عرض مشاركة واحدة
قديم 15/02/2009   #2
صبيّة و ست الصبايا sona78
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ sona78
sona78 is offline
 
نورنا ب:
Jun 2008
مشاركات:
1,993

افتراضي تتمة


ثانياً، كيف قرّر برنباوم ورفاقه أن يختصروا تاريخ الصراع بـ«أربعين سنة» فقط لا غير؟ على أي تقويم اعتمد برنباوم وأتباعه من المثقفين (والمثقفات) العرب؟ ماذا كان يجري على أرض فلسطين قبل ذلك التاريخ؟ وماذا عن الحروب العربيّة ـــــ الإسرائيليّة قبل ذلك التاريخ؟ هل كنا نتخيّل، أم كنا في كابوس طويل لم نفقْ منه إلا عندما بدأ دانييل برنباوم بالعزف على البيانو في ربوعنا؟ لم تتعرّض الدول العربيّة لعدوان قبل ذلك التاريخ المُستحدث؟ كنا نظن أن أدعياء المصالحة مع الصهيونيّة يريدوننا أن ننسى ما فعلت إسرائيل بنا قبل حرب 1967، لكن أدعياء المصالحة الموقعين قرّروا هكذا أن الصراع بدأ عام 1969. وهل نحن أمام إعادة لكتابة جديدة لتاريخ صراعنا مع إسرائيل بعدما قرّر عرفات في أوسلو أن الصراع بدأ طفيفاً في 1967؟
ثالثاً، لماذا يشير البيان المُزوِّر للتاريخ إلى الصراع مع إسرائيل بـ«الصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني»؟ ما هو سبب هذه التسمية الاختزالية؟ هل هي محاولة لتناسي العداء العربي لإسرائيل ولمحو آثام إسرائيل واحتلالاتها وعدوانها خارج أراضي فلسطين؟ ومن يحدّد هكذا بشطحة قلم، أو بضربة إصبع على البيانو، أن لا صراع بين العرب وإسرائيل؟ هل هذا اجترار لذلك المثل الذي كان هنري كيسينجر يستشهد به («اللي فات مات») أثناء زيارته لمصر؟
لكن صلب البيان أو فحواه يرد في عبارة أن الصراع «لا يُسوّى بالقوّة».
رابعاً، كيف قرّر فريق الموقّعين أن يصدروا حكمتهم هذه وعلى أي أساس وبناءً على أية معايير ومقاييس؟ ما هي القرائن؟ هل من حجّة تُذكر؟ على العكس، يمكن النظر إلى تاريخ الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي على امتداد أكثر من قرن (وقد بدأت جرائم الإرهاب الصهيوني على أرض فلسطين في الثلاثينيات، لمن يعاني فقداناً فظيعاً للذاكرة) واستخلاص ما لا يمكن إنكاره: أن القوة وحدها هي التي سمحت لإسرائيل بأن تسودَ (مرحليّاً طبعاً، لا أبديّاً) في منطقتنا، وأن القوة وحدها هي التي سمحت لإسرائيل باحتلال أراضي فلسطين وغيرها من الأراضي العربيّة. ولكن في المقابل، فإن القوة المُضادة وحدها هي التي فرضت مشروعيّة القضيّة الفلسطينيّة على العالم. لقد قرّر العالم (بتواطؤ عربي ـــــ ناصري وسعودي وأردني وسوري ـــــ غير خفي) تجاهل الحق الفلسطيني والإشارة إلى قضيّة الشعب الفلسطيني كمشكلة «لاجئين» في القرار 242. لكن انطلاقة الثورة الفلسطينيّة ـــــ وهي لم تكن ثورة بالشموع وبالأغاني والأهازيج ـــــ تمنع اليوم أية محاولة للقفز فوق الجوهر السياسي لاستدامة القضيّة الفلسطينيّة في الذهن الدولي، حتى لا نستعمل عبارة «المجتمع الدولي» الخاوية.
خامساً، إن المساواة الزائفة في المعاناة وفي حق الأمن بين الشعبيْن هي عمليّة مراوغة تهدف إلى الاستخفاف بمعاناة الشعب الفلسطيني، وعمليّة الزعم بظلم مزدوج ومعاناة مكرّرة بين الشعبين هي خدعة صهيونيّة ليبراليّة لم تنطلِ. كيف يمكن تكرار مقولة الدعاية الصهيونيّة ـــــ تحوّلت إلى كليشيه مُقزِّز ـــــ عن حق الشعبين بالأمن على أعتاب التدمير والقصف المنهجي والعشوائي والوحشي في غزة؟ إن مقولة الأمن كانت ولا تزال محاولة للظهور المصطنع بلبوس الضحيّة للطرف المُعتدي الذي يراكم أسلحة الدمار الشامل التي لا يلاحظها محمد البرادعي. ونظريّة لوم الطرفيْن أو مناصرة الطرفيْن تنتمي إلى سياق التخفيف من مسؤولية الخطيئة الأولى والثانية والثالثة التي تتحمّلها الصهيونيّة في مسار الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي.
سادساً، إن أخطر ما يتضمّنه البيان هو الدعوة إلى تجاوز الماضي. إن الدعوة إلى تجاوز الماضي، في الوقت الذي يستمرّ فيه حاضر الاحتلال والظلم والعدوان، هو معادلة في خدمة احتلال إسرائيل. تجاوز الماضي هكذا؟ كيف؟ هل دخل العدوان على غزة في ملفات الماضي الذي يدعو البيان إلى تجاوزه بسرعة؟ أم سيطلع علينا هؤلاء المثقفون والفنانون ببيان يدعون فيه إلى تجاوز الماضي بعد كل عدوان إسرائيلي ضد شعب عربي في أرض عربيّة؟ هل يجرؤ واحد (أو واحدة) من هؤلاء على طلب نسيان الماضي إثر عمليّة فدائيّة فلسطينيّة في إسرائيل؟ أم أن نسيان الماضي يتعلّق فقط بما تقوم به إسرائيل من احتلال وعدوان؟ هذا لا يعني أنه غير جائز النظر في «نسيان الماضي» في يوم ما، لكن بعد تحرير فلسطين لا قبله.
