عرض مشاركة واحدة
قديم 23/10/2006   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


سنحاول في هذا النص تحليل الواقع الدرزي في ظل زعامة وليد جنبلاط على مستويين: مستوى المكون الشخصي لوليد جنبلاط وانعكاسه على الواقع السياسي الدرزي؛ ومستوى الثقافة السياسية في الوسط الدرزي الجنبلاطي وتأثيرها في واقع الدروز السياسي، وهو أمر مع الأسف قلّما يجري إلقاء الضوء عليه حين تجري دراسة ظاهرة سياسية محددة، في الوقت الذي تركز كل التحليلات والأدبيات السياسية عادةً على الواقع السياسي كما يبدو من "فوق".

مثّل المحك السياسي الأهم لوليد جنبلاط في ظل زعامته السياسية التي بدأت عام 1977 الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وما تلاه من حروب داخلية اتخذت عدة أوجه وأبعاد. فالمرحلة التي امتدت من عام 1977، تاريخ إلباس وليد جنبلاط عباءة الزعامة، إلى عام 1982 تاريخ الاجتياح، لم تحمل الكثير من الأحداث السياسية التي كانت تتطلب من جنبلاط اتخاذ قرارات كبرى أو أن يكون مشاركاً فاعلاً في اللعبة السياسية، على الرغم مما حملته تلك الفترة من بعض المؤشرات التفصيلية التي أخذت توضح بعض ملامح شخصيته السياسية والمسلكية، كتقليص هامش الديمقراطية داخل الحزب التقدمي الاشتراكي وتعزيز العلاقات الزبونية داخل الحزب، والتخلص رويداً رويداً من نهج كمال جنبلاط وأخلاقياته السائدة فيه.

وجاء الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وبدأت تتضح معه أكثر فأكثر المكونات الشخصية والخيارات السياسية لوليد جنبلاط. وهذا أمر يتطلب توضيحه الاستشهاد ببعض المحطات التاريخية:

منذ اليوم الأول لذلك الاجتياح عمّت أجواء الاستنفارات العسكرية في أوساط شبان ومقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي والأحزاب الوطنية الأخرى في مناطق نفوذ وليد جنبلاط كما في معظم المناطق اللبنانية التي شملها الغزو الإسرائيلي. وحدث المنعطف الأول في الهوية السياسية للدروز الجنبلاطيين عقب تعميم قرار حزبي من رئيس الحزب على معظم القرى والمناطق التي يوجد فيها مقاتلون للحزب التقدمي الاشتراكي بعدم التصدي للاجتياح الإسرائيلي، على الرغم من استعداد وحماسة الكثيرين منهم يومها لمواجهة القوات الإسرائيلية؛ وهكذا انكفأ الجنبلاطيون عن مواجهة الاجتياح، في حين راح مقاتلون من الأحزاب الوطنية الأخرى ينظمون أنفسهم بمجموعات ويواجهون جحافل الغزو إلى جانب بعض مقاتلي المقاومة الفلسطينية، ولو مواجهة رمزية في كثير من الأحيان.

وعلى الرغم من تدفق التبريرات حينها القائلة إن وليد جنبلاط يريد تجنيب القرى الدرزية عمليات تدمير واسعة يمكن أن تقوم إسرائيل بها، فإن الأيام والشهور التي تلت الاجتياح أظهرت أن السياسة التي ينتهجها الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط هي، على الأقل، سياسة غير معادية لإسرائيل، وقد جرت ترجمتها، في أثناء حرب الجبل - التي بادر إليها واتخذ قرارها بعض الرموز التقدمية الاشتراكية والوطنية الميدانية وليس وليد جنبلاط نفسه - بعمليات تنسيق أمني بين بعض مسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي وجيش "الدفاع" الإسرائيلي إلى حد أن عدداً من المسؤولين الحزبيين باتوا يعرّفون عن أنفسهم على الحواجز الإسرائيلية بواسطة بطاقات تعريف إسرائيلية كانوا يحملونها، إضافة إلى بعض المجموعات التي نظمت برعاية الحزب التقدمي الاشتراكي وكان هدفها ملاحقة "المخربين" (أي المقاومون) وتسليمهم للإسرائيليين. حتى إن حالة "اللاعداء" هذه كان يجري التعبير عنها بمظاهر أوضح، كتنقل بعض مقاتلي الحزب التقدمي الاشتراكي بين جبهات القتال في منطقة عاليه وبين قراهم وبلداتهم في منطقة حاصبيا عبر حواجز جيش لبنان الجنوبي وهم يرتدون بزاتهم العسكرية التابعة للحزب التقدمي الاشتراكي؛ دع عنك الزيارات التي كان يقوم بها بعض مسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي أو بعض الشخصيات الدرزية لإسرائيل بتكليف من وليد جنبلاط أحياناً. مع العلم أن هذه الزيارات عادت لتتجدد على ما يبدو منذ عام 2005 من قبل بعض الرموز الجنبلاطية الأخرى.

كل هذه الممارسات ساهمت في خلق جو في وسط الجنبلاطيين الدروز غير معادٍ لإسرائيل وغير معني بالاحتلال الإسرائيلي بل متكيف معه، الأمر الذي أسقط رويداً رويداً مقولة إسرائيل العدو من مكونات الثقافة السياسية لدى هذه الجماعة.

وفي هذا السياق توّج هذا التوجه غير المعادي لإسرائيل في صفوف بعض المسؤولين الجنبلاطيين بالعمل على ملاحقة التيار المعادي لإسرائيل داخل الحزب التقدمي الاشتراكي أو خارجه، حتى إن بعض رموز هذا التيار جرت تصفيته جسدياً.

