus 22/12/2004 11:18

فظيييييييييعة .. :D :D

yass 22/12/2004 14:56

شي كتير حلو...و بعتقد الو معنى كبير انو بتننشر بجريدة تشرين
تحياتي :D

philip 23/12/2004 16:35

شي روعة مشكور يا حبيب :D :D

philip 23/12/2004 16:35

شي روعة مشكور يا حبيب :D :D

Kakabouda 23/12/2004 18:12

عجبني الكتابة و الاسلوب :D :D
شكراً :D


الساعة بإيدك هلق يا سيدي 02:53 (بحسب عمك غرينتش الكبير +3)

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
ما بخفيك.. في قسم لا بأس به من الحقوق محفوظة، بس كمان من شان الحق والباطل في جزء مالنا علاقة فيه ولا محفوظ ولا من يحزنون

Page generated in 0.02252 seconds with 10 queries