هنا للموضوع بعدان ، الأول يتصل بحرية المؤسسات الدينية في اتهام الآخرين و فرض آرائها على الآخرين كمحتكرة للحقيقة ، أو في استخدام هذا الموقف كفزاعة و مبرر لحصر هذا الحق ، أي تحديد الصح و الخطأ و معاقبة الناس ، بالدولة البيروقراطية ، و يتصل الثاني بحرية البشر أنفسهم حتى على الضد من مواقف و فتاوي هذه المؤسسات الدينية و بالتأكيد السلطة..طبعا سيكون علينا هنا مواجهة نكتة أن الحرية الإنسانية مقيدة بالضرورة و أن هذه القيود تحددها أساسا السلطة حرصا على المجتمع نفسه الذي تقمعه و المؤسسات الدينية المسؤولة عن ضمير الإنسان و عن روحه..أحد الأسئلة الأساسية اليوم هي تنافس القوى الإسلامية و السلطات التي تدعي العلمانية على السلطة مثلا ، و بالتالي "حدود" حرية المؤسسة الدينية التي لا بد أن تكون حريتها هذه على حساب حرية الناس أنفسهم ، لأن أساس ما تقوم به هو تحديد حدود حرية تفكير و تعبير البشر ، حدود المسموح و الممنوع ، و قبل هذا و ذاك تكريس السلطة المطلقة بالفعل للدولة في مواجهة الجميع ، مع عدم نسيان الدور المركزي الذي يلعبه رجال دين القصور في تكريس هوية طائفية خاصة للدولة و لمواطنيها "المخلصين الجديرين" أو "المثقفين العلمانيين" في تكريس تهميش المؤسسة الدينية و اضطهادها لحساب الدولة المطلقة حسب الظروف الخاصة بكل دولة و مجتمع..
بالعودة إلى الوثيقة التي وقعها حزب الله و السلفيون اللبنانيون لا أجد مشكلة ، انطلاقا من حرية كل البشر في اعتناق ما يريدون و التفكير كيفما يشاؤون ، في أن يمارس رجال الدين السنة أو الشيعة ، أو من يشاء ، تكفير الآخر ، بل إنني أرى أن من حق أي إنسان أن يعلن كفره و إيمانه بما يشاء ، القضية هنا أن هذا "الكافر" هو إنسان يمارس حقه في التفكير و استخدام عقله ، و على الجميع أن يكفوا عن اعتبار هذه جريمة تستحق العقاب ، إنها موقف يستمد مشروعيته من حقيقة أن الإنسان كائن عاقل..يجب تضمين هذا في الوثيقة ، و لكي تكون كاملة يجب التأكيد أيضا على أن أي إنسان و فكر قابل للنقد ، نبيا كان أو رجل دين أو سلطان أو مفكر ، أي أن يكون حق الانتقاد و الاتهام محفوظ للطرفين على قدم المساواة دون أن يفرض أيا منهما عصمته على الآخرين بقوة التدمير المقنعة..قد يكون هذا بداية لتوثيق مختلف عن حرية الناس ، كل الناس ، في استخدام عقولهم دون تابوهات بما يعني إعادة ترتيب المشهد الحالي للخطابات الإقصائية للقوى المسيطرة و الموجهة أولا ضد الآخر المختلف و في الواقع ضد الإنسان نفسه ، كمقدمة للدفاع عن هذا الإنسان في وجه القوى التي تهيمن على حياته و تحوله إلى آلة لتوليد الثروة و لتحقيق هيمنتها بقتله للآخر…..
موقع سورية الان