غير أن الصحافي الرصين والعليم، رفيق خوري، يحذّر من حرب أبديّة مع إسرائيل. هو على حق. ليست هذه حرباً أبديّة، ولم تسعَ حركة المقاومة الفلسطينيّة يوماً إلى حرب أبديّة. وبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، قبل تعديله على يد ياسر عرفات ودنيس روس ومارتن إنديك، كان واضحاً في رسمه أهدافاً محدّدة: يمكن المقاومة أن تنتهي في حقبة زمنيّة معيّنة عند تحقيق شروط تحرير الأرض الفلسطينيّة كاملة وعودة اللاجئين إلى بيوتهم. لكن خوري، الذي يرفض المقولات المطلقة ذات المنحى الديني، يعود ليقول إن من المستحيل بناء جيش عربي لمواجهة إسرائيل. ماذا يريد خوري إذاً؟ لا يقبل بالمقاومة ولا يقبل بالجيش الذي يمكنه أن يواجه إسرائيل. هل البديل يكمن في الرضوخ المطلق للمشيئة الإسرائيليّة، كما يفعل الرئيس المحنّط في مصر والملك الهاشمي في الأردن؟ هذان الحاكمان المُنصّبان يمثّلان نموذجيْن مُنفّريْن لبديل يرفض المقاومة والجيش الوطني. لكن خوري ينسى أن لبنان انتهج هذا المسلك قبل الحرب اللبنانيّة، وعاد وجرّبها في عهد أمين الجميّل المظلم.
والزحف نحو الاستسلام لإسرائيل بمسمّيات مختلفة جارٍ على قدم وساق: صدرت الأوامر الملكيّة والأميريّة في إعلام آل سعود. والطريف أن المسيرة تجري باسم العقلانية ومن أجل الترويج للبن بازيّة. حازم صاغيّة كان صريحاً في طلبه نسف فكرة المقاومة من أساسها. لكن هؤلاء العقلانيّين لا يلاحظون تناقضاتهم. ينادون بالعقلانيّة ويتشرّفون بالصلاة وراء ملك السعوديّة وملك الأردن عندما يؤمّان صلاة الاستسقاء. مهما جنحوا وكيفما جنحوا هم يجنحون ـــــ ومعهم مطبّلون مزمّرون ـــــ باسم العقلانيّة. وحازم الأمين العائد من زيارة غزة ـــــ عقلانيّاً طبعاً ـــــ اشتكى من تراخي إسرائيل في قصف الأنفاق وتدميرها.
يتحدّث ماركس (في «من أجل مساهمة في نقد «فلسفة الحق» لهيغل») عن الورود الخياليّة التي تغلّف القيود. ويحاول «برنباوم» وشلّة المثقفين (والمثقفات) الذين وقّعوا البيان أن يغلّفوا قيود الاحتلال بألحان من البيانو والعزف الأوركسترالي. يحاول مثقفو الاحتلال والاستسلام إيهام الرأي العام العربي بأن الموسيقى والفن لا يستقيمان بوجود مقاومة من أي نوع كان. وعى ذلك الشاعر الفرنسي الذي كتب قبل نحو قرن ونصف من الزمن في جريدة عاميّة باريس (وهي غير عاميّة قريطم) عن هذه الملابسة المزيَّفة والمزروعة على يد الثورة المضادة عندما قال عن «مهرجان المسحوقين» في فرنسا آنذاك: «لا. باريس ليس لديها جنود فقط، بل لديها مغنّون أيضاً. لديها مدافع وكمنجات. وهي تصنع قنابل «أورسيني» (الإشارة هنا هي إلى فيليس أورسيني الذي حاول اغتيال الإمبراطور في يناير 185 وتصنع موسيقى».
لبرنباوم أن يعزف البيانو على أراضي فلسطين المحتلة، وله أن يسمع الموسيقى الكلاسيكيّة في بيوت فلسطينيّة محتلّة تحمل على جدرانها ذاكرة فلسطينيّة محفورة، لا تزول على مرّ الأعوام. ولبرنابوم أن يؤلّف سيمفونية بعنوان «العزف على أشلاء أطفال غزة». ولأدونيس، كلّما تقدّم به العمر (عتيّاً) أن يزداد استجداءً وإذلالاً من أجل الحصول على جوائز من الرجل الأبيض، وله أن يحيّي «الآنسة» «يويوما» ـــــ كما سمّاه في كلمته (في نصها المنشور في «الحياة») في جامعة كولومبيا ـــــ وأن يلحق بكنعان مكيّة الذي حصل من جامعة إسرائيليّة على شهادة فخريّة لتحقيره العرب في داخل فلسطين المحتلّة. ولنا ـــــ نحن العرب ـــــ أن نعزف وأن نرقص وأن نغنّي وأن نرسم وأن نمارس الحب والجنس والمجون والتجديف والرفض والعنفوان والمقاومة، ومن دون إشراف أو مباركة من الصهيونيّة.
* أستاذ العلوم السياسيّة
في جامعة كاليفورنيا


من جريدة الاخبار

قلي لي احبك
كي تزيد قناعتي اني امرأة
قلي احبك
كي اصير بلحظة .. شفافة كاللؤلؤة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04348 seconds with 10 queries