عرض مشاركة واحدة
قديم 26/11/2003   #1
شب و شيخ الشباب Fares
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ Fares
Fares is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
ألمانيا
مشاركات:
1,346

إرسال خطاب MSN إلى Fares
افتراضي بدر شاكر السياب


عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما المطر
عيناك حين تبسمان تورق الكروم
و ترقص الأضواء كالأقمار في نهر
يرجه المجذاف وهنا ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم

و تغرقان في ضباب من أسى شفيف
كالبحر سرح اليدين فوقه المساء,
دفء الشتاء فيه و ارتعاشة الخريف
و الموت, و الميلاد, و الظلام و الضياء
فتستفيق ملء روحي رعشة البكاء
و نشوة وحشية تعانق السماء
كنشوة الطفل اذا خاف من القمر!
كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم
و قطرة فقطرة تذوب في المطر...
و كركر الأطفال في عرائش الكروم,
و دغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودة المطر...
مطر...
مطر...
مطر...
تثاءب المساء, و الغيوم ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال
كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام:
بأن أمه- التي أفاق منذ عام
فلم يجدها,ثم حين لج في السؤال
قالوا له: " بعد غد تعود.."-
لابد أن تعود
و إن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
تسفّ من ترابها و تشرب المطر,
كأن صيادا حزينا يجمع الشّباك
و يلعن المياه و القدر
و ينثر الغناء حين يأفل القمر.
مطر...
مطر...
أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟
و كيف تنشج المزاريب اذا انهمر؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
بلا انتهاء- كالدم المراق, كالجياع,
كالحب, كالأطفال, كالموتى- هو المطر !
و مقلتاك بي تطيفان مع المطر
و عبر أمواج الخليج تمسح البروق
سواحلَ العراق بالنجوم و المحار,
كأنها تهم بالشروق
فيسحب الليل عليها من دم دثار.
أصيح بالخليج:" يا خليج
يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى!"
فيرجع الصدى
كأنه النشيج:
" يا خليج
يا واهب المحار و الردى..."

أكاد أسمع العراق يذخر الرعود
و يخزن البروق في السهول و الجبال
حتى اذا ما فض عنها ختمها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من أثر.
أكاد أسمع النخيل يشرب المطر
و أسمع القرى تئن, و المهاجرين
يصارعون بالمجاذيف و بالقلوع,
عواصف الخليج , و الرعود, منشدين:
" مطر...
مطر...
مطر...
و في العراق جوع
و ينثر الغلالَ فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحىً تدور في الحقول... حولها بشر
مطر...
مطر...
مطر...
و كم ذرفنا ليلة الرحيل من دموع
ثم اعتللنا – خوف أن نلام- بالمطر...
مطر...
مطر...
و منذ أن كنا صغارا,كانت السماء
تغيم في الشتاء
و يهطل المطر,
و كل عام –حين يعشب الثرى- نجوع
ما مر عام و العراق ليس فيه جوع
مطر...
مطر...
مطر...
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
و كل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حُلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي..واهب الحياة!
مطر...
مطر...
مطر...
سيعشب العراق بالمطر..."

أصيح بالخليج:" يا خليج
يا واهب اللؤلؤ و المحار و الردى!"
فيرجع الصدى
كأنه النشيج:
" يا خليج
يا واهب المحار و الردى..."
و ينثر الخليج من هباته الكثار,
على الرمال: رغوة الأجاج و المحار
و ما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرين ظل يشرب الردى
من لجة الخليج و القرار,
و في العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يرشها الفرات بالندى
و أسمع الصدى
يرن في الخليج
" مطر...
مطر...
مطر...
في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
و كل دمعة من الجياع و العراة
و كل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حُلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي..واهب الحياة."

و يهطل المطر...
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03297 seconds with 11 queries