على صعيد آخر، ساهم وليد جنبلاط على مدى أكثر من ربع قرن في وجوده على عرش الزعامة، في إضعاف أو تهميش نظام القيم الأخلاقية وسط الدروز الجنبلاطيين. وقد كانت سنوات الحرب لها وسائلها في ذلك وسنوات ما بعد الحرب وسائلها الأخرى. ففي سنوات الحرب نشأت في أوساط الحزبيين، وتحديداً وسط القيادات الوسطى، طبقة من أغنياء الحرب الذين أباحوا لأنفسهم شتى ضروب النهب والفساد والتعدي على أملاك الغير. وإذا كان طبيعياً أن تشهد أي حرب نمو هذه المظاهر فإن ما هو ليس طبيعياً في الحالة التي نتحدث عنها هو أن يكون الزعيم السياسي مشرفاً على هذه الظاهرة وراعياً لها، بل ربما مشاركاً فيها. وهذا ما عبر عنه جنبلاط مباشرة وعلناً في أحد لقاءاته بمحازبيه ومسؤولي حزبه في بيروت يوم اجتمع بهم في إحدى صالات السينما في الحمرا في منتصف الثمانينات موعزاً إليهم: "بدي مصاري من بيروت، دبروا حالكم"، الأمر الذي كان بمنزلة إيذان لهؤلاء الأبَوَات لكي يعيثوا ببيروت فساداً ونهباً وهتكاً بكرامات أهلها. كل ذلك كان يحدث تحت تبرير: "بيروت بدها زعران". هكذا تحول الحزب التقدمي الاشتراكي آنذاك إلى مدرسة لتخريج الشبيحة واللصوص والفاسدين الذين ما لبثوا أن راحوا يعممون ثقافة الفساد في أوساط الدروز الجنبلاطيين عموماً.

ولم تكن عملية تعميم ثقافة الفساد أقل وضوحاً في سياسة جنبلاط في مرحلة ما بعد الحرب. فجنبلاط كان واحداً من رموز الحرب الذين عادوا إلى السلطة بعد اتفاق الطائف، فتسلم في تلك الفترة عدّة وزارات شهدت جميعها في عهده عمليات فساد وهدر وتلاعب بالمال العام. ولأسباب سياسية تتعلق بـ"المصالحة الوطنية"، كما قيل، تسنى لجنبلاط أن يتسلّم وزارة شؤون المهجرين أو أن يشرف عليها. فكانت تجربته في تلك الوزارة نموذجاً "مثالياً" لعمليات التزوير المنظم ونهب المال العام وتعميم ثقافة الفساد في أوساط الكثير من الفئات الشعبية، وبخاصة وسط الدروز الجنبلاطيين. كما استخدمت أموال وزارة المهجرين منذ منتصف التسعينات رُشى لشراء أصوات الناخبين في الانتخابات النيابية والبلدية. وعملياً مثل المسؤولون الحزبيون الجنبلاطيون في القرى والمناطق دور الوسطاء بين المواطنين ووزارة شؤون المهجرين. وعبرهم جرى تعميم كل وسائل التزوير والعمولة وسرقة المال العام، بل جرى تعميم استخدام هذه الوسائل لشراء الضمائر ولتدمير نظم القيم لدى المواطنين، فغابت معايير الحلال والحرام لديهم على الرغم من قوة حضورها في نظام القيم وفي الثقافة الشعبية لدى المواطنين الدروز تاريخياً.

هذا التحول على المستويين السياسي والمسلكي داخل الحزب التقدمي الاشتراكي منذ بدايات الثمانينات أسّس لنزعة يمينية وإفسادية في الثقافة السياسية الجنبلاطية، بدءاً من المستوى الجماهيري وصولاً إلى رأس القمة، مع العلم أن جنبلاط نفسه هو الذي كان يدفع في هذا الاتجاه. ولم تكن مصادفة أن تلك الطبقة من "أغنياء الحرب" والشبيحة التي نشأت داخل الحزب هي نفسها الفئة غير المعادية لإسرائيل، وهي نفسها الفئة التي كان وليد جنبلاط يرعاها ويقف في صفها كلما حدث خلاف داخل الحزب بينها وبين الفئات المعترضة على نهجها السياسي والمسلكي. إلى أن أمسكت هذه الطبقة عملياً، وبإدارة جنبلاط، بكل مفاصل العمل الحزبي والعسكري والجماهيري، بدءاً من مسؤولي القرى وصولاً إلى مجلس قيادة الحزب.
وقد أخذ النهج اليميني والفاسد يظهر واضحاً منذ منتصف الثمانينات، حين راح الموقع الطبقي للحزب التقدمي الاشتراكي يتبدل، وأخذ مسؤولوه يتدخلون لقمع التحركات العمالية المطلبية في العديد من المصانع والمؤسسات القائمة في مناطق سيطرتهم، مقابل حفنة من الأموال كانوا يرتشون بها من قبل أرباب العمل. وخلال حكومات الرئيس الحريري المتعاقبة، كثيراً ما دفع الحزب التقدمي الاشتراكي الجنبلاطيين الدروز إلى اتخاذ مواقف مناهضة للحركة النقابية والمطلبية، حتى إن مسؤولي الحزب في مناطق الشوف وعاليه وبعبدا على الأقل، كانوا حين تكون هناك دعوة إلى الإضراب العام من قبل الاتحاد العمالي، يجولون على أصحاب المحال التجارية والمؤسسات في تلك المناطق طالبين منهم عدم التقيد بالإضراب

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07946 seconds with 11 queries