عرض مشاركة واحدة
قديم 23/10/2006   #1
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي مأزق الدروز السياسي في ظل زعامة وليد جنبلاط


بقلم: فارس أبي صعب
مقدمـة
تواجه فرقة الموحدين الدروز في لبنان تحدياً مصيرياً في هذه المرحلة التاريخية التي يشهدها الوطن العربي والعالم الإسلامي عموماً؛ فعلى الرغم من شراسة الهجمة الأمريكية وهمجيتها على العالم العربي والإسلامي بهدف تصفية القضية الفلسطينية وتطويع شعوب المنطقة ونهب ثرواتها الطبيعية وتحويل بلادها إلى مجرد أسواق مفتوحة أمامها وأمام إسرائيل، والتهديد بالقضاء عسكرياً على كل من لا يزال واقفاً في وجه مشروعها الإمبراطوري، وعلى الرغم من تداعيات هذه الهجمة ووضوح أهدافها وأدواتها على الساحة اللبنانية، نجد القيادة السياسية الرئيسية لفرقة الموحدين الدروز في لبنان، تتحول إلى أداة رئيسية في هذه الهجمة، ناسفة بذلك أسس وثوابت الدور الذي قام الدروز به تاريخياً، وهي باتت تهدد بذلك بزعزعة الأركان الأساسية التي كرسها الدروز في تاريخهم السياسي في المشرق العربي على مدى ألف عام أو نحوه.
والمواقف والخيارات التي يتخذها الزعيم "الدرزي" وليد جنبلاط في الآونة الأخيرة تدفعنا إلى التوقف عند تلك الشخصية الملتبسة لوليد جنبلاط وعند تأثير دور تلك الشخصية في واقع الدروز السياسي في لبنان؛ وهما مسألتان يبدو من الصعب معالجة إحداهما دون الأخرى. فالشخصية الملتبسة لوليد جنبلاط لا يمكن فهمها بمعزل عن الإرث السياسي للدروز وللزعامة الجنبلاطية تحديداً، منذ بدايات القرن التاسع عشر على الأقل. كما أن المكوّن السياسي للدروز، وبخاصة الجنبلاطيين منهم، لا يمكن فهمه بمعزل عن الأدوار المتعاقبة التي قامت الزعامة الجنبلاطية بها خلال المرحلة التاريخية نفسها.
هناك مجموعة محطات تاريخية تمثل محور الذاكرة الشعبية لدى الجنبلاطيين الدروز ومخيالهم السياسي، أو قُل "كربلائياتهم"؛ وهي المحاور نفسها التي تمثّل مجموعة العقد التاريخية التي تكسو المواقف وردود الفعل السياسية لدى وليد جنبلاط في كثير من الأحيان، وهي التي تفسر إلى حد بعيد التقلبات الجذرية التي يحدثها وليد جنبلاط في مواقفه وفي مواقعه وتحالفاته السياسية بين ليلة وضحاها: إنها صراع البشيرين في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وحرب الـ 1860، وثورة الـ 1958، وحرب الـ 1975، واغتيال كمال جنبلاط عام 1977، وحرب الجبل عام 1982. وقد استعار جنبلاط مؤخراً، إضافة إليها، "كربلائية" اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
غير أن هذه المحطات ليست المحور الوحيد للسلوك السياسي، سواء لدى جنبلاط أم لدى جماعته، بل كثيراً ما يسعى جنبلاط لاستحضار هذه "الكربلائيات" لتغطية مواقف سياسية تعبّر عن مصالح شخصية راهنة لديه يحتاج تحقيقها إلى عملية تهييج جماهيري في وتيرة محددة وعلى إيقاع "كربلائية" محددة من تلك المحطات التاريخية. فالصراع مع الموارنة مثلاً، يستحضر "كربلائية" بشير جنبلاط وحرب الـ 1860، والصراع مع السوريين يستحضر "كربلائية" كمال جنبلاط، والصراع مع القوى والأقطاب السياسية الأخرى داخل الساحة الدرزية يستحضر "كربلائية" ثورة الـ 1958...
