عرض مشاركة واحدة
قديم 03/10/2008   #9
شب و شيخ الشباب مأمون التلب
مسجّل
-- اخ طازة --
 
الصورة الرمزية لـ مأمون التلب
مأمون التلب is offline
 
نورنا ب:
Jul 2008
مشاركات:
8

افتراضي


غير صالح للنشر
لتوضيح التحالف السريّ، وعلاقته بالكتابة والكُتّاب، فإن جملة (غير صالح للنشر) التي يعاني منها الكتاب الحاليين، والتي عايشتها في كل الصحف التي عملت من خلالها، لا تشابه الأسباب التي تُحجب بها الأعمدة السياسية. على الأقل، لكتاب الأعمدة والصحفيين عزاءٌ في وجود يدِ آخرٍ تمتدّ لتقتلع المواد في الليل، آخرٍ ينتمي لحكومة حالية، ماضية ومستقبلية، ففي اليوم التالي يمكنك أن ترى الزهو وفرح القلب في وجه الكاتب، فهو، في تلك اللحظة، يعرف تماماً موقعه من الوجود، دوره وقيمته. ولكن الكتاب الذين أتحدث عنهم، تُرفض أعمالهم من قبل الصحفيين أنفسهم، حتّى المتحررين منهم، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وأحياناً لا تُقدّم للنشر من قبلي أنا شخصياً، لقد أصبحتُ، بطريقةٍ مضحكة، أداةً أخرى من أدوات كبتهم كما ترون. فيكون تبريري لذلك هو (محاولة استغلال أكبر حدٍّ من الحريّة ليصل القليل جداً من هذه الأعمال للقارئ).
يمكنكم أن تسألوا: (ولكن النشر في الصحف يختلف عن النشر في الوسائط الأدبية المتخصصة؟)، نتفق على ذلك، ولكن، أليس هذا هو لبّ الموضوع؟، فالتحديد الأخلاقي والقيمي لا يخص الصحف السودانية وحدها، إنه أثرٌ عالميٌّ ومعمَّم، إمعاناً في (حماية المجتمعات). كنت أتأمل في هذا المثال من قبل: الأفلام السينمائية المعروضة في القنوات الفضائية المتاحة لكل من هبّ ونَظَر، لابدّ أن يشوبها التشذيب والتقطيع، فهي ليست اختياريّة، موجودة داخل كل بيت، أمام كل طفلٍ وامرأةٍ وشيخٍ وشابٍّ وشابَّة، وهم ليسوا ملزمين، جميعهم، برؤيتك للعالم كاملةً أيها المخرج العزيز، ولكن، في حال عُرض الفيلم في صالةٍ سينمائية، فأنت تتحمل نتيجة قرارك بالذهاب إلى السينما. طيِّب، على الكتاب الحاليين أن يصنعوا سينما اختياريّة للقراء، وكيف هذا؟ بالنشر في الكتب. أجد أن النظر لعملية (تراكمات النصوص غير الصالحة للنشر) في صدر الكاتب وأوراقه تشوبها نوع من الاستهتار بقسوة تأثيرها عليه وعلى مشروعه وتقييمه لذاته، إنه يتخلّى، كعامل في حقل الكتابة، عن الكثير من الأمور الطبيعية والأساسية في حياة البشر، (لن أذكرها لشهرتها) فضلاً عن كونه يعمل (مجّاناً) ويُطالب، فوق ذلك، بعملٍ آخرٍ مدرٍّ للمال، ليس ذلك فحسب، بل أن اعتكافه وتفرّغه لكتابة عملٍ ما، كتاب مثلاً، يُصنّف في خانة العطالة والاستهتار واللامسؤولية. حقيقةً، لن يستطيع أحد تصور الكم الهائل من الكتب المتراكمة في هذه اللحظة، النصوص غير الصالحة للنشر.

شباب
أعتقد أن التخلّص من مصطلح (الشعراء الشباب) أو (الكتاب الشباب) جديرٌ بالمناقشة، فكما هو بديهي، من المحتمل أن تكون اللحظة التي نتحدث فيها الآن عن الكتاب الشباب، هي لحظة تحوّل أحدهم من كونه شابّاً إلى مرحلةٍ أخرى، أو من كونه طفلاً إلى شاب، أو من كونه حيَّاً إلى ميّت!. هذا إن سلمنا أن التصنيف أصلاً من الممكن أن يُعتبر تصنيفاً. من ناحيةٍ أخرى، أجد أن هنالك ظاهرة أخرى وهي الأخذ بآراء بعض الكتاب المعروفين كمدافعين أو مناصرين للكتابة الحالية، على أنه معبّرٌ عن المجموع، أعتقد أن هذه القضية أيضاً هي محورية في الحديث زمانياً عن مجموعة من الكتاب. وأقول مجموعة من الكتاب، لأنني لا أتحدث، بالتأكيد، عن هذه الشريحة المسماة في هذه الندوة (الشعراء الشباب) جميعهم، أنا أتحدث تحديداً عن مجموعة من التجارب التي توفّر لي الاطلاع عليها، واكتشاف حيواتها وتجارب منتجيها الشخصيّة، حتى هؤلاء لا يمكن الحديث عنهم كجماعة.
إذاً، نزعة فردية هي ما يُمكن أن يقال، إن خضعنا للاسم، وهي محاولة قويّة، وناجحة، لتدمير السمعة السيئة المُلحقة للفردية من قِبَل القاموس السياسي الذي تحدّثت عنه، فيصنّف في العقل الجمعيّ أن العمل الفردي هو بالتأكيد سلبيّ، فبالقليل من الجمل المُفبركة يمكنك أن تقهر النّازع الفردي بـ(جريمته هذه)، كالسؤال مثلاً عن علاقة الفردية بالحداثة وما بعد الحداثة!. فكل محاولات العزل التي مارسها المجتمع الثقافي والسياسي على الكتاب (بالسؤال المستمر مثلاً عن سبب عزلة كتابتهم عن الجمهور!) لم تكن ذات تأثيرٍ عليهم، واصل الكتاب انتاجهم بنشاط واختلاف ومراجعات مستمرة ونقد، ودفعوا به، بشجاعة، إلى ساحات النشر، واستطاعوا أن يخلقوا مبادراتهم ومحاولاتهم لتثبيت الوجود دون الالتفات لردّ الفعل السلبي والإيجابي، ودون انتظار شهرةٍ، دون الخضوع لمتطلبات سوق الجمال العام، أو سوق البطولة العام؛ هذه الأسواق المفتوحة للجميع،ذات الكسب السهل والسريع. ببساطة، كوّنوا سلطتهم كجدارٍ سميكٍ، من خلفه يكتبون.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03389 seconds with 11 queries