عرض مشاركة واحدة
قديم 20/10/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


إنّ العلمنة منظومة عقلية منطقية غير قابلة للتجزئة، فليس ثمة نصف علمنة، كما أنه ليس هناك إمكانية لعلمنة حيز من المجتمع دون الآخر، فهي لا تكون فاعلة في المجتمع ما لم تتناول كل بناه الثقافية والاجتماعية والسياسية . وتتأسس العلمانية على وطأة ثقيلة وواسعة النطاق لدولة الحق والقانون، وتقوم هذه النزعة التدخلية الواسعة للدولة على دعامتين : أولهما، اعتبار الدولة العلمانية ضمانة الوحدة والنظم الاجتماعيين، بحكم قدرتها على تجاوز الانقسامات الاجتماعية والقيمية التي تنخر الجسم السياسي، ومن ثم قدرتها على التعبير على المصلحة العامة ( في حال كونها دولة حق وقانون ) . فقد اعتبر جان جاك روسو الدولة الإطار المعبر والمجسد للإرادة الكلية للمواطنين، وهي إرادة ناظمة ومتعالية في الوقت نفسه عن مجموع المصالح الفردية والجزئية . كما أعاد الفيلسوف الألماني هيغل استلهام هذه الفكرة في مرحلة لاحقة في القرن التاسع عشر من خلال تشديده على فكرة الدولة الكلية المجردة والجامعة للفضائل السياسية والأخلاقية، والقادرة في الوقت نفسه على ضمان وحدة المجتمع المدني المنقسم على نفسه في المصالح والمعايير الأخلاقية . وثانيهما، أنّ الدولة ليست مجرد أداة لإدارة الشأن العام بل هي " صوت الأمة "، وموضع حلول العدالة الكاملة والخير الأعظم، ما يعطيها مشروعية التدخل لفرض قيمها وتصوراتها المفترض فيها أن تكون القيم العامة والكلية للمجتمع .
إنّ العلمانية لا تجعل الدين أساسا للمواطنة وتفتح أبواب الوطن للجميع من مختلف الأديان، وتتمثل أسس الدولة العلمانية في :

أ - أنّ حق المواطنة هو الأساس في الانتماء الوطني .

ب - أنّ الأساس في الحكم الدستور الذي يساوي بين جميع المواطنين ويكفل حرية العقيدة دون محاذير أو قيود ..

جـ - أنّ المصلحة العامة والخاصة هي أساس التشريع..

د - أنّ نظام الحكم مدني يستمد شرعيته من الدستور ويسعى لتحقيق العدل من خلال تطبيق القانون والالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

ومن الملفت للانتباه أنّ مفكري النهضة العربية الحديثة ، بما فيهم تيار الإصلاح الإسلامي، في القرن التاسع عشر طرحوا كيفيات تحديث الدولة العربية وفق رؤية علمانية . فقد تبنى الشيخ محمد عبده المخطط الكوني لتطور المجتمعات من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية ثم إلى الحالة السياسية، إذ يقول " فالمرء يوجد ساذجا فطريا يلتمس الغذاء والمبيت وسائر الحاجات الطبيعية مما تصل يد إمكانه إليه، ثم يدفعه الحرص على الذات إلى حفظ النوع وتلجئه كثرة الحاجات إلى طلب الإعانة، فيتألف ويجتمع ويصير مدنيا . ثم يتقدم في هذه المرتبة فينظر في شؤون نفسه ويهتم بأحوال جنسه، فيصير سياسيا، وهو الإنسان المدني الكامل الحقوق والواجبات " . هذا التطور الخطي الصاعد من الأدنى إلى الأعلى لا يقتصر على المجتمعات بل يشمل الثقافة والتربية والأديان التي يواكب تطورها التطور الاجتماعي والحضاري .
الشيخ محمد عبده رأى أنّ في الدين أصولا عبادية اعتقادية وأخرى دنيوية عقلية، ودعا إلى تحصيل الإيمان بالعقل، وتقديم العقل على ظاهر الشرع عند تعارضهما، وإلى الابتعاد عن التكفير والاعتبار بسنن الله، أي بقوانين الطبيعة والمجتمع . وكان قد قرر في " رسالة التوحيـد " أولوية العقل على التبليغ، مستعيدا بذلك تقليدا معتزليا شهيرا . لقد أقامت الإصلاحية الإسلامية مساوقة بين " الإسلام الصحيح والعقل " وبين العقل الوضعي والحداثة، فأصبح من الممكن في هذا الوضع أن تقوم المماهاة بين الإسلام والحداثة بعامة، وأن يكون أساسا لمدنية سوية لا تتميز عن المدنية العلمانية الحديثة، وهي النموذج العملي، إلا تمييزا قيميا . وعلى هذا الأساس، أعادت الإصلاحية الإسلامية الاعتبار إلى المرجعية الإسلامية التي أعيد تأويلها على أسس استفادت من تجربة التنظيمات (العثمانية) وأهدافها، تأويلا حاول المماهاة بين هذه المرجعية وبين مرجعية العصر الفعلية... فكان الإسلام النفعي التابع للتأويل العلماني بالفعل أو بالقوة، دون اللفظ، مضمونا للإسلام المعياري الذي وضعته الإصلاحية الإسلامية مرجعا لها . وتجلت هذه المماهاة بين الإسلام ومرجعية العصر الحديث في مماهاة القانون بالشريعة والديمقراطية بالشورى .
وإذا كانت العلمانية، في العصر الحديث، في ظل دولة الحق والقانون، قد تميّزت بكونها نزعة تعي مقاصدها، وتعرف متطلباتها التاريخية، وشروط نجاحها، فإنها عندما تتحول إلـى " عقيدة " مغلقة على ذاتها تتحول إلى عقبة أمام النشاط التلقائي للبشر، وأمام الروح النقدية والتواصلية للعقل، وتدفع باتجاه التوتر الاجتماعي، وتدعم التوجه المعادي للديموقراطية في كثير من الأحيان .
وفي المقابل، بات مطلوبا من الجميع اليوم التخلي عن فكرة أنّ العلمانية هي نموذج غربي غير صالح لتعميمه شرقا، وعن أنّ العلمانيين هم مستوردو أفكار ونماذج . وللخروج من هذه المأزق لا بد من إقامة حوار هادئ يهدف إلى إنتاج صيغة جديدة تقوم على أساس تغيير بنيوي جوهري تدرجي عبر المعالجات العلمانية ، على أن لا تنخرط تيارات هذا الحوار في منطق الحاكم العربي المؤجِّل للإصلاح والتغيير تحت أية حجة أو شعار .


* كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04878 seconds with 10 queries