الموضوع: الأسد بباريس
عرض مشاركة واحدة
قديم 14/07/2008   #11
شب و شيخ الشباب الإصلاحي
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ الإصلاحي
الإصلاحي is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
المطرح:
السجن الكبير
مشاركات:
307

افتراضي


وبالتالي فإن ما تردده وسائل الإعلام الرسميّة السوريّة عن أن «لا أحد يستطيع أن يفرض على سورية علاقاتها الخارجيّة وتحالفاتها الإقليميّة» هو مجرد عنتريّات كلاميّة. الأمر بسيط جداً: هناك علاقة ميكانيكية، آليّة، بين أي مكسب، ولو زهيد، يحصل عليه النظام السوري على الصعيد الديبلوماسي... وبين علاقته مع طهران. فكل ما يحصل، أو قد يحصل، عليه النظام السوري ديبلوماسيّاً سيؤدي فوراً إلى تباعد إضافي بينه وبين إيران. ولا أحد يستطيع تعديل هذه القاعدة البسيطة، أقلّه في هذه المرحلة. في هذه اللعبة الديبلوماسيّة المعقدة التي تجري حاليّاً، يعاني النظام السوري من نقاط ضعف عديدة، متداخلة وصعبة: - الوضع الديبلوماسي: النظام السوري يواجه عزلة حقيقيّة، عربيّاً ودوليّاً. فهو اليوم من بين الدول الأكثر عزلة، سياسيّاً ومعنويّاً، في العالم (مع كوريا الشماليّة والسودان وكوبا وإيران...). لا تكفي زيارة من هنا، وتصريح من هناك، للخروج من هذا المأزق. لأنه مأزق صار بنيويّاً. - الوضع القانوني: النظام السوري هو تحت طائلة سلسلة من القرارات والعقوبات والمراقبات الدوليّة، من مجلس الأمن الدولي... إلى الولايات المتحدة، مروراً بـ«الاتحاد الأوروبي» و«الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة». هذا الوضع يجعله محاطاً بعدد كبير من الممنوعات ومن الواجبات المفروضة عليه. ولا شك في أن بدء عمل المحكمة ذات الطابع الدولي المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري سيزيد من هذه الضغوط القانونيّة عليه. يستحيل إلغاء كل هذا الكم من القرارات والآليات القانونيّة بقرار من ساركوزي أو من غيره. - الوضع الاقتصادي: الاقتصاد السوري في أزمة مزمنة. والانفتاحات الأخيرة على الرساميل الخاصة لا يمكن أن تكفي لحل ما هو في الحقيقة مأزق اقتصادي استراتيجي، ناتج عن خيارات استثمارية وسياسات توجيهيّة عفا عليها الزمن. كما أن تدهور العلاقات مع السعودية زاد في الطين بلة، سيّما وأن «الحليف» الإيراني ليس معروفاً بسخائه. - الوضع الداخلي: ثمّة قطيعة عميقة بين النظام السوري والمجتمع السوري. ممارسات النظام قمعيّة وأمنيّة. هناك أزمة سياسيّة حادة في البلاد بسبب النقص في الحريّات وبسبب غياب الديموقراطيّة. أضف أن هناك تناقضات خطيرة داخل النظام، وداخل العائلة الحاكمة، وداخل الجيش، وداخل الأجهزة الأمنيّة، وداخل قيادات الحزب، وحتى داخل زعماء الطائفة العلويّة. هناك خلافات طائفيّة وسياسيّة كامنة. النظام محمي بالقوة وليس من قبل شعبه. وكل هذا يشكل عامل ضعف يصاحبه في كل لحظة. - الوضع العسكري: الجيش السوري لا يشكل اليوم قوة يمكن الاستناد إليها في أي صراع، لا ضد إسرائيل، ولا ضد الولايات المتحدة. تنظيمه الداخلي