عرض مشاركة واحدة
قديم 05/06/2008   #27
شب و شيخ الشباب Seth
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Seth
Seth is offline
 
نورنا ب:
Jun 2006
مشاركات:
197

افتراضي


ولعل القارئ قد تعجب من اجتراء عبد الملك، لكنا نسأله من الآن فصاعداً أن يوطن نفسه على العجب، وأن يهيئ وجدانه للاندهاش، وأن يحمد لعبد الملك صدقه مع نفسه ومع الناس، فسوف يأتي بعد ذلك خلفاء عباسيون يخرجون على الناس بوجه مؤمن خاشع، وتسيل دموعهم لمواعظ الزهاد، ثم ينسلون إلى مخادعهم فيخلعون ثياب الورع، وتلعب برؤوسهم بنت الحان، فينادمون الندمان، ويتسرون بالقيان، ويقولون الشعر في الغلمان، وهم في مجونهم لا يتحرجون حين تناديهم جارية لعوب بأمير المؤمنين، أو يخاطبهم مخنث (معتدل القامة والقد) بخليفة المسلمين، مادمنا نتحدث عن وضوح عبد الملك، وصدقه مع نفسه، فلا بأس من قصة طريفة يذكرها السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء ص 217):

(قال ابن أبي عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك، والمصحف في حجره فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك).
ونحن لا نجد تناقضاً بين أفعال وأقوال عبد الملك بعد ولايته، وبين ما تـُحدثنا به نفس المراجع عن فقهه وعلمه ومن أمثلة ذلك:


(قال نافع: لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميراً ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك ابن مروان، وقال أبو الزناد: فقهاء المدينة سعيد بن الملك بن مروان، وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب، وقال عبادة بن نسى: قيل لابن عمر: أنكم معشر أشياخ قريش يوشك أن تنقرضوا، فمن نسأل بعدكم؟ فقال: أن لمروان ابنا فيها فسألوه).


نقول لا تناقض على الإطلاق لأن ذلك كله كان قبل ولايته، فلما ولي أدرك أن عهد النسك والعبادة قد ولى، وأطبق المصحف وأطلق شيطان الحكم والإمارة وصدق في قوله للمصحف أن هذا هو آخر العهد به، ودليلنا على ذلك أن ساعده الأيمن كان الحجاج، وإذا ذكر الحجاج هربت الملائكة وأقبلت الشياطين، وقد عرف عبد الملك للحجاج مواهبه وأدرك أنه بالحجاج قد وطد دعائم الحكم وأرسى قواعد الخلافة، فكانت وصيته الأخيرة لولده وولى عهده الوليد أن يحفظ للحجاج صنيعه وأن يلزمه وزيراً ومشيراً، وقد كان .

بهواه، ولنا أن نذكرهم أنه فعل ما فعل، وسفك ما سفك وقتل من قتل، تحت عباءة إمارة المؤمنين، وخلافة المسلمين، وأن المسلمين جميعاً كانوا يرددون خلف أئمتهم كل جمعة دعاء حاراً أن يعز الله به الدين، وأن يوطد له دعائم الحكم والتمكين، وأن يديمه حامياً للإسلام وإماماً المسلمين وأن فقهاء عصره كانوا يرددون حديثاً تذكره لنا كتب التاريخ، مضمونه أن من حكم المسلمين ثلاثة أيام، رفعت عنه الذنوب ولعلنا نظلم عبد الملك كثيراً إذا قيمناه من زاوية العقيدة، فلم يكن عبد الملك فلتة بين من سبقه أو من لحقه، وكان في ميزان السياسة والحكم حاكماً قديراً، ورجل دولة عظيماً بكل المقاييس، فقد أخمد فتنة عبد الله بن الزبير، وغزا أرمينية، وغزا المغرب، وغزا المدن، وحصن الحصون، وضرب الدنانير لأول مرة، ونقل لغة الدواوين من الفارسية إلى العربية، وقد لخص أسلوبه في الحكم في وصيته لابنه الوليد وهو يحتضر:

يا وليد اتق الله فيما أخلفك فيه (لاحظ مفهوم الحكم بالحق الإلهي في هذه العبارة)، وانظر الحجاج فأكرمه فأنه هو الذي وطأ لكم المنابر، وهو سيفك يا وليد ويدك على من ناوأك، فلا تسمعن فيه قول أحد، وأنت أحوج إليه منه إليك، وادع الناس إذا مت إلى البيعة، فمن قال برأسه هكذا فقل بسيفك هكذا – ثم أخذته غفوة فبكى الوليد فأفاق وقال – ما هذا؟ أتحن حنين الأمة؟ إذا مت فشمر وائتزر، والبس جلد النمر، وضع سيفك على عاتقك فمن أبدى ذات نفسه فاضرب عنقه، ومن سكت مات بدائه.)

وقد حفظ الوليد الوصية وقام بها خير قيام فكان رجل دولة وحكم من طراز فريد، وكان فاتحاً عظيما للثغور، فقد فتح الهند والأندلس، وكان أبعد ما يكون عن حديث الدين والعقيدة فلم يذكر عنه فيهما لا قليل ولا كثير، إلا بضعة أقوال عن أنه كان يلحن كثيراً في قراءاته للقرآن، وفي خطبه على المنابر، وقد حكم عبد الملك عشرين عاماً وحكم الوليد عشرة أعوام، أي أن عبد الملك والوليد حكما ثلاثين عاماً من اثنتين وتسعين عاماً هي عمر الدولة الأموية .

لا اله الا الانسان
نشأ الدين عندما التقى أول نصاب بأول غبي
Religion can never reform mankind , because religion is Slavery
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04649 seconds with 11 queries