عرض مشاركة واحدة
قديم 28/09/2009   #3
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي



القبلة السادسة (في الشعر العربي)

إذا كان التقبيل مما هو مألوف عند الناس جميعاً، فشعراء الغزل أقدر على التعبير عن هذه الحالة، وهم يدركون أثر القبلة في جَيَشان العواطف، وهم خبراء في الأفواه الجميلة، التي تفوح منها رائحة المسك، وتفتر عن ابتسامة آسرة، بعد أن يسقط القناع. وامرؤ القيس عميد كلية الغزل في الجاهلية يقول:
إن تُغدفي دوني القناعَ فقـد..............أُصبي فتاةَ الحيّ بالأُنسِ
دنو فأخضع في الحديث ولا..............ألهو عن التقبيـل واللمسِ

وعنترة خبير بفم عبلة لكثرة ما قبّله، فهو يقول:
إذ تستبيك بذي غُروبٍواضحٍ..............عـذبٍ مقبّلُـهُ لذيـذِ المَطعَـمِ
وكـأن فارَة تاجـرٍ بقسيمـةٍ ..............سبقت عوارضَها إليك من الفمِ

وهو القائل أيضاً:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل..............مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها..............لمعت كبـارق ثغرك المتبسـمِ

ويأتي المرقَّش الأصغر ليشبه فم محبوبته بأنه مسكر طيب الرائحة كالخمر المعتقة فيقول:
وما قهوةٌ صهباءُ كالمسكِ ريحُهـا..............تُعلى على الناجود طوراً وتقدحُ
ثَوَتْ في سِباء الدنِّ عشرينَ حجةً..............يُطانُ عليهـا قرمـدٌ وتـروَّحُ
بأطيبَ مِنْ فيها إذا جئت طارقـاً..............من الليل بل فوها ألذُّ وأنصـحُ

وقريب من هذا المعنى قال حسان بن ثابت:
كـأنّ فاها قهـوةٌ مـزّةٌ..............حديثة العهد بفضِّ الختـامْ
عتّقها الحانوت دهراً فقد..............مرَّ عليها فرطُ عامٍ فعـامْ
نشربها صرفاً وممزوجةً..............ثم نغنّي في بيوتِ الرخامْ

وحين جاء الإسلام استمر الشعراء يتغزلون بالمرأة، وقالوا فيها شعراً عفيفاً دعوه بالعذري، وشعراً لا عفة فيه دعوه بالإباحي. والحب العذري يقتصر العاشق فيه على حب امرأة واحدة طوال حياته ويخصّها بشعره لأنه ملتزم بحبها فقط. وأشهر المحبين في صدر الإسلام قيس بن الملوّح الذي أحب ليلى العامرية، فزوجها أبوها من غيره وفق التقاليد التي تحرّم زواج الأنثى بمن يشبب بها. ولقب قيس هذا بمجنون ليلى لأنه في أواخر حياته جُنَّ فعلاً. وعِشرة المحبين العذريين ليس فيها قبلات أو علاقات جنسية كما يشيع أكثر الناس. فماذا يفعل قيس المجنون؟ من يقبّل إذا لم يقبّل ليلى؟ ما البديل؟
يقول المجنون:
أمر على الديار ديار ليـلى..............أقبّل ذا الجدارَ وذا الجدارا
وما حبُّ الديار شغفن قلبي..............ولكن حبّ من سكن الديارا
وحين كتب أحمد شوقي مسرحيته الشعرية "مجنون ليلى" أنشأ مشهداً بين قيس وورد زوج ليلى فيه حوار ساخن. يتحدث شوقي بلسان قيس يستحلف ورداً إذا كان قبَّل ليلى فيقول:
بربّك هل ضممت إليك ليـلى..............قبيل الصبح أو قبّلتَ فاها؟
وهل رفّت عليك قرونُ ليلى..............رفيفَ الأقحوانةِ في نداها؟

وهذه جرأة من قيس أن يسأل زوج ليلى هذه الأسئلة المحرجة. لكن قيساً لا ينكر في مسرحية شوقي أنه وليلى تبادلا القبلات حين كانا صغيرين يرعيان البُهم فيقول واصفاً ما جرى في أيام الطفولة:
فكم قبلةٍ يا ليلَ في مَيْعةِ الصبا..............وقبلَ الهوى ليست بذاتِ معانِ
أخذنا وأعطينا إِذِ البُهمُ ترتعي..............وإذْ نحن خلفَ البُهمِ مستترانِ

وجميل بثينة شاعر عذري آخر يعترف بأن التقبيل هو السلوك الممارس في الحب العذري وهو سلوك طبيعي. فماذا يتوقع من المحبين أن يفعلا إذا التقيا في سكون الليل؟
قال:
فياليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً..............كَلَيْلتِنا حتى نرى ساطعَ الفجرِ؟
تجود علينا بالحديث وتـارةً..............تجود علينا بالرضاب من الثغرِ

