الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 11/10/2006   #129
شب و شيخ الشباب chefadi
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ chefadi
chefadi is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
بيتي متل ورقة احترق
مشاركات:
544

افتراضي


رح نبلش اليوم بالمسرحيات اللي كتبا ونوس بعد اصابتو بالسرطان و اللي انا بشوفا اهم و اعمق

يوم من زماننا
كتبت عام 1993

إنه زماننا إذن. حاضرنا الذي نواجهه وليس زمنا آخر يستعاد

رواية المسرحية :
فاروق - بطل المسرحية - معلم الرياضيات - الذي تستغرق رحلته الاكتشافية يوما واحدا، في أيام الشتاء القائمة الباردة - كما يضيف المؤلف (الراوي). إنه يرى كيف تتقوض المؤسسات، التربوية والسياسية والدينية، وكيف تخرج عن مسارها الطبيعي والصحيح، وكيف يمارس القائمون عليها عملية تضليل فاضحة، وكيف يتحولون ومؤسساتهم، ومن ثم الأفراد العاملون فيها الى دمى تحركها امرأة، من منزلها الذي تتقاطع فيه المصالح والرغبات والاتجاهات كلها. إنها تمثل دائرة، تحتوي المدرسة والجامع ومركز السلطة. ولكي تقرأ حالة المنطقة، عليك أن تمر بمنزل (الست فدوى) فهو المركز، وما الدوائر الأخرى الصغيرة، إلا الأطراف. والدوائر الكبيرة قادرة على ابتلاع الدوائر الصغيرة أو تحطيمها، بما لديها من سلطة سرية وعلنية، فهي التي تقدم (البضاعة) للزبائن، ومن ثم تملي عليهم شروطها، ولكي تحدد ملامح فدوى تماما وينجلي عالمها الداخلي يتركها الكاتب تحكي حكا يتها: (تزوجت زواجا عائليا مرتبا. أرادوا أن يشفوني من قصة حب كئيبة إلا أن الزوج اكتشف أن البضاعة مغشوشة) وأنه لا بد من (البازار) طالما أن البكارة مهتوكة (والبازار مع والدها) وحصل الزوج من والدها على (الاكرامية والتعويض) وأخذ جزءا من تجارته (وتحول الى مستخدم في متجر صغير لها) (وهي الآن
تبني مملكة من الثروة والمشاريع والطموحات).
(إنها الدنيا الحقيقية يا فاروق.. الدنيا المبنية من الطين والدم والشهوات والشراهة) الدنيا الفعلية التي نحيا بها، أما تلك التي كنت تظن أنها الدنيا فليست إلا أوهاما ونفاقا..).
عاشت (فدوى) الجديدة على أشلاء (فدوى القديمة) فدوى القديمة كانت فتاة ككل الفتيات في مثل سنها وبيئتها تحلم بالحب والزواج والأسرة والحياة النظيفة، بيد أنها خدعت وانتهت قصة حبها نهاية مأساوية، فأرادت أن تخرج من الرماد وتعيد بناء حياتها من جديد، فتزوجت رجلا لا تحبه، فكان الابن النموذجي لعصره، يتقن لغته ومفرداته ويجاهر بالانتماء اليه : (البضاعة) (الاكرامية) (البازار) كلها إشارات الى الحياة - السوق والى السوق - الانفتاح. ولقد قصد الكاتب من هذه الاشارات تعميق الاحساس باللعبة الانفتاحية وتحول كل شيء الى سلعة. عالم من (التشيؤ) و(السلع).
(فدوى) الجديدة تأسست فلسفتها على هذا العالم : الزائف بالنسبة اليها حقيقي والحقيقي زائف ! إنها تخرج المفاهيم من أنساقها وسياقاتها الطبيعية، لتشيد أنساقها ومفاهيمها الخاصة بها خارج المتعارف عليه، وتبشر - بأنها العسل القادم وبالفردوس القادم. أنبت فساد الزوج - وفساده جزء من الفساد العام - فسادا جديدا هو : (فدوى) الجديدة وأثمر بالتالي متوالية من الفساد، كان آخرها زوجة فاروق هذا (الدونكيشوتي) الباحث عن النقاء والبياض في عالم ملوث حتى النخاع.
انتشر سرطان (الست فدوى) في خلايا المجتمع، امتد واستطال، حتى وصل قلب المدرسة والمسجد والسلطة. في المدرسة يكتشف فاروق، أن الطالبات يرتدن بيتها وان بعضهن تكاد أن تفاخر بذلك ! مدير المدرسة ليس أكثر من حاجب في مملكتها وقد تشرب أفكارها وفلسفتها: (واجبي أن أحمي المدرسة من جرثومة السياسة، وأن أربي الطلاب على الولاء والطاعة) (الفتيات المتورطات ولاؤهن لا تشوبه شائبة)!
