15 تموز
ليس البقاء في عفن الماضي أمراً سهلاً . و إذا ما تشبّث المرء بالماضي , برؤية مبتورة , تحتّم عليه التنكر دوماً لكلّ خبرة أو معلومات جديدة لا تناسب و تلك الرؤية , و كلما ازدادت المعلومات و المعطيات التي تتضارب و الرؤية , و هذا متعب , بل هو مرهق . و هو يتسبّب , خلال فترة من الزمن , بكثير من القلق الداخليّ و التعب النفسيّ . و كلّما تراكمت المعطيات المعاكسة , تعاظم قدر الجهد المطلوب في الدفاع عن الذات بالتنكّر لوجود تلك المعطيات .
و هذا الضغط المتزايد في سبيل التنكّر للواقع بغية الحفاظ على الطمأنينة الذاتيّة يضاعف من الهدر في القوى . هذا ما يجعلنا نفتقر يوماً بعد يوم إلى طاقة نحن في حاجة إليها كي نرغد في العيش و في الحبّ . و بينما نحن نتخبّط بين الإقرار بهذا الواقع و التنكّر له , نحسّ ببوادر القلق و الإرهاق و كأنّها أصبحت قسماً من حياتنا العاديّة . نحن نُرهق أنفسنا في الدفاع عن الرؤية التي أصبحت بمثابة سجن لنا . إنّ مثل هذا التوجّه في الحياة يُطلق على صاحبه صفة العصابيّ . إنّ الرؤية التي تشبّث بها الشخص المتصلّب بكلّ قواه , آملاً أن يعيش فيها بسلام و طمأنينة , قد أصبحت هي حدّ ذاتها مصدر قلق و كآبة .