والناس في العصور كلها شعراء كانوا أو غير شعراء يمارسون التقبيل، فمنهم من يعترف، ومنهم من يرى الاعتراف من قلة الأدب. حتى ابن الرومي الذي لم يشتهر بأنه كان من الشعراء الغزليين يقول:
أعـانقُها والنفـسُ بعـد مشوقـةٌ..............إليها، وهـل بعـد العناق تَدانِ؟
وألثـمُ فاهـا كي تزول حرارتـي..............فيشتـدُّ مــا ألقى من الهيَمانِ

وما كان مقدارُ الذي بي من الجوى..............ليَشفيَـهُ مــا تلثـمُ الشفتـانِ
كأن فؤادي ليس يشفي غليلهُ
..............سوى أن يرى الروحين يمتزجانِ..............
أما ديك الجن الحمصي الذي قتل حبيبته التي ظن بها الخيانة فيقول:
بأبي فمٌ شَهِدَ الضميرُ لَهُ..............قبلَ المذاق بأنَّه عذبُ
كشهادتي لله خالصــةً..............قبلَ العِيان بأنـه ربُّ

لكن الغريب أن تتحدث المرأة عن التقبيل بجرأة غير مسبوقة. والأغرب أن تكون هذه المرأة بنت خليفة هارب بثياب امرأة. إنها ولاّدة بنت المستكفي عشيقة ابن زيدون، وصاحبة المنتدى الأدبي الذي يرتاده الشعراء في قرطبة. كانت ترتدي وشاحاً تظهر به على ضيوفها كتب عليه بيتان من شعرها:
أنـا والله أصلـح للمعـالي..............وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وأمكن عاشقي من لثم خدي..............وأعطي قبلتي من يشتهيها

ويبدو أن ولاّدة لم تكن الوحيدة في منح القبلة أخذاًَ وعطاءً في شعر الغزل، فقد ذكروا أن حفصة الركونية كانت تهوى أبا جعفر بن سعيد في غرناطة، فها هي تغازله بقولها:
أزورُك أم تزورُ فإن قلبـي..............إلى ما تشتهي أبداً يميلُ
وقد أُمّنتُ إن تظمأ وتضحى..............إذا وافى إليّ بكَ القَبولُ
فثغري موردٌ عـذبٌ زلالٌ..............وفرعُ ذوائبي ظلٌّ ظليلُ
وفي العصر الحديث كثر التقبيل عند شعراء الغزل في أشعارهم. وكان أكثرهم جرأة الأخطل الصغير في قصيدته "أسقنيها بأبي أنت وأمي" وقد غنتها أسمهان منذ أكثر من ستين سنة ولم تمنع إذاعتها أي إذاعة. يقول الأخطل الصغير في مطلعها:
أسقنيها بأبي أنت وأمي (يقصد الخمرة)
لا لتجلوا الهمَّ عني
أنت همّي
يا حبيبي بأبي أنت وأمي
أسقنيها لا لتجلوا الهمَّ عني
أنت همّي
وفي مقطع آخر يقول:
غنني واسكب غناكْ
ولماكْ (تخطئ أسمهان فتكسر اللام)
في فمي فدّيت فاكْ
هل أراكْ
وعلى قلبي يداكْ
ورضاكْ؟
هكذا أهل الغزلْ
كلما خافوا المللْ
أنعشوه بالقبَلْ
ثم يتابع:
صبّها من شفتيك في شفتيَّ
ثم غرِّقْ ناظريْك في ناظريَّ
واختصرها ما عليك أو عليَّ
إنْ تكن أنت أنا
وجعلنا الزمنا
قطرة في كأسنا
يا حبيبي بأبي أنت وأمي
أسقنيها لا لتجلوا الهمَّ عني
أنت همّي

نستمع إليها بصوت أسمهان بألحان العبقري المجدد محمد القصبجي. وشاعرنا نزار قباني أمير الغزل له الكثير في القبلات، وفي قصيدته "وشوشة" يقول:
في ثغــرها ابتهـالْ..........يهمـسُ لـي تعـالْ
إلـى انعتــاقٍ أزرقٍ..........حـدوده المُحــالْ
وشوشـة كريمـــة..........سخيّـةُ الظـــلالْ
على فم يجوع فــي..........عروقِـه الســؤالْ
يهتف بـي عقيقُــه..........غـداً لـك النـوالْ
قومي إلـى أرجوحة..........غريقـةِ الحبــالْ
نلوّن المـدى نـدى..........ونصبـغ المحـالْ
نأكل مـن كرومنـا..........ونطعم الســلالْ
واشرب الفم الصغيرَ.......... سكّــــراً حلالْ
إن ألثم اليمينَ منـكِ..........قلــتِ: والشمـالْ
لا تسألـي:تحبنـي؟..........كنـــت ولا أزالْ


(يتبع)..

ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.10719 seconds with 10 queries