هش. تدريبه ليس بالمستوى الدولي. تجهيزاته التقنيّة والتكنولوجيّة قديمة جداً. طيرانه الحربي غير قادر عمليّاً على القيام بأي مهمة استراتيجّية. وهو عاجز على الرد على الخروق الوقحة التي تقوم بها إسرائيل للأجواء السوريّة كلما شاءت. في موازاة نقاط الضعف التي أشرنا إليها، يملك النظام السوري مجموعة نقاط قوة يمكن أن يستند إليها: - التحالفات الخارجيّة: على الرغم من عزلته الحقيقيّة والقاسية، عربيّاً ودوليّاً: يتمتع النظام السوري ببعض التحالفات الخارجيّة. فهو، على الرغم من توتر العلاقة بينه وبين إيران، ما زال إلى هذه اللحظة يستفيد من قدرة المحور الإيراني في المنطقة على التعطيل (ويساهم هو كذلك في استمرار هذه القدرة). وهو لديه علاقات معروفة مع تنظيمات مسلحة عديدة، فلسطينيّة ولبنانيّة، إسلاميّة («حزب الله» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي»...)، وغير إسلاميّة (المنظمات الفلسطينيّة الصغيرة اليساريّة والمتطرفة والتي يتبع بعضها كلياً النظام السوري). وإضافة إلى هذه العلاقات المعلنة مع هذه التنظيمات، ثمّة علاقات غير معلنة للنظام السوري مع فلول «القاعدة» ظهرت بوضوح في دوره في العراق وفي ملف «فتح الإسلام» في لبنان. كذلك، ولأسباب جيو استراتيجيّة، تحافظ موسكو وبكين على علاقات جيدة مع دمشق. وأخيراً، لدمشق علاقات ممتازة مع دولتين نافذتين في المنطقة: قطر وتركيا. ناهيك عن علاقات مع «معزولي العالم» من السودان إلى ليبيا ومن كوبا إلى كوريا الشماليّة. - دعم إسرائيل المعقد: يتمتع النظام السوري، شاء أو أبى، سلّم بذلك أو نفاه، بدعم حقيقي من قبل إسرائيل ومن قبل اللوبي الصهيوني في الخارج. إسرائيل ترى في هذا النظام «جاراً مثاليّاً» في الظروف الراهنة: ففي سورية هدوء داخلي منذ عقود... ولم تطلق ولا رصاصة واحدة على جبهة الجولان منذ 35 سنة. نظام لا يقاتل لتحرير أرضه المحتلة. يخصص سواد موارد البلاد لجيوبه ولقمع شعبه. طبعاً، لا يعني هذا الدعم من قبل إسرائيل أنها تريد تقوية النظام السوري. دعمها يقتصر على المحافظة عليه. فهي وقفت ضد كل الاقتراحات التي كانت تهدف إلى قلبه بالقوة على غرار ما جرى في أفغانستان في 2001 وفي العراق في 2003. - الموقع الجغرافي: يشكـّل موقع سورية الجغرافي، كهمزة وصل بين أوروبا وآسيا، وفي وسط الشرق الأوسط، وعلى مقربة من قوى إقليميّة أساسيّة (إسرائيل، تركيا، إيران)، ومن ملفات حسّاسة جداً على الصعيد الدولي (العراق، القضيّة الفلسطينيّة، لبنان)... ورقة أساسيّة في يد النظام السوري. - الممارسات الإجراميّة: النظام السوري يبعث على الخوف. هو قادر على الاغتيال، على وضع متفجّرات، على تنظيم عمليات إرهابيّة، على خلق تنظيمات فيها انتحاريون، يجيد التآمر، وسبق له أن وضع قنابل واغتال ليس فقط في لبنان... أو في العراق... بل كذلك في أوروبا... وقتل عرباً وأوروبيين وأميركيين... إذاً، سجّله حافل بالممارسات الإجراميّة. - المشاكل العالقة: في يد النظام السوري سلسلة من المشاكل العالقة التي تسمّم الوضع في المشرق العربي. بإمكانه