والخطر قادم من السياسة، من الأفكار اذا تنير العقل. لأنها يمكن أن تتحول قوة مادية على الأرض، يمكن أن تكون نذير تغير، أو بؤرة توتر تخلخل السائد، أو تفلح في هز أركانه. الولاء السياسي إذن، مقدم على الأخلاق.
الكتاب - أي كتاب - يفسد عقول الناشئة وعليه يغدو الكواكبي - مفكر عصر النهضة - ومن وجهة نظر المدير إياه، (مشبوها في صلاته وكتاباته) لأنه يشرح الاستبداد ويجلو طبائعه. وهكذا تتعمق (فلسفة) فدوى وتجد لها مريدين ويصعد (فكر) السوق، ليعيد ترتيب الأوضاع كما تشتهي (فدوى). الولاء السياسي، في صميمه، ولاء للسوق لأنه يتغذى به، بل إنه - الولاء السياسي - مشروط بالعائد المادي الذي توفره العلاقات المتداخلة، ألم يقل مدير المدرسة عن (الست فدوى) (إنها امرأة كريمة وخدوعة !) وطالما أن المساءلة في عرف مثل هذه الفلسفة، سياسية قبل كل شيء، وآلية تكتفي بالوقوف عند حدود التأكيد والتكرار والترديد والمزايدة، فإن أحدا لا يقلقه ما آلت اليه الأخلاق، فهي لا تهدد أمن البلد!
(فدوى) شخصية مركزية وهي كما يقول عنها فاروق تخرب البيوت وتفرق الجميع في وحل الفساد) وعلى الرغم من أن فاروق هو الذي يحرك ويدفع ويواجه،وحيدا :لا أن (فدوى لم هي الأكثر حضورا، ذراعها الطويلة تصل الى كل مكان، عن طريق الجنس وقد تحول (بضاعة) بل لعل له رواجا في مجتمع مازال الكبت يعشش فيه. وأهمية (فدوى) كشخصية محورية تكمن في أنها هي التي تزيد من إحساس (فاروق) بالغربة، وهي التوكيد على أنه يعيش خارج الزمن. هي التي تخترق المؤسسات والأفراد وهي التي تجر الجميع الى الخراب
وصل خرابها الى المسجد. وأدرك الشيخ متولي أن سحرها لا يقاوم، وزعم أن أفضالها على أهل الخير، بنية واضحة للعيان (ما دفعته الست فدوى لرفع مآذن هذا الجامع وتزيين قبابه يربو عما دفعه أي محسن في هذا الحي مع هذا تأتي لترميمها بالنمائم والشبهات) ويرى الشيخ أن الحديث عن الدعارة في بيت (فدوى) ضرب من الخوض في اعراض الناس وهو ليس ممن يفعلون ذلك ! وينحرف بالموضوع الرئيسي الى أحاديث جانبية هامشية، كي يغطي على تورطه في السكوت عنها، فيفيض في الحديث عن العلوم الحديثة (المستحقرة) متجاهلا المنكر الذي، يفترس المدرسة، بعد أن عرف مصدره. هناك الخطر قادم من جرثومة السياسة، وهنا المنكر أن تغتاب اعراض الناس. خطاب واحد ولكن بمفردات مختلفة. تهميش الجوهري والأساسي، وابراز الثانوي والعابر. وفي كلتا الحالتين قلب للمفاهيم والقيم رأسا على عقب. إنها فلسفة (فدوى) تطل برأسها. ينفر الشيخ من الحديث عن المنكر الحقيقي، الماثل أمامه، ليفرق في الحديث عن (آداب الاستنجاء).
يخرج (فاروق) من عند الشيخ، متابعا رحلته الاستكشافية، ليدخل الى مكتب مدير المنطقة أو المحافظ، حاملا معه قضيته، وهي إيقاف الفساد في المدرسة، قبل أن يستشري والأهم من ذلك كشف من يقف وراءه ويغذيه. ومدير المنطقة يمثل ما يمكن أن نسميه بالمؤسسة السياسية، وعليه فإن لخطابه دلالات سياسية رسمية، ومهما حاول أن يطبقها بطابعه الخاص. إنه يرتكز في حديثه على فلسفة تتقاطع مع فلسفة (فدوى) فيما يتعلق (بالقيم والمفاهيم) و(الجديد والقديم) و(التكيف) مع المتغيرات والانفتاح والمعرفة.. الخ ويبدو أنه ينظر الى سوك ابنته وانحرافها، على أنه استيعاب (مذهل) لروح العصر و(ذكاء) نادر. إنها في عرفه (نموذج) في هذا الاتجاه جدير بأن (يقلد)! (الرشوة) (الفساد) (النهب) قاموس بائد، يستخدمه الناس ليعرقلوا الانفتاح ويضيف قائلا: (كل شيء يتغير.المباديء والتصورات والقيم والأخلاق. كل شيء يتغير. ويتحلل الى غبار) أما الانهيار الذي يعصف بالمجتمع ويهز أركانه، فإن له تفسيرا (مدهشا) لديه. (الضغوط النفسية والأمراض سببها عدم القدرة على الدخول في مغامرة العصر، والتخلي عن القديم). ولكن ماذا عن الثورة ؟
(الثورة الحقيقية هي الانفتاح على العصر ومنجزاته)!
هكذا يختزل الكارثة التي تحيق بالمجتمع وتوشك أن تهلكه، منطلقا من وضع رأس الهرم في أسفله، ومتناغما - الى أبعد الحدود - مع فلسفة (فدوى).
فلسفة واحدة تتناسل فلسفات، وجوه عدة لعملة واحدة. أما (فاروق) فهو الذي يواجه هذا كله ومن أين لمعلم الرياضيات، أن يعرف هذا كله، وهو الذي اختار علما دقيقا ومنغلقا في أن معا؟ ألم يقل له أخوه (إن الرياضيات كالشعر لا تعلمها شيئا عن الحياة).
العالم أو الفنان في مجتمع كهذا، أو بعبارة أدق في مجتمع تقبض عليه مثل هذه الوجوه، فائض عن الحاجة، كائن طفيلي ! إنه حقيقة لا ينتمي الى هذا العالم، الذي يجد نفسه فيه غريبا وحيدا. وفاروق بطل ونوس، نموذج للمثقف الاختصاصي الذي يجد نفسه غارقا فيه إذا خرج أو تجاوز الخطوط الحمر لاختصاصه، يتوه ويفرق. إنه غير قادر على فك رموز واشارات العالم الذي يواجهه، لأنها خارج الأشياء التي تعلمها فهي عادة لا تدرس. تأتيه الرسالة فيعجز عن فك شفرتها وبالتالي لا يتلقاها. ليس ثمة تواصل مع الخارج. عالمه الداخلي لا يتواصل مع الخارج، وتلك مشكلة تدفعه نحو الانفصام.؟
هل هو مسؤول فعلا عما جرى ويجري له وحوله ؟ هل ثمة خيار أخر أمامه ؟ إن فاروق ليس من النوع الذي يمكن أن يوسم بضيق الأفق أو السذاجة، بيد أنه ليس من أولئك الذين اشتعل وعيهم مبكرا، فعرفوا أن هذه النتائج وليد شرعي لتلك المقدمات، وأن خلف هذا الخراب، أصابع تحرك الأشياء حركتها الحقيقية، لقد انكفأ داخل اختصاصه (الرياضيات) وتشرنق داخل مفاهيم ومعادلات، ليس لها نظير في الواقع الموضوعي. هل بوسعنا القول إنه الموقف الشاعري، في مواجهة واقع ينضح فجاجة وفظاظة وسوقية ؟
إنه ليس شاعرا رومانسيا، تعيقه رؤيته المثخنة بالخيال، عن إدراك العالم الآخر، الذي يتعامل معه، بل شاعري في كونه النقيض للزيف، والغريب من المثال. لقد نما وعيه داخل اختصاصه، فحسب أن هذا كاف. وعندما أضاءت رحلته الزمنية القصيرة، وعبر المسرحية (أربع وعشرين ساعة) عقله وكشفت الطريق أمامه، قرر أن ينتحر! الوعي أو الاكتشاف مقرون بالموت، الموت نهاية المعرفة والمعرفة العاجزة ضرب من الموت.
في المشهد الخامس وقد استوعب فاروق وتمثل آلية الخراب، وتراكمت الصور المتلاحقة السريعة في ذهنه يستل سكين المطبخ ويتأمله متأملا في الوقت ذاته، حاله. يسقط ذكرياته على السكين يؤنسها فإذا هي تفجر وظيفتها الاستعمالية وتتحول في يده الى وجهها الآخر (أصابعها الناعمة تلتف على المقبض الخشبي. كان يحس هذا ا لالتفات لدنا ومثيرا). الدم يرعبه والسكين، التي يجب أن يغسل بها عاره صارت جزءا من الذكريات ! ويصل نداؤها اليه (هي السكين التي اشتريتها وبيدي سأغرسها في قلبي الذي تلوث دمه) (لقد أفسدت كل شيء، أفسدت كل ما هو جميل في حياتنا) تكف السكين بدلالتها المركبة عن كونها سكينا لتغدو أداة مهملة !
ويعي أن هزيمة خصومه مستحيلة، وأن تغيير الواقع، لمن لا مكان ولا زمان له، يعادل الانتحار، ويحزم حقائبه وينشر أشرعته ويقرر الرحيل، هي أيضا راحلة، هي التي تحبه والتي تلوثت لأنها تحبه. هي نصفه الآخر الذي لا يطاوعه الرحيل بدونه، إذ كيف يترك بعضا من أشلائه خلفه ويمضي؟(إذن سنرحل معا) (سنكون معا وسيكون رحيلنا كالزفاف) (ونمضي في البياض في فضاء من البياض) (ولكنك ملوثة وستبقعين البياض) (أرجوك لا تفسد الحلم) (كنت حجرا).

انه الانتحار الاحتفالي و العرس الابيض ...........

إذا تعبت أضع رأسي على كتف قاسيون و أستريح و لكن إذا تعب قاسيون على كتف من يضع رأسه .......... المـــــــــــــــــــــا غوط
 
 
Page generated in 0.05862 seconds with 10 queries