عرض مشاركة واحدة
قديم 28/11/2009   #10
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي


زياد الرحباني في ملف «الآداب»: بقدر ما أحب بيروت.. قسا عليها


جهاد بزي

يأتي زياد الرحباني فجأة. الرجل الذي «نحفظه»، أو نظن ذلك، تقدمه مجلة الآداب في ملف كبير فعلاً، ومن جزأين[. «صائد التحولات.. والانكسارات»، هكذا تصفه خالدة سعيد في دراستها، وتصير عنواناً للملف الذي أعدّه أكرم الريس. وشارك فيه أكثر من 15 شخصاً من أكاديمي وصحافي وفنان.

لوهلة، يبدو الملف خارج السياق. زياد، لمحبيه على أنواعهم، ما زال يخوض في هذه التجربة المفتوحة. الرجل المحظوظ بنفسه فعلاً، لديه الكثير ليقوله، وبطرقه المتعددة. لم يخرج من الحاضر الآني بعد، كي تُكتب فيه دراسات. أكثر شباباً، قد يظن الواحد إذا لم ينتبه إلى أن زياد موجود وفاعل في المشــهد اللبناني منذ 36 سنة، أي من العام 1973، وكان عمره حينها، 17 سنة. الملف ليس خارج السياق إذاً، بل، وعلى العكس، يضع النتاج الفني السياسي، والفنان نفسه، في سياقهما، تدلّ إلى ذلك «المحطـات» التي أعدّها الريس عنه، وتنطلق من ولادته لتمر على محاولة انقلاب الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى مسرحية نزل السرور إلى الحرب الأهلية إلى فيلم أميركي طويل.. إلى آخره.

على مثل هذه الوتيرة تمضي الصفحات الستون، من دون أن يكون لزياد مكان لمقابلة معه، ولا لأن يكون الجهد المبذول «تحية لمن يكره التحيات والتهاني»، على ما جاء في مقدمة سماح إدريس، رئيس تحرير المجلة. الإضاءات التاريخية والثقافية والفنية هنا ساطعة.. المؤرخ اللبناني مسـعود ضاهر، يحلل التغيرات الثقافية التي شهدها لبنان مع التحوّلات التاريخية. يكتب: «كان معظم الفنانين والمثقفين ينحدرون من أصول ريفيّة لا مدينية. وكان يتملــكهم حـنين جارف إلى تقاليد القرية اللبنانية وطبيعة علاقاتـها الاجتماعية القائمة على الاحترام المتبادل للعادات المشتركة وتقديم العون الاجتماعي والمشاركة في الأفراح والأحزان (...) واستمر دفق الأعمال الثقـافية والفنية التي تمجد القيم الريفية وتحذر الريفيين من التطبع بأخلاق سكان المدن ولا سيما بيروت الكوسموبوليتية المنفتحة على كل أشكال التحرر. لكن الحرب الأهلية شكّلت صدمة كبيرة للثقافة الريفية التي تغـنّى بها كثير من الأدباء والفنانين في لبنان، وفي طليعتهم الأخوان الرحباني. فتراجعت القيم الريفية وتراجع معها الحنين إلى مرويّات القرية الرومانسية. وحلت مكانها ذاكرة الطوائف الموتورة ذات النزعة إلى تدمير الذات والآخر»...

في مكان آخر يتابع ضاهر: «ولد زياد في مناخ المشروع التجديدي للأخوين الرحباني فتقاطع معه في بعض جوانبه، لكنه سرعان ما اتجه نحو بناء مشروعه الخاص ولقد أشّرت التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدها لبنان قبيل انفجار الحرب الأهلية إلى تغيرات بنيوية في المجتمع اللبناني وبات الحنين إلى ماضي القرية اللبنانية الهادئة واللبنانية مجرد أحلام رومانسية».

المدينة، بيروت، بكل فجاجتها، جلية في أعمال زياد، منقولةً ليس بالضرورة حرفياً، لكن بحرفة ابن تحولاتها وانكساراتها. وليس أدق من عبارة ضاهر إذ يكتب: «بقدر ما أحب زياد بيروت، كان يقسو عليها».
في تحليل آخر، بمفهوم قريب، تكتب «الباحثة الانثروبولوجية» يارا الغضبان: «في قلب المجتمعات الممزقة داخلياً، يحدث انفجار إبداعي. هكذا يتساكن المرض والعنف مع إنتاج غير مسبوق في ميادين الفن التشكيلي والموسيقى والمسرح والسينما والأدب. ويكون الفن، في هذا السياق ميداناً لإرجاء المعاناة، متيحاً للمجتمع أن يهرب من الحوافز المدمرة للذات، الناجمة عن تاريخ طويل من العنف».

أجاد زياد في تقديم «عنفنا» إلينا؟ فعل، عبر المسرح والإذاعة بشكل خاص، غير أن هذا ليس كل ما فعله. هناك موسيقاه التي يفرد لها الملف صفحات، ولا شك أن لفيروز وعاصي الرحباني مكانيـهما الكــبير فيها. الفنان المسيّس (بمفهوم أشمل للسياسة) قدّم أشياء أخرى أيضاً. المخرجة ريما الرحباني كتبت عن تأثير مباشر للشقيق الأكبر الذي عاشت طــفولتها معـه، وعملت على خشبة مسرحه. الروائية الفلسطيـنية عدنيّة شلبي تشــير إلى تلك الســطوة الخــفية لزياد: تحكي بالمثنى عن شخص واحد (رجل أو امرأة). تقول: باستماعهما إلى أعمال زياد، وبالتحديد إلى طريقة استخدامه للغة، تهشمت صورة الأخير ككيان يلّقن وفق قوانين مُنزلة لا تمـس. وهكذا تبدل إحساسهما بالرهبة والخنوع، فبات إحساساً بالحميمية والذاتية والثقة باللـغة إلى درجة اللهو معها. بل أصبحا شديدي القرب مــنها، وراودتهما الرغبة في استخدامها لتأليف نصوصهما الخاصة... لكنها تعود لتختم: إذا كان استخدام زياد للغة قد أهداهما حقاً إلى الإحساس بالحمـيمية والذاتية نحوها، فإن عليهما الاهتداء الآن إلى لغتهما الذاتية بذاتهما».

هذا التأثير تقاربه الزميلة سحر مندور في النص الذي رسمت صوره لينا مرهج في معرض انتقاد منحى تقمص بعض أبناء جيلها لشخصيات زياد، «يتمردون بلغة متاحة وجاهزة». وتعود لتنفجر ضاحكة وهي تسأل: من يقوى على مقاومة: عفوا سنونوتي.. لا تسأليني.. فليس لكل سؤال.. جواب.
من تصعب مقاومته. المتعدد. القاسي على مدينته. العاجز عن الرحيل عنها، من حقه على محبيه مثل هذا الملف الكبير، من داخل السياق.

[ الجزء الاول من الملف صدر في العدد (11ـ12 تشرين الثاني ـ كانون الأول 2009) وشارك فيه الياس سحاب، جان شمعون، خالدة سعيد، سحر مندور، سعيد يوسف، سهيل خوري، طلال وهبة، عدنية شبلي، لينا مرهج، مازن حيدر، مروان محفوظ، مسعود ضاهر، يارا الغضبان

ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03896 seconds with 10 queries