أن يعرقل ويماطل ويرفض حلها. من قضية الجولان، إلى قضية شبعا، إلى قضية الاعتراف بلبنان، وترسيم الحدود مع لبنان... ناهيك عن قدرته على عرقلة الحلول في فلسطين إلى حد ما... وحتى في العراق إلى حد ما... باختصار، لديه قدرة على العرقلة. صحيح أنها قدرة سلبية وغير بناءة، لكنها قدرة يجب أخذها في الاعتبار. - القدرة على التسخين الأمني: إذا كان النظام السوري لا يسخن أبداً جبهة الجولان، فهو قادر ـــ بدرجات متفاوتة بالطبع ـــ على تسخين «جبهات» أخرى عبر حلفائه وعملائه. «الجبهة» الأكثر تأثراً بذلك هي لبنان. لكن النظام السوري قادر كذلك على خلق توتر أمني في الملف الفلسطيني أو في الملف العراقي. - الهدوء الداخلي: يتمتع النظام السوري في هذه المنطقة المتفجرة أمنياً وسياسياً، من أفغانستان إلى موريتانيا، بهدوء أمني وسياسي داخلي نادر. ثمة استتباب أمني وثبات سياسي في سورية غير موجود في أي بلد آخر في المنطقة. الأردن أو السعودية أو المغرب أو مصر أو الجزائر جميعها تعاني من عمليات تفجير أكثر من سورية. الوضع السياسي في الكويت أو في لبنان أو في العراق أو حتى في مصر وفي الجزائر تسوده فوضى عارمة إذا ما قورن بسورية، فالنظام متمكن من ضبط الوضع بسبب أجهزته القمعية والأمنية وبسبب سجونه الواسعة وممارسات التعذيب والقتل. لا قضاء ولا حريات ولا حياة سياسيّة. وبالتالي، لا مفاجآت. وهذا لا شك أمر يحسد عليه بشّار الأسد. - لا بديل: عبثاً بحثت الدوائر الديبلوماسيّة عن بديل للنظام السوري فلم تجد. بعد تجربة العراق الفاشلة، لم يعد من الوارد الهبوط بالقوة على دمشق بحكومة آتية من المنفى. في الداخل المعارضة مقموعة بالدم، منذ عقود. وكل الأسماء التي طرحت من داخل النظام تم «انتحارها» أو قتلها أو نفيها أو عزلها. الجميع يعلم في الدوائر الديبلوماسيّة أن قلب النظام السوري سيخلق مرحلة طويلة من الاضطرابات الداخليّة في سورية، على غرار ما جرى في العراق، لأن سقوط هذا النظام القمعي سيؤدي إلى تفجر التناقضات المكبوتة منذ أزمنة. وحتى لو تمت الأمور، بقدرة قادر، بهدوء... فإن كل التقارير الغربيّة تؤكد أن تنظيم انتخابات شفافة في سورية اليوم سيؤدي إلى انتصار واضح... للاتجاهات الإسلاميّة.لا يمكن أبداً طرح الأمور بهذه البساطة. هناك رغبة دوليّة في الخروج من المأزق الحالي في ملفات المنطقة. ولكن ليس بأي ثمن. هناك أمور مطلوبة بوضوح من النظام السوري. من ناحيته، النظام السوري وصل إلى حافة الانهيار بسبب التناقضات الداخليّة والمصاعب الاقتصاديّة والضعف العسكري والهزالة التكنولوجيّة. هذا يعني أن سياسة «الخنق البطيء» التي وضعت تجاهه في 2004 والتي كان شرطها الأساسي إجباره على تغيير سياسته من دون استخدام القوة ـــ وهي سياسة وضعت اساساً من قبل مجموعة من الخبراء الأوروبيين، ولا سيّما الفرنسيين، كردة فعل على «همجيّة» و«سطحيّة» و«خطورة» السياسة الأميركيّة في العراق ـــ قد بدأت تعطي نتائجها. المقاربة الدوليّة، وبالتحديد الغربيّة، تجاه سورية ليست قائمة على مبدأ إجراء صفقة مع النظام