الموضوع: لعشاق رامبرانت
عرض مشاركة واحدة
قديم 27/08/2007   #14
شب و شيخ الشباب verocchio
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ verocchio
verocchio is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
مشاركات:
2,795

إرسال خطاب MSN إلى verocchio
افتراضي


ولنلق نظرة أخيرة عليه في صوره الشخصية في شيخوخته. وليس هنا زهواً أو خيلاء، بل على النقيض، أنها قصة حياة الفنان بفرشاته هو، في أيام الخيبة والهزيمة. أنه عندما صور نفسه 1660(163)، كان لا يزال يواجه الحياة بمزيج من الشجاعة والاستسلام، فإن الوجه القصير السمين غير الحليق كان ساخراً لم يكن حزيناً، وكان لا يزال يتحرك قدماً. ولكن في صورة أخرى(174)في نفس العام، كانت ثمة نظرة قلقة حائرة تعتم الوجه وتكسوه بالتجاعيد حول الأنف الضارب للحمرة وفي 1661 رأى نفسه(175) في نفس الحيرة والارتباك. ولكنه لم يبال بالتجاعيد بطريقة فلسفية. وصور نفسه في عامه الأخير(166)، وكأنما وجد الطمأنينة وهدوء البال في ارتضاء قيود الحياة وحدودها ومرحها الساخر. وماتت هندريكا 1662، ولكن ظل تيس يمتعه بمنظر الشباب، وفي 1668 ابتهج الشيخ العجوز بزواج ابنه. ولما لحق الابن بالخليلة في هذا العام نفسه، فقد الفنان قدرته على التشبث بالحياة. وجاء في سجل الوفيات في الكنيسة الغربية في 8 أكتوبر 1669 رمبرانت فان رين-الرسام...يترك طفلين.
وكاد معاصروه أن لا يلحظوا وفاته. ولم يحلم أحد منهم قط بوضعه في مرتبة روبنز، أو حتى فانديك, وكتب عنه معاصروه-جويشم (يواقيم) فون ساندرات أن ما كان يعوزه أساساً هو المعرفة بإيطاليا وغيرها من الأماكن التي تهيئ الفرص لدراسة القديم ودراسة نظرية الفن. (ويبدو لنا الآن أن هذا هو سر عظمته). ولو أنه عالج أموره بمزيد من الحزم والتعقل، وأبدى مزيداً من اللباقة في المجتمع، فلربما أصبح أكثر ثراء، ولقد عانى فنه من ميله إلى صحبة السوقة(167). واتفق رسكين مع مؤرخ الفن الألماني حيث قال: "أن الفظاظة والتبلد والتجرد من التقوى تعبر دائماً عن نفسها في الألوان السمراء والرمادية، كما هز الحال مع رمبرانت...أن هدف أحسن الرسامين أن يصوروا ما تقع عليه أعينهم في وضح النهار أو في ضوء الشمس، ولكن رمبرانت كان يسعى إلى رسم أقذر الأشياء التي يراها وأبشعها-في ضوء شمعة(16. ولكن يوجين دي لاكروا الذي عكس التطورات الديمقراطية في فرنسا قال "ربما يأتي يوم نجد فيه رمبرانت رساماً أعظم من رافاييل. وأني لأكتب الآن-دون تحيز-هذا التجديف الذي لابد سوف يسبب انتصاب شعر الأكاديميين غضباً ودهشة(169). وينزع النقاد اليوم إلى رفع رمبرانت فوق مرتبة رافلييل وفلاكويز ومساواته فقط بالفنان الجريكو(170) وإنا لندرك أن "الصدق" هو وظيفة الزمن وتابعه.أية سلسلة وأية هوة من روبنز إلى رمبرانت-بين الضوء البهيج والظل الكئيب بين الهاوية والحاشية، بين نبيل أنتورب السعيد بانغماسه في اللهو والفجور في وطنه في القصور مع الملوك، ومفلس أمستردام الذي عرف أحط الأعماق، ولازم الحزن والأسى. إنك إذ ترى هذين الرجلين على أنهما عنصري طباق في تناغم قوي، إنما تحس بطريقة أخرى بعظمة أمة صغيرة صارعت إمبراطورية عملاقة، كما تحس بتعقد المدنية التي استطاعت أن تنتج، في ناحية، ثقافة كاثوليكية تزين ابتهاج مذهبها الذي لا يرقى إليه الشك، بالأساطير وأضرحتها العزيزة عليها بالفن، وفي الناحية الأخرى ثقافة بروتستانتية استطاعت أن تفدي وتربي أعظم فنان وأعظم فيلسوف في ذاك العصر.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03970 seconds with 10 queries