الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 12/10/2006   #130
شب و شيخ الشباب chefadi
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ chefadi
chefadi is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
بيتي متل ورقة احترق
مشاركات:
544

افتراضي


أحلام شقية
كتبت عام 1994

رواية المسرحية :

في بيت تمتلكه ماري تدور أحداث هذه المسرحية، وهي امرأة مسنة مسيحية متزوجة من رجل يدعى فارس، قبل الزواج منها ليكون عالة عليها، أورثها مرض السيلان منذ البداية مما أدى إلى إسقاط جنينها ميتا لتعيش سنوات عمرها الطويلة دونما بهجة أو أمل، وفي غمرة إحساس بالعفونة والنجاسة والنفور من الممارسة الجنسية، ولا يشغلها سوى هاجس الترتيب لجنازتها والتحضير لمثواها الأخير، وهي بذلك تجسد ماضي المرأة العربية، الحافل بالمعاناة والإحساس بالضعف والاحتياج للآخر، حتى وإن كانت هي المعيلة اقتصاديا كما هو حال ماري هذه.

وفي مقابل هذا الواقع المأساوي، واقع آخر تعيشه امرأة مسلمة شابة تسكن الغرفة الأخرى من ذات البيت، هي غادة مع زوجها الشرس كاظم، الذي يعمل مساعدا في الجيش، وثمرة علاقتها الزوجية طفلها ذي السنوات الأربع والذي يملأ عليها خواء حياتها، فإن مستقبل هذا الزواج ينذر بمعاناة لا تقل عن معاناة جارتها المسنة ماري، وبهذا يلتقي المستقبل بالماضي في نطاق الحاضر دونما بارقة أمل، فلقد كان اقتران غادة بابن عمها انصياعا لرغبة أبيها ونتيجة لتخاذل وتهرب من أخيها بعد أن وعدها بالوقوف إلى جانبها ومساعدتها بالزواج من حبيبها والذي هو في الوقت ذاته صديقه.

في أجواء هذا الحاضر الذي يعيشه ساكنو هذا البيت، وبكل ما يوحي به من " انغلاق وضيق"، يبزغ أمل وليد في حياة المرأتين، أنه " بشير" الساكن في الغرفة العلوية، الشاب الغامض الهادئ، الذي ترى ماري فيه ولدها الذي طرحته ميتا وقد عاد ليحنو عليها في أخريات أيام عمرها، ويتولى ترتيب جنازتها ورخامة قبرها كما تتمنى، بينما ترى فيه غادة حبيبها الغائب الذي حرمت من الزواج منه، بشخصيته الوادعة المتفهمة على نقيض زوجها.


وإذا كان كاظم يمثل في شخصيته العسكري شبة المتعلم، الكاره للوحدويين وعبد الناصر، "طاووس مصر" كما يسميه، والهازئ بمحاولات زوجته المستمرة في الكتابة لأخيها المهاجر، والذي يواصل اضطهاده لها بالضرب أمام طفلهما مما حمل هذا الأخير على كراهيته، فإن هذه الشخصية سرعان ما تستثار بحكم تكوينها النفسي من قبل فارس، زوج ماري، والذي يستطيع بخبثه أن يثير غيرته وحنقه على بشير، باعتباره الأعزب الذي نادرا ما يبارح البيت في النهار، مما قد يتيح له الخلوة مع غادة، تلك الزوجة الشابة، وبذلك تلتقي مصلحة الاثنين، كاظم وفارس، في التخلص من مصدر التهديد المشترك لهما.