إذا ما قام بما هو مطلوب منه، بل على مبدأ تغيير طويل الأمد في آليات العمل السياسي والديبلوماسي في المنطقة. المطلوب من النظام السوري هو تماماً ما هو مطلوب من غيره... أي التخلي عن الإرهاب، وعن القمع الداخلي العنيف، واحترام القوانين الدوليّة، والاعتراف بسيادة الدول المجاورة، وعدم تطوير أسلحة دمار شامل سراً. أي، باختصار، ممارسة اللعبة الديبلوماسيّة بشروطها الدنيا. إذاً، المطلوب هو التطبيع في المنطقة. وهذا ما سينطبق تدريجياً على الجميع، بمن فيهم إسرائيل. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن العالم لم يعد قادراً على القبول بسياسة الابتزاز والتهديد التي أمنت استمرار النظام السوري منذ عقود. ليس هناك من لائحة مطالب رسمية موحّدة وضعتها الأسرة الدوليّة لكي تقدمها إلى النظام السوري. ما ذكرناه سابقاً، حول الرغبة في تطبيع الممارسات السياسية والديبلوماسية، هو الإطار العام المطلوب من جميع دول المنطقة. لكن هناك أمور


مطلوبة تحديداً وحالياً من النظام السوري، أهمها النقاط الـ15 التالية: - الخروج من المحور الإيراني. - التوصل إلى حل نهائي وثابت مع إسرائيل عبر التفاوض. - التخلي عن دعم الحركات الفلسطينيّة المتطرفة في فلسطين. -التخلي عن دعم «حزب الله عسكريّاً في لبنان، سيّما وأن ذلك يتناقض مع القرارات الدوليّة. - ترك لبنان وشأنه. الاعتراف بالسيادة اللبنانية. بناء علاقات ديبلوماسية مع هذه الدولة. ترسيم الحدود معها. - اعتماد موقف واضح من موضوع مزارع شبعا، لأن الموقف السوري في هذا الملف قام إلى الآن على الازدواجيّة. - القبول بالتعاون بشكل كامل ومن دون أي تحفظ مع المحكمة الدوليّة المتعلقة باغتيال الرئيس رفيق الحريري. - ترك العراق وشأنه. أي عدم ادخال مسلحين وأسلحة إليه. والتوقف عن حث بعض الساسة العراقيين المقربين من سورية على عرقلة الحلول الداخلية. - ترك الأردن وشأنه. فالأجهزة السوريّة لا زالت تقوم بممارسات غير مقبولة داخل الأردن. - اعتماد الشفافية في الملف النووي، أي ترك عمليات التفتيش الدوليّة حول هذا البرنامج المزعوم تجري بحريّة. - تدمير أسلحة الدمار الشامل الكيميائيّة والبيولوجيّة التي يملكها النظام السوري والتي لا يعترف إلى الآن بها. - القيام بتغييرات سياسيّة داخليّة تؤمن العبور تدريجياً نحو نظام سياسي يشجع الدول الغربيّة على التعامل الكامل معه. - إطلاق سراح جميع سجناء الرأي السوريين. - إطلاق سراح جميع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية وتقديم معلومات عن اللبنانيين الذين اختفوا خلال الحرب الأهلية في لبنان ويعتقد أنهم نقلوا إلى سورية. - الضغط على «حماس» لإطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة جلعاد شاليط، لأنه يحمل الجنسيّة الفرنسيّة. هذا مطلب فرنسي بالدرجة الأولى لكن دول «الاتحاد الأوروبي» لائحة المطالب هذه قاسية ومهينة. ويستحيل استراتيجياً على النظام السوري أن يستمر في رفضها. خصوصاً وأن لدى الأسرة الدوليّة، ولا سيّما لدى الدول الغربيّة والعربيّة، مجموعة