عرض مشاركة واحدة
قديم 11/03/2005   #1
شب و شيخ الشباب raji_k
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ raji_k
raji_k is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
حمص- سوريا
مشاركات:
108

إرسال خطاب MSN إلى raji_k إرسال خطاب Yahoo إلى raji_k
افتراضي 6 آذار - تذكار ........


6 آذار - تذكار الشهداء الاثنين والأربعين الذين من عمورية (نحو 845 م)
إن ذبح الاثنين والأربعين قائداً مسيحياً، من قواد الجيوش البيزنطية، بسيف العباسيين في بغداد، لأنهم وهم في الأسر ثبتوا بشهامة وأنفة على دين آبائهم وأجدادهم، لهو من الحوادث المروعة التي يذكرها الكتبة الكنسيون بعاطفة بليغة من الاعتزار والفخار.
كانت الجيوش العربية في ذلك القرن التاسع، على أيام هارون الرشيد والمأمون وخلفائهم، تجتاج البلاد الرومية في آسيا الصغرى، وتعود أحياناً ظافرة مثقلة بالغنائم. فجاءت يوماً وطوقت مدينة عمورية في اقليم فريجيا، وشددت الحصار. فاستبسلت حاميتها وصمدت للعدو اشهراً طوالاً. لكن أحد الخونة من الروم فتح الأبواب للعرب، فدخلوا واعملوا السيف في رقاب أهلها، وذبحوا الحامية عن آخرها. إلا أنهم أبقوا على القواد، إلا أنهم أبقوا على القواد، وكانوا اثنين وأربعين قائداً. فجردوهم من أسلحتهم، وصفدوهم بالحديد، وساقوهم إلى بلادهم، وطرحوهم في غياهب السجون.
وعلل العرب النفس، بعد أن أذاقوهم مر العذاب والهوان، بأن يحملوهم على انتحال الإسلام، كما فعل غيرهم. لكن أولئك القواد البواسل آثروا السجن والموت على أن يكفروا باله حداثتهم ورب عيالهم وأولادهم. وشدد العرب عليهم في أسرهم، فلم ينالوا من ثباتهم مأرباً. وكانوا كل يوم يعللونهم بالحرية وبالعودة إلى انسبائهم وأولادهم، على شرط أن يكفروا بالمسيح ويؤمنوا برسالة محمد ويختتنوا ويقيوا الصلاة مع الخليفة. ولم يكتفوا بإثارة عواطفهم، بل أرسلوا إليهم علماءهم ليقنعوا بحقيقة الإسلام، فوجدوهم قلوباً اصلب عوداً من قناة الرماح وارهف جداً من أسنة السيوف.
وبقي أولئك الأبطال سبع سنوات يعانون الأسر والضيق والجوع والعري، وقد أكلتهم الأوساخ وأنحلت أجسامهم ظلمة السجون، وهم صابرون على الضنى، متوكلون على الله، راسخون في إيمانهم، ثابتون في عزيمتهم. كانوا أبناء البيوتات الكبيرة وأولاد الترف والنعم، وكان بعضهم من إشراف البلاط ومن فرقة الحرس الملكي. لكنهم ذكروا اله أمهاتهم وقربان هياكلهم، وذكروا إيمان نسائهم وأولادهم، فآثروا ذلك الموت المستطيل على أن يخونوا العهد الذي قطعوه مع المسيح الملك.
فلما رأى العرب أن لا حيلة مع أولئك الشجعان، صمموا على قتلهم. فأخرجوهم إلى ضفاف دجلة واستعرضوهم واحداً واحداً. ونادى عريفهم الضابط الذي كان يراه متزعماً بينهم، وهو ثاوذورس كراتيروس، وقال له: أنت كنت كاهناً وخلعت الثوب الرهباني وذهبت وراء الدنيا وطلبت المجد في الجندية؛ فكيف لا ترضى الآن بالعودة إلى المجد والحرية وأطايب الحياة؟ فأجابه ثاوذورس: هو السبب الذي من أجله أفضل الموت على الحياة. فاني بآلامي وموتي اكفر ذنوب حياتي. ما قولك في عبدٍ لك هرب من بيتك ثم عاد يجاهد ويموت في سبيلك، ألا تصفح عنه؟ قال العريف: أصفح. فقال القائد: إذن يصفح الله عني. فقال: أنك تموت بهذا السيف. وشهر سيفه، فمدّ ثاوذورس عنقه، فرماه. وتقدم أولئك الشجعان واحد فواحد، فضرب العرب أعناقهم. ففازوا الفوز العظيم في تلك المعركة الأخيرة، وكانت أشد هولاً من كل ما لاقوه في ساحات الوغى. فهناك كانت الأوطان والإخوان والبسالة والحماسة والطبول والأبواق والأعلام والأصوات تدفنهم فيستبسلون. أما هنا فالشتيمة والذل والأسر والضعف والغربة المريرة والعائلة البعيدة. لكن إيمانهم كان حياً عظيماً فسموا بأنفسهم إلى الأعالى فاتصروا، وعادوا إلى الملك السماوي الأكبر مكللين بالغار الظفر. كان ذلك سنة 845 على عهد الخليفة الواثق بالله بن المعتصم.
وأما ذلك الخائن المدعو بديزس فقد لقي هو أيضاً حتفه. لأن الخليفة انتهره وقال: لو كنت أميناً مثل أولئك لربك لما أقدمت على فعلك. فأمر به، فضربت عنقه.
إن حادث استشهاد هؤلاء القواد الأبطال كتبه المؤرخ افوذيوس المعاصر لهم، وذكره غيره من الكتبة البيزنطيين أمثال كذرينس وزوناراس ويوحنا الككليتس ولاون غيرهم. وكتب عنهم رورنجر صاحب التاريخ الكنسي المسهب كتابةً بديعة بقلمهِ الشائق.


من كتاب السنكسار

R-K
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03130 seconds with 10 queries