وبقدر ما يحرك بشير من سواكن المحيط من حوله بحلوله فيه دونما فعل إيجابي يبدر منه، مما يحمل على الالتفات إلى مدلولات أسمه، فإن مقدار الضعف الذي تتسم به شخصيته، مقارنة مع قوة شخصية كاظم ودهاء فارس، يجعل من اليسير التنبوء بنهاية المواجهة، فإلى جانب سلبية أداء بشير، فهو يحسن الإصغاء لشكاوي العجوز ماري والشابة غادة، " وفي عينيه لمعة حزن تفتت القلب"، " إنه لم يسكن هذا البيت إلا لكي يرتب سفره القادم" هكذا تقول عنه غادة، في حين تحلم العجوز بأن ترتب حياته كما يرتب لها آخرتها وتجهزه لتزويجه بغادة، بهذا الحلم المشترك بين الاثنتين تستمدان أملا جديدا وتلتقيان عنده، واحدة قادمة من الماضي وتترقب الموت بين يدي أبنها " بشير" لأن الموت بالنسبة لها هو الفرح " إني أترقبه يا غادة، كما تترقبين ليلة عرسك، هناك سأجد المباهج والأفراح التي فاتتني في هذه الدنيا"، بينما تبوح غادة المتوجسة من المستقبل في ظل زوجها بأنها لم تعد تستطيع أن تتخيل الحياة بعيدا عن هذا البشير.

بهذه الأجواء تحتفي المرأتان ببشير، في حين يعاني هذا الأخير، من أشباح الماضي وكوابيسه، وهو الهارب منها بلا جدوى، ففي مشهد يتحول فيه فارس، في هيئة أبيه، آمرا إياه بأن يقتل أخته، التي تكون في هيئة غادة، لكونها فضحت العائلة بين الأهل والأعداء، ولن يستحق بشير مكانته في العشيرة ما لم يطهرها من هذه الوصمة، وعلى الرغم من صحوته المفاجئة بقوله "عرفتك .. عرفتك.. إنك فارس" إلا أنه سرعان ما يستسلم لسطوة الأب ويأخذ الخنجر منه صاغرا لرغبته، ولكنه لا يقوى على تنفيذ تلك الرغبة لتبادر أخته فترمي نفسها في النهر وتموت غرقا، ويظل هو يحمل في نفسه ندما مقيما يقض مضجعه، ويمعن في تردده وسلبيته، وإلى درجة عجزه حتى عن الدفاع عن نفسه عندما يدخل كاظم عليه غرفته ذات مساء ويرديه قتيلا برصاصة في صدره، ليلقيه وبصحبة محرضه فارس في برميل الزبالة، بينما هو في عجز واضح وجلي، يقول وهو محمول:"لست ميتا .. لا.. لم أمت"مرددا بعد ذلك أبيات بدر شاكر السياب الأثيرة لديه " عيناك غابتا نخيل ساحة السحر"، وهي ذات الأبيات التي كان يرددها ساعة غرق أخته فيما قدميه منزرعتان في الطين تمنعانه من اللحاق بها وإنقاذها، كاشفا بذلك عن عدم مقدرته لتعامل مع محيطه، كما لو كان بشيرا قادم لزمن وأحداث لم يهيأ لها بعد،بشير مبكر جدا وغير مسلح لفعل التغيير الذي يهجس به ويدعو إليه.

وبانطفاء البشير تواجه المرأتان مصيرهما " إننا محصورتان في حبس" تقول ماري، فتجيبها غادة:" وليس أمامنا إلا أن نبلع قهرنا، نتغذى به.." فيكون رد ماري: " لو بلعت قهرك، فستنتهين عجوزا بائسة وممرورة مثلي. هذه المرة يجب ألا نبلع قهرنا."، لذا تقرران التخلص من سجانيهما بدس السم في عشائهما، إلا أن سوء الطالع يكون بالمرصاد حيث يسبقهما إلى تناول الطعام المسموم فلذة كبد غادة، طفلها ثائر، لتكتمل حلقة اليأس إحداقها بالمرأتين، وتخيم عليهما حلة ليل ثقيل لا تبدو له من نهاية مأمولة، ولتنتهي هذه المسرحية على عويل غادة وولولتها نادبة أبنها ومستقبلها معا " ياعين ماما .. سأحفر صدري وأمددك فيه.. قتلك ولم يأكل .. لا الحم ممكن ولا التمني ممكن.. لا شيء إلا الظلام والموت."





إذا تعبت أضع رأسي على كتف قاسيون و أستريح و لكن إذا تعب قاسيون على كتف من يضع رأسه .......... المـــــــــــــــــــــا غوط
 
 
Page generated in 0.20680 seconds with 10 queries