عرض مشاركة واحدة
قديم 23/10/2006   #4
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


أما أبرز المكونات التي تعيد إنتاج الثقافة السياسية لدى الدروز الجنبلاطيين فهي:

- الذاكرة التاريخية التي ترسم صورة للأحداث مرسومة من منظار محدد تشترك جماعة الدروز الجنبلاطيين في النظر إلى الأمور من خلاله. وهكذا يرتدي كل حدث تاريخي لدى هذه الجماعة ثوباً يمثل حقيقة هذا الحدث كما يرونها هم. وهكذا أيضاً تصبح لهم حقيقتهم الخاصة بهم حول الأحداث المتعلقة بتاريخهم. وهذه الحقيقة التي تتمحور الذاكرة الشعبية حولها، غالباً ما يساهم في تكوينها عناصر خرافية وقدرية مستمدة من البنية الثقافية الدينية لدى هذه الجماعة، التي تمثّل الخرافة والقدرية بعض مكوناتها. وهكذا يعاد إنتاج الأحداث التاريخية في الذاكرة الشعبية هذه على قاعدة أن هؤلاء الجماعة هم الذين كانوا دائماً على حق وأن الآخرين هم الذين كانوا على خطأ. وهكذا، تتنـزّه صورة الزعيم في هذه الذاكرة عن أي خطيئة، ويُبرّر لها ما لا يبرّر لغيرها. وفي ضوء هذه الذاكرة المركبّة يجري تفسير الأحداث من قبل الجماعة، ويجري بالتالي تبرير سلوك الزعيم ومواقفه المحجوبة بهالة من الترفع والتنـزّه يغيب عنها العقل.

ويحاول جنبلاط استخدام هذا المكوّن في حركته السياسية، وبخاصة في اللحظات الحرجة، كمرحلة التحضير للانتخابات، أو حين يمر بمأزق سياسي ما، أو حين يريد أن يحدث تحولاً براغماتياً في مواقفه المعلنة، وهي محطات ثلاث مر جنبلاط بها في الفترة الأخيرة. فلكي يغطي جنبلاط مأزقه لكونه أحد أركان النظام السياسي في لبنان، سواء أكان في السلطة أم كان في المعارضة، يلجأ إلى تضليل الرأي العام وإلهائه عن طبيعة المأزق الفعلي الذي تمر البلاد به المتمثل بشبه انهيار اقتصادي، وبكتلة دين عام لا يمكن الخروج من أعبائها، وبتفشي الفقر والبطالة إلى حدود لم يعرفها لبنان منذ الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي كان جنبلاط يتبنى منذ بداية التسعينات تقريباً معظم السياسات الاقتصادية التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه وكان شريكاً فعلياً في عمليات "الهدر" المنظم للمال العام. وحين كان يُسأل عن موقفه من السياسة الاقتصادية التي أودت بالبلاد إلى ما أودت إليه كان يقول ببساطة: "إسألوا غيري أنا ما بعرف بالاقتصاد!!!". ولكي يغطي على كل هذا المأزق يلجأ اليوم إلى مكوّن الذاكرة الشعبية لكي يثير لدى جماعته حالة اهتياج تعبوي مستخدماً "كربلائية" اغتيال كمال جنبلاط في ذلك.

- المكوّن الآخر لإعادة إنتاج الثقافة السياسية هو عملية التماهي بالزعيم والعمل على تقليده والسعي لتبني مفاهيمه والسلوك وفق مسلكه. وبالفعل ساهمت عملية التماهي هذه في تبرير وتعميم الفساد ثقافةً ومسلكاً في وسط الدروز الجنبلاطيين الذين يتماهون في ذلك، سواء بمواقف وليد جنبلاط تجاه الكثير من الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والسياسية في البلاد أم بمسلكه الذي اعتمد شتى وسائل الفساد والزبونية في موقعه الوسيط بين المواطن الدرزي والدولة وفي التباهي بنفسه بوصفه حوتاً مالياً. هكذا نجد الكثير من الدروز الجنبلاطيين مثلاً يرددون مواقف يتخذها جنبلاط أو مسلكاً يمارسه بطريقة ببغائية ومن دون أي تفكير في الأمر حتى لو كانت هذه المواقف، أو هذا السلوك، لا تعبر إطلاقاً عن المصالح الفعلية لهؤلاء معيشياً أو سياسياً، أو كانت لا تعكس أحياناً أخلاقيات هؤلاء أيضاً.

