حلقة عربية
أنا حزين على العرب
لست متأكد بأنهم العرب من أحزن عليهم , ولكن لتوصيف أكثر دقة, أقصد الناس الذين يسكنون سوريا, العراق, فلسطين, ولبنان. من يرغب بتسميتهم "عرب" فله ذلك أما أنا فأفضل تسميتهم "أهلي".
أما الحزن , فهو ذاك الشعور الذي ينتابني بعد كل عودة من بلاد الفرنجة. أما السبب فهو أحساسي بأن العرب فقدو أنسانيتهم.
لماذا و كيف ومن المسؤول و غيرها من الأسئلة المنطقية فهي غائبة من أذهان هؤلاء الناس مثل أنسانيتهم. رغم أن بعضهم يتخبط بأجوبة لهذه الأسئلة من وقت لأخر , دون أي تصور لأي حل.
شعب حزين , فقير , محروم , معقد , مبنج , مستجحش , مستغبى , ويتنقل : إما جائع أو متخوم , إما ظالم أو مظلوم , إما قاتل أو مقتول , إما مواطن أو مسؤول , إما معارض أو معروض , وإما هين أو مسهول.
سألني أحدهم , من بلاد الفرنجة , ما بالكم أيها العرب ؟ أتمنى لو سمعت بعربي حاول أو فكر بتسلق الهملايا . طبعا كان بأمكاني و بسهولة أن أقول : العربي عنده قضية أولويات.
لكنني تداركت نفسي و استسخفت هكذا رد. وحضرني الماغوط "رضي الله عنه" اذ قال : "بدك شي ولد يلعبلك بقضيتك" وأضيف عليها و يلعب بأولوياتك ؟
في إحدى ساحات روما , وعند المساء, و بشكل شبه الهي, اجتمع الناس "غيرنا" من كل دين وعرق حول فرقة موسيقية انكليزية تؤدي بعض الأغاني الشعبية بشوق و اتقان و "ببلاش" ولغاية وحيدة هي اسعاد الناس وأنا من بينهم .. بل أحسست أنني المعني بالمهمة السامية وهي إسعاد الناس, و قد كنت أمر بلحظات ضيق وأنا أفكر أنه يومي الأخير في روما, فأحسست بسعادة فائضة استدعت فيضان دمعتين على خدين شرقيين حزينين. حتى السعادة في صدر الشرق تأتي مترافقة مع دموع كان قد قدر لها أن تترافق مع مشاعر أخرى.
تمنيت لو تنشق السماء من جهة الشرق فقط , وتأتي يأحبابي من سوريا و العراق وفلسطين وبعض لبنان "علهم يتقون" , وأن تسعهم هذه الساحة الصغيرة الغائبة في زوايا روما المقدسة.
سيداتي سادتي: هذه دعوة للهجرة "غير الشرعية" , دعونا نموت في قوارب صغيرة على شواطىء أوربا الجنوبية كما يفعل الأفارقة, أخواننا في الانسانية.
دعونا نركب مراكب الصيد التافهة ونتجه الى تللك المعسكرات المعدة لنا خصيصا والتي يختبرون فيها أهليتنا وصلاحيتنا للعيش في أوربا, و النتائج أضمنها لكم.
دعونا نهجر أوطاننا , فهي ليست لنا , على الأقل مؤقتا. وسنعود يوما و بشكل أفضل.
يحضرني هنا حادثة لصديق قديم لوالدي "طيب الله ثراه". فهذا الصديق عجز عن الحصول على الثانوية العامة حتى لقب ب "الحمار" بلأذن من بريجيت باردو , فما كان منه ألا أن هاجر ألى الأرجنتين. عاد بعد خمسين عام ألى الوطن , وفي المطار خرج عن الطابور العشوائي لختم جواز السفر , فما كان من الموظف المؤهل إلا أن بادره "وقف بالصف يا حمار ".
هذه دعوة للهجرة, فإما أن نقف في تلك الساحة نستمتع بتلك الموسيقا دون التفكير باليوم التالي مثل البشر أو لنوت برصاص حرس الشواطىء الأوربية أو لتغيبنا أمواج المتوسط الحنونة.
كلمة أخيرة لكل الخونة "خونة الرحلة" الذين لا يريدون السفر "يا عيب الشوم عليكم".
|