وإذا كانت هذه المحطات التاريخية تؤسس للمخيال السياسي للدروز الجنبلاطيين تحديداً فإن هناك محطات تاريخية أخرى كان لها دور أكبر في تأسيس أهم مرتكزات المخيال السياسي والثقافة السياسية للدروز جميعاً: قصدنا الحروب الصليبية ودور التنوخيين في صدّها ومقاومتها، الأمر الذي منح الدروز يومها شرف لقب سيف الإسلام وحماة الثغور في وجه الغزاة الفرنجة؛ ثم مواجهة المجاهدين الدروز لغزوة نابليون وحصاره عكا، وعامية عبيه عام 1799 التي أعلنت رفض الدروز للغزو الفرنسي؛ ثم الثورة العربية الكبرى، والثورة السورية التي كان سلطان باشا الأطرش أحد أبرز قادتها؛ والمقاومة العربية للمشروع الصهيوني في فلسطين، التي كان عادل أرسلان أبرز قادتها أيضاً...
عبر هذه المحطات جميعاً تكرس عبر قرون أحد ركنَي هوية الدروز الثقافية - السياسية بوصفهم فرقة عربية إسلامية احتلت موقعاً طليعياً عبر التاريخ في الدفاع عن عروبة هذه الأرض وفي صَدّ غزوات القوى الاستعمارية وحماية العمق العربي من تلك الغزوات.
أما الركن الآخر الذي تقوم عليه الهوية الثقافية - السياسية للدروز فهو الركن القيمي - الأخلاقي الذي اتسم الدروز به تاريخياً، والذي كثيراً ما تغنّى به كبار الشعراء العرب والكتاب والمؤرخين وحتى المستشرقين منهم، وهو القائم على قيم الكرم والرجولة وصدق اللسان والكرامة وعزة النفس ونبذ الخيانة وعدم الطعن في الظهر... وهي قيم تعود بجذورها إلى المنظومة العقائدية لفرقة الموحدين الدروز المستمدة بدورها من بواطن النص القرآني ومن روافد بعض الفرق الكلامية والطرق الصوفية السابقة لها في الإسلام، فضلاً عن بعض روافد الفلسفة اليونانية والشرقية.
هكذا إذاً، استمدت الثقافة السياسية للدروز سماتها من هذين المصدرين: المصدر الحدثي التاريخي الذي تأسس على مجموعة "الكربلائيات" والمحطات التاريخية التي نسجت للدروز صورة في مخيالهم السياسي كانت مصدر افتخار واعتزاز بأنفسهم بوصفهم سيف العروبة والإسلام ورأس حربة في وجه قوى الاحتلال والاستعمار؛ والمصدر العقيدي – المسلكي الذي تأسس على مجموعة الروافد العقيدية والفكرية والصوفية التي قامت عليها فرقة التوحيد الدرزية والتي نسجت للدروز صورة عن أنفسهم، لديهم ولدى الآخرين، بوصفهم أصحاب الشرف والشهامة والكرم والكرامة والشجاعة والأمانة...
غير أن هذين الركنين أخذ حضورهما يشتد أو يضعف في الثقافة السياسية الدرزية وفق المواصفات السياسية والمسلكية للزعامة السياسية السائدة، وبخاصة وسط مجتمع وراثي يعتلي الشخص فيه عرش الزعامة ليس على أساس صفاته وقدراته الشخصية بل على أساس نسبه إلى عائلة الزعامة، الأمر الذي يقيه محاسبة الجماعة أو يجعله مصدر تماهٍ لها فتجعله مؤثراً فيها ومقلَّداً من قِبَلها أكثر منه متأثراً بها معبراً عن واقعها وعاكساً صورتها، أو مصالحها.

ماذا تبقّى للدروز من هذين الركنين في ظل زعامة وليد جنبلاط؟
لم يكن ممكناً لوليد جنبلاط أن يتبنى كل هذه الخيارات التي يتبناها اليوم، سواء على المستوى السياسي أم على المستوى المسلكي، لو لم يعمل على مدى أكثر من ربع قرن في موقعه الزعامي، على تدمير هذين الركنين اللذين تقوم الهوية الثقافية - السياسية للدروز عليهما. والتغيرات الجذرية التي شهدناها في مواقف جنبلاط في الفترة الأخيرة ليست جديدة، بل هو أخذ يهيئ لها الأرض منذ الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 على الأقل. وبالفعل، اعتمد جنبلاط منذ ذلك الحين استراتيجية مد الخطوط في كل الاتجاهات (الإقليمية والدولية)، مقابل الحفاط على خطاب علني "عروبي" يتناغم مع التحالفات المفروضة على الأرض، وخطاب استتاري يترك الأبواب مفتوحة على كل الخيارات، منطلقاً في ذلك من ذرائع مصلحية ضيقة ترى أن الدروز أقلية لا سند لها، وبالتالي عليها أن تحافظ على نفسها كيفما مالت الكفّة في موازين القوى الإقليمية والدولية.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04590 seconds with 11 queries