- المكون الثالث هو التناقل الشفهي لمواقف وليد جنبلاط، مع ما يرافق هذا التناقل من عمليات حشو ومبالغة، أو حتى تخيلات خرافية، تضفي على مواقف جنبلاط ومسلكه هالة من "السوبرمانية" والقدرة على قراءة أبعاد الأمور وربما خفاياها، في ظل نظرة دونية إلى الذات الجماعية لدى الجنبلاطيين يجري التعبير عنها بمجموعة مقولات استسلامية: "نحن شو بيفهِّمنا بالسياسة، هو أدرى"؛ "هو يعرف ماذا يفعل"؛ "هو يرى أشياء نحن لا نراها"؛ أو "لديه أنتين قوي بيلتقط لبعيد" ويستطيع أن يقرأ الماجريات المقبلة للأحداث. وعبر هذه النظرة "السوبرمانية" الانبهارية إلى البيك تسري مقولات ومواقف يذكرها البيك خلال لقاء أحد المسؤولين الحزبيين به أو خلال استقباله أحد الوفود الشعبية. ويتحول الموقف إلى شائعة تنتشر في مختلف أوساط الجماعة الجنبلاطية بغض النظر عن مدى دقتها أو حتى صحتها، إذ مع انتقال الموقف عبر الوسيط، الذي غالباً ما يكون مسؤولاً حزبياً، أو نائباً من كتلته، أو وفداً شعبياً، يجري تحميل الموقف أحياناً فسحة من مواقف الوسيط أو تمنياته الشخصية. وهكذا تنسج منظومة تصورات شعبية لمقولات البيك تؤسس للموقف السياسي الشعبي وللثقافة السياسية واتجاهات الرأي العام لدى الدروز الجنبلاطيين، وهي مواقف واتجاهات تتخذ منحى خطيراً في بعض الأحيان، كما حدث في منتصف ثمانينات القرن الماضي أو كما يحدث اليوم. فوقتذاك انتشرت مقولة الدولة الدرزية التي يريد وليد جنبلاط تأسيسها بغض النظر عن مدى جدية جنبلاط في تبني هذا المشروع، لكن على الأقل يمكن القول بمسؤولية إن بعض مسؤولي الحزب التقدمي الاشتراكي كانوا يسوّقون لهذا المشروع الذي دخل فعلاً في نسيج الثقافة السياسية للدروز الجنبلاطيين آنذاك. حتى إن بعض النصوص والدراسات وزعت بالفعل في منطقة الشوف آنذاك وهي تنظّر لمشروع الدولة الدرزية اقتصادياً وسياسياً وتاريخياً. وما لبث هذا الأمر أن تحول يومها إلى موضوع خلاف بين اتجاهات مختلفة داخل الحزب التقدمي الاشتراكي؛ ثم ما لبث الخيار الإسرائيلي أن تقهقر في لبنان، قاطعاً هذا التقهقر الطريق على كل تلك الأحلام والأوهام.

والمفارقة بين الأمس واليوم هي أن هذا النوع من المشاريع يجري ارتفاع وتيرة الحديث فيه في أوساط الدروز الجنبلاطيين كلما هبّت رياح أميركا وإسرائيل على لبنان والمنطقة؛ فوقتذاك كانت الرياح جنوبية، واليوم هي الرياح شمالية تهب من قلب النظام الإمبريالي. وها هي المواقف والتوجهات التي يجري تسريبها وتعميمها في الثقافة السياسية للدروز الجنبلاطيين عبر التناقل الشفهي لمواقف وليد جنبلاط، أو عبر شاشات التلفزة في الفترة الأخيرة، لا تقل خطورة عن تلك التي سادت منتصف الثمانينات الماضية. فبما أن وليد جنبلاط "لديه أنتين قوي" وهو يلتقط إلى مسافة بعيدة، فهو يدرك "أن الكفّة تميل، وهو يميل معها"، وهذا كلام يمثل قمة التعبير عن الثقافة السياسية الانتهازية وغير المبدئية، وبالتالي عن الحائط المسدود، التي أوصل وليد جنبلاط جماعته إليها. حتى إن الكثيرين من هؤلاء الدروز الجنبلاطيين لا يخفون رغبتهم في قيام أميركا، أو حتى إسرائيل، بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا أو ضد حزب الله، تغير موازين القوى في لبنان والمنطقة لمصلحتهم. وهذا بالفعل ما راهن وليد جنبلاط عليه - أي عدوان إسرائيلي أو أمريكي يُسقط النظام السوري ويركب نظاماً سياسياً بديلاً في دمشق موالياً لأمريكا ويسير مع الخيار التطبيعي في المنطقة - فيظهر وليد جنبلاط فيه منتصراً، كما ظهر أحمد الجلبي في بغداد عقب الغزو الأمريكي للعراق، مع العلم أن ذاك "الهيرو" الورقي ما لبث تفتت على أيدي المقاومين والوطنيين في العراق.



أين أصبحت التوجهات السياسية والاجتماعية والأخلاقية لدى الدروز الجنبلاطيين في ظل زعامة وليد جنبلاط اليوم؟

لقد نجح وليد جنبلاط فعلاً في تطويع معظم الدروز الجنبلاطيين وفي سوقهم في الاتجاه الذي تقتضيه مصالحه الشخصية وتحالفاته الطبقية بوصفه أحد أبرز أفراد الطبقة الرأسمالية الاحتكارية و"حيتان المال" في هذا البلد (على حد تعبيره هو)، محدثاً بذلك انقلاباً مفاهيمياً وسياسياً وطبقياً ومسلكياً شاملاً على النهج العروبي اليساري التحرري والأخلاقي الذي سعى كمال جنبلاط لتكريسه في أوساط قاعدته الشعبية والحزبية. وبالفعل باتت سوريا اليوم، وليس إسرائيل، هي العدو الإقليمي، كما بات الشيعي هو العدو المحلي، في نظر الدروز الجنبلاطيين، الذين عادوا يقلبون صفحات التاريخ بحثاً عن "كربلائية" ما تفسر عدائيتهم للشيعة. ونظراً إلى انتفاء هذا النوع من الكربلائيات واقعياً فهم يوظفون المشاهد الخيالية أحياناً، ويلجأون إلى تضخيم الخطر العددي للشيعة أحياناًً أخرى، لتبرير خطورة حزب الله عليهم.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03870 seconds with 11 queries