من الرافعات الفعّالة للضغط عليه، أهمها: - الحصار الاقتصادي. - العقوبات القانونيّة. - القرارات الدوليّة. - العزلة التقنيّة والتكنولوجيّة - العزلة الديبلوماسيّة. - التعرية السياسيّة. - التهديد العسكري. هذه الرافعات أظهرت فعاليتها في السنوات الماضية، وإن هي لم تؤدِ إلى انهيار النظام، علماً أنه ليس من المؤكد أبداً أن المطلوب دوليّاً كان انهيار النظام (كما أشرنا أعلاه). أمام هذه الوضعية الديبلوماسيّة الحرجة، يسعى النظام السوري إلى سلسلة من الأهداف الاستراتيجيّة المترابطة، أهمّها أربعة: - الحصول على ضمانات تؤمن مستقبله. - فك الحصار عنه. - حمايته من المحكمة الدوليّة. - الحصول على دور إقليمي مهم. لكن يبدو من الصعب جداً، بل من المستحيل، أن يتمكن النظام السوري من تحقيق هذه الأهداف الأربعة، ليس بسبب ضعفه البنيوي فقط، بل لأنها تتناقض مع ثوابت المقاربة الدولية التي تريد الانتهاء من منهج الابتزاز والاستثناءات، وفرض القانون. والولايات المتحدة تدعمه بقوة. أمام هذه الاستحالة، يسعى النظام السوري، المخيّر في نهاية الأمر بين مصير نظام صدام حسين (الانهيار) ومصير نظام معمّر القذافي (الركوع والاكتفاء بالكلام)، البحث عن صيغة ثالثة... قائمة أساساً على كسب الوقت، وعلى إجراء توافقات أو صفقات طويلة الأمد على نقاط محددة فقط. كل منهجيّة الديبلوماسية السوريّة حالياً قائمة على هذا الخيار. فمثلاً، تستمر سورية في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لأن هذه المفاوضات بحد ذاتها تشكل عامل حماية للنظام السوري. غير أن سورية تشترط، في الوقت نفسه، لكي تقبل بالانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وجود أطراف دوليّة ترعى هذه المفاوضات، وتضيف أن هذا «الراعي الدولي» يجب أن يكون الولايات المتحدة (وتضيف أحياناً إليه «الاتحاد الأوروبي»). اللافت هنا هو أن سورية لا تطالب بضمانة من «منظمة الأمم المتحدة»، ولا بمؤتمر دولي يحسم الموضوع بسرعة، بل برعاية أميركية أوّلأً. والحقيقة أن الرعاية الأميركيّة التي يطلبها النظام السوري اليوم لمفاوضات السلام... هي رعاية أميركية لبقائه. فالديبلوماسية السورية تعتبر - من باب التذاكي - أن موضوع المفاوضات السلميّة هو مجال ابتزاز ذهبي. سورية دخلت في المفاوضات السلمية بشكل محدود (أي عبر المفاوضات غير المباشرة)، وبشكل بطيء (إسرائيل تريد التعجيل لكن سورية تضغط على المكابح). أي أن النظام السوري أظهر بذلك «حسن نيته». وما يطلبه الآن هو احتضان أميركي للمفاوضات... أي لاستمراريته هو كنظام. ولا أدل على ذلك من تلميح النظام السوري مراراً إلى أن المفاوضات سوف تكون طويلة. وأنها يجب أن تتوازى، أقله في المرحلة النهائيّة، مع حل نهائي على المسار الفلسطيني. واللافت هنا أيضاً هو أن الديبلوماسية السورية قبلت بجميع الاقتراحات الإسرائيلية الطويلة الأمد (مثل الانسحاب تدريجياً من الجولان على مدى 10 أو 20 سنة)، ولسان حالها، ضمناً، يقول: طالما أن سيرورة السلام تتقدم ولو ببطء فإن الأسرة الدولية لن تخنق