عرض مشاركة واحدة
قديم 17/09/2009   #2
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي


[يُرفَع الستار، ومريم جالسة على يمين المسرح، تحدِّق إلى التلال، ومرتا على اليسار قرب الباب، جالسة إلى النول. وفي زاوية الدار، في أقصى اليسار، جلس المجنون إلى الجدار.]

مريم: [تلتفت إلى مرتا.] لا أراك تحوكين. منذ فترة لا تحوكين.

مرتا: أنتِ لا تفكرين في ما أعمل. كَسَلِي جعلكِ تفكرين في ما قاله المعلِّم. يا للمعلِّم الحبيب!

المجنون: يأتي زمان لا حائك فيه، ولا من يلبس ما حاك من قماش. سنقف جميعًا عراة تحت الشمس.

[فترة صمت تطول. لم تسمع المرأتان ما قاله المجنون. لا تسمعانه أبدًا.]

مريم: نحن في ساعة متأخرة.

مرتا: نعم، نعم، أعرف أننا في ساعة متأخرة.

[تطل الأم خارجة من باب الدار.]

الأم: هل عاد؟

مرتا: لا يا أماه، لم يعد بعد.

[تنظر النساء الثلاث باتجاه التلال.]

المجنون: هو نفسه لن يعود. ما قد ترونه ليس غير نَفَسٍ يجاهِد في جسد.

مريم: يبدو لي أنه لم يعد بعدُ من العالم الآخر.

الأم: إن موت المعلِّم أثَّر عليه كثيرًا. فمنذ أيام لا يأكل، وفي الليل لا ينام. أنا متأكدة أن موت صديقنا وراء كلِّ ذلك.

مرتا: لا يا أماه. ثمة شيء آخر، شيء لا أفهمه.

مريم: نعم، نعم، ثمة شيء آخر. أعرف ذلك أيضًا. عرفت ذلك من أيام، ولكني لا أستطيع أن أشرحه. عيناه أكثر عمقًا. يحدِّق إليَّ كأنه يرى شخصًا آخر من خلالي. محبٌّ، إلا أن محبته لشخص ليس هنا. صامت، وكأن خاتَم الموت لا يزال على شفتيه.

[صمت يلفُّ النساء الثلاث.]

المجنون: كلُّ إنسان يرى شخصًا آخر من خلال الشخص الذي ينظر إليه.

الأم: [قاطعة الصمت.] أتمنى أن يعود. أمضى مؤخرًا الساعات الطويلة وحيدًا بين هاتيك التلال. يجب أن يكون معنا هنا.

مريم: أماه، منذ زمن طويل وهو ليس معنا.

مرتا: كان دائمًا معنا. غاب عنا هذه الأيام الثلاثة فقط.

مريم: الأيام الثلاثة؟ ثلاثة أيام! نعم يا مرتا، أنتِ على حق. ثلاثة أيام فقط.

الأم: أتمنى أن يعود ابني من التلال.

مرتا: سيعود قريبًا يا أمي. لا تقلقي.

الأم: من عاد من القبر، يرجع من التلال. يصعب عليَّ أن أتصوَّر، يا ابنتي، كيف قُتِل بالأمس الذي أعاد ابني إلى الحياة.

مريم
: أي هذا، وأي وجع!

الأم: آه، كم كانوا قساة مع الذي أعاد ابني إليَّ.

[صمت.]

مرتا: ولكن يجب ألا يبقى لعازر طويلاً بين التلال.

مريم: سهلٌ على الحالِم أن يضيع بين بساتين الزيتون. أعرف مكانًا أحبَّه لعازر، يطلبه، وفيه يجلس ويحلم ويستكين. يقع هذا المكان، يا أمي، قرب جدول صغير لا يصل إليه إلا مَن يعرفه. أخذني مرة معه في الربيع، وجلسنا على حجرين كالأطفال، والأزهار من حولنا. وفي فصل الشتاء كنا نتذكر هذا المكان، وكان، كلما تحدَّث عنه، لمع في عينيه نورٌ غريب.

المجