عرض مشاركة واحدة
قديم 11/01/2008   #56
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


إن مشكلة ابتعاد السيناريو عن جوهر العمل الأدبي تتضمن شقًا أخلاقيًا، مع احترامنا لحق نجيب محفوظ في التنصل مما تفعله السينما بأعماله، فالسيناريو ـ الذي يطلق عليه الجيل الجديد من السينمائيين، ربما استخفافًا لفظ «الورق» هو كتابة تصنع سينما، والسينما أداة تخاطب الملايين من جماهير لا تحب القراءة، أو لا تقبل عليها، أو لا تعرفها، إنها ـ هذه النوعية من الجماهير ـ تستمد ثقافتها العامة من هذه السينما، فيستقر في وجدانها ووعيها أن «هذا» هو نجيب محفوظ، وهذا هو فكره، لأن الشريط لا يلحق به مذكرة تفسيرية توضح الفارق بين الرواية والعمل السينمائي الملتصق بها، التصاق الطفيل بالعائل!
إن من يعرف النص الأدبي «اللص والكلاب» يجد أن كاتب السيناريو ضحي بالكثير ليصنع شريطه المسمي «ليل وخونة»، وارتضي من الرواية بزاوية محدودة للغاية. وربما كان السبب وراء تجاوز كاتب السيناريو لمحتوي نجيب محفوظ في اللص والكلاب، هو أن هذه الرواية مكتوبة بتكنيك «تيار الوعي»وهو ما يجعلها مكثفة، متعددة المستويات النفسية، التي يصعب ترجمتها إلي أحداث وحركة، أي إلي لغة سينمائية، خصوصًا إذا كان كاتب السيناريو محدود القدرات، أو أنه لم يشأ أن يبذل جهدًا أكبر. لقد استخدم محفوظ هذا التكنيك بحرفية بالغة، فجعل «نور» تبرز للبطل «سعيد مهران» من الظلام، فجأة.. من ظلام مهنتها كفتاة ليل، لتنير الطريق للبطل التائه، في عذابه أمام من خانوه وخدعوه، في حين أن «نبوية» الزوجة الخائنة لم تظهر لنا في الرواية إلا من خلال ذكريات مهران عنها، في تيار وعيه المنساب في تموجات متعاقبة، تعتمد علي استحضار الماضي «الفلاش باك» فتتعاقب الذكريات، ويتداخل الماضي بالحاضر، ويتشابك العالم الداخلي للبطل ـ من خلال «الفضفضة» أو «المونولوج الداخلي» ـ مع العالم الخارجي، الذي يصفه لنا المؤلف مستخدمًا ضمير الغائب.. ونحسب أن نجيب محفوظ هو أول من نقل هذا الأسلوب الجديد في كتابة الرواية، من كتاب أوروبيين، مثل: ألان روب جريبيه، وميشيل بوتور، واستخدمه في اللص والكلاب 1961،
كانت «نور» إذن، التي تخلي الشريط عن اسمها، وسطّح كاتب السيناريو شخصيتها، ترمز إلي شعاع الأمل الوحيد في حياة سعيد مهران المضببة الغائمة، وهو يتخبط وسط الذكريات الأليمة والواقع المرير الذي يعايشه، فهو لم يوفق في تنفيذ خطة الانتقام التي وضعها، فلما سدد مسدسه نحو أحد من الكلاب الخونة، أصابت رصاصاته أبرياء لا ذنب لهم، فتزداد عذاباته وآلامه. وهكذا، أصبح سعيد مهران ضحية للعدالة التي رغب في إقرارها هو بذاته، علي الخونة في مجتمعه، فأصبح طريداً بين بني جلدته، تلاحقه «الكلاب الحقيقية» للشرطة. ولم يكن أمامه سوي «نور» التي تخفيه في بيتها بالقرب من المقابر، وليس في عوامة علي النيل، كما في الشريط، بل إنها حاولت إقناعه بالابتعاد عن الجريمة، ومغادرة شهوة الانتقام، وتختفي «نور» عند نهاية الرواية، اختفاء مبهمًا، ولا يقول المؤلف كلمة واحدة عن مصيرها، وعن ذلك يقول نجيب محفوظ في لقاء خاص مع واحدة من دارسي أدبه: لقد اختفت «نور» من حياة بطل الرواية لأنها أدت مهمتها، فلم يعد بوسعها أن تفعل أي شيء من أجله، فهو مفقود مفقود.. لقد انتهي دورها في الرواية وفي حياة البطل، لذلك اختفت.
والجدير بالذكر أن نجيب محفوظ انتقل، في هذه الرواية، إلي بداية مرحلة جديدة من مسيرته الإبداعية، مخلفًا وراءه مرحلة اهتم فيها برسم محيط اجتماعي كامل، يغص بالشخصيات، إلي مرحلة يقدم لنا فيها شخصيات فردية معزولة، وقد استلزم ذلك أن يتلاشي العام الخارجي إلي أقصي حد، ولا يتبقي منه إلا ما يكفي ليكون خلفية روائية، تساعد في إبراز ملامح الشخصية الروائية المفردة.





شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04143 seconds with 11 queries