النظام السوري. باختصار، ما يسعى إليه النظام السوري ليس التوصل إلى الحل السلمي الشامل فوراً، بل تثمير السيرورة السلمية، عبر اعتمادها عامل ابتزاز، لتأمين استمراره، محتفظاً قدر الإمكان إنطلاقاً مما ذكرناه أعلاه، من الواضح أن لا حل سليماً قريباً بين سورية وإسرائيل. لا مصلحة النظام السوري تقضي بذلك، ولا الوضع الداخلي في إسرائيل يسمح بانسحاب كامل وسريع من الجولان. هناك إذن توافق مصلحي بين النظام السوري وإسرائيل على إطالة أمد العملية السلميّة. طيلة هذه اللعبة الديبلوماسيّة المعقدة، وطيلة هذه السيرورة السلميّة الطويلة، سوف يحاول النظام السوري أن يبقي لبنان ورقة ابتزاز في يده، كما فعل منذ عقود، يسخنها عند الحاجة. أي إنه يريد أن يبقى لبنان بمثابة صندوق بريد، وساحة للتأفف والشكوى والتهديد. طبعاً، ستحاول الأسرة الدولية تحصين لبنان من ذلك تدريجياً، لكن مفتاح نجاح هذه الجهود الهادفة إلى الدفاع عن سيادة لبنان واستقراره هو في نهاية الأمر في يد الفرقاء اللبنانيين. لا، حكماً لا. لا قريباً ولا حتى تدريجيّاً. العزلة أو المحاصرة تحوّلت إلى أداة أساسيّة دوليّة في التعاطي مع النظام السوري. وهو، كما ذكرنا مراراً في تقاريرنا الديبلوماسية السابقة، في وضع صعب جداً. وليس هناك من بوادر على أن هذا النظام، في بنيته الحالية، قادر على التحوّل وعلى تلبية ما تطلبه منه الأسرة الدوليّة. لذا، فإن زيارة بشّار الأسد إلى باريس ليست، برأينا المتواضع، بداية مرحلة عسليّة من الانفتاح الدولي على سورية. على عكس ما قد يتراءى لبعض المراقبين، وضع النظام السوري اليوم هو الأصعب في تاريخه. يمكن الجزم ـــ بناء على مجمل المعطيات التي استعرضناها أعلاه، وبعد قراءة أمينة للتطوّرات التي تشهدها المنطقة ـــ بأن النظام السوري لم يكن في أي لحظة سابقة منذ تسلم آل الأسد مقدراته منذ قرابة أربعة عقود، في وضع بهذه الخطورة. النظام السوري لا يصارع للخروج مما هو فيه، ولا يمكنه أن يغيّر ما هو فيه. هو من حيث يدري أو لا يدري ينزلق رويداً كل يوم في مأزق متكامل، داخلي وخارجي وصل إليه. قد يتمكن هذا النظام من العيش في هذا المأزق المتكامل لفترة وجيزة أو قصيرة أو متوسطة، لكن من المستحيل عليه أن يستمر... ذلك أن مستقبله قاتم ومحسوم. وكل الخيارات المطروحة أمامه أو المفروضة عليه لا تؤدي في نهاية الأمر إلاّ إلى تسريع نهايته. هذا لا يعني بتاتاً أن النظام السوري سوف ينهار خلال أيّام أو أسابيع أو أشهر، بل يعني أنه في مرحلة عد عكسي. كونه يصارع فقط لتأجيل أجله المحتوم. النظام السوري لم يعد قادراً على التخطيط وعلى البناء، بل هو في وضعيّة تفكك، واستراتيجيته الوحيدة تقتصر على كسب الوقت وأمله أن تتغيّر المعطيات المحيطة به.



المحرر العربي

لا صراع حضارات بل صراع كيانات سياسية فالثقافات
لا تتناحر وإنما تتفاعل.....والحضارات لا تتصادم وانما تتلاقح.
......understood seek first to understand then to be
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06182 seconds with 11 queries