عرض مشاركة واحدة
قديم 04/06/2008   #19
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


وهكذا يتضح لنا أن عمر قد اجتهد فألغى سهم المؤلفة قلوبهم مخالفة للنص القرآني، وأوقف حد السرقة على المحتاج، ثم عطله في عام المجاعة، وعطل التعزير بالجلد في شرب الخمر في الحروب، ونضيف إلى ذلك أنه خالف السنة في تقسيم الغنائم فلم يوزع الأرض الخصبة على الفاتحين، وقتل الجماعة بالواحد مخالفاً قاعدة المساواة في القصاص، ولا نملك ونحن نستعرض ما فعل، في ضوء الملابسات المحيطة بكل حادثة، إلا أن نكتشف حقيقتين هامتين:
أولاهما أنه استخدم عقله في التحليل والتعليل، ولم يقف عند ظاهر النص.


وثانيهما أنه طبق روح الإسلام وجوهره مدركاً أن العدل غاية النص، وأن مخالفة النص من أجل العدل، أصح في ميزان الإسلام الصحيح من مجافاة العدل بالتزام النص، وهذه الروح العظيمة في التطبيق، تخالف أشد المخالفة روح القسوة فيمن نراهم ونسمع عنهم، وتتـناقض مع منهجهم المتزمت، وتوقفهم أمام ظاهر النص لا جوهره، ونكاد نجزم أنهم لو عاشوا في زمن عمر، لاتهموه بالمخالفة لمعلوم من الدين بالضرورة، ولقاعدة شرعية لا لبس فيها ولا غموض، ولحد من حدود الله لا شبهة في وجوب إقامته ولرفعوا عقيرتهم في مواجهته بالآيات التي لا يملون تكرارها (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، دون توقف أمام أسباب التنزيل، أو حكمة النص أو العقوبة، ولعلهم يدركون أن التأسي بعمر وارد، وأن الباب الذي فتحه باجتهاده يتسع لكثير مما نراه ونقبله، ويرونه فينكرونه، ويسمح لنا بأن نوجه إليهم سؤالاً محدداً وواضحاً:
هل تعطيل إقامة الحد جائز، وهل مخالفة النص القرآني جائزة، وهل مخالفة السنة الثابتة، قولية كانت أم فعلية جائزة؟


ولعلهم أمام ثلاث إجابات لا رابع لها:
- أولها: أن الحكم بالجواز على إطلاقه لا يجوز ونحن نوافقهم على ذلك.
- وثانيها: أن الحكم بإنكار الجواز على إطلاقه لا يجوز و نحن نسلم معهم بذلك، وحجتنا عليه اجتهاد عمر.
- وثالثها: أن الحكم بالجواز جائز في بعض الحالات، وللضرورة، ولأسباب منطقية وواضحة، تتسق مع روح النص وعلته..


وفي هذا مساحة واسعة لنقاش طويل، وأخذ ورد، وحجة وحجة، واجتهاد واجتهاد، دون رمى لقفاز التكفير في الوجوه، ودون ادعاء باطل بأنهم المسلمون، وأننا الكافرون الظالمون الفاسقون، وأن ما في مخيلتهم وحدهم هو الإسلام، وأن ما في حياتنا كله هو الجاهلية بعينها، غاية ما في الأمر أنها جاهلية معاصرة إلى غير ذلك مما يرونه حقاً ونراه باطلاً، ويرونه علماً بالفقه ونراه جهلاً بالفقه وبالتاريخ، ويرونه إيماناً ونراه تعصباً مقيتاً.
ولعلنا لا نتجاوز سيرة عمر، دون أن نتوقف أمام قرار خطير وجليل، ربما مر على البعض دون أن يعيروه التفاتاً، بينما هو في رأينا مفتاح لتفسير ما بدأنا به الحديث، وهو الفتنة الكبرى التي حدثت في عهد عثمان، وانتهت بمصرعه، واستمرت طوال عهد علي وانتهت بمصرعه أيضاً.


لقد ألزم عمر كبار الصحابة بالبقاء في المدينة، وحظر عليهم مغادرتها إلا بإذنه، وفسر ذلك لهم في رفق بأنه يحب أن يستأنس بهم، ويهتدي بمشورتهم، بينما حقيقة الأمر أنه خشى أن يفتتن الناس بهم، وأن يفتتنوا هم أنفسهم بالناس، وبما يفتن الناس، وأجرى عليهم أرزاقاً محددة ومحدودة، ألزمهم بها، وألزم نفسه بها قبلهم، فقبلوها منه، مثلما قبلوا مجمل سيرته، التي لا تأتي إلا منه، ولعلهم ضاقوا بذلك أشد الضيق، وكرهوه غاية الكره، فهم في النهاية بشر يكرهون أن يمنعوا ما هو متاح للآخرين، لكن ضيقهم من عمر، كان يصطدم بسيرة عمر مع نفسه، ومع أهله وخاصته، فيستحيل الضيق رضا، والتبرم صمتاً، والكراهية صبراً جميلاً

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04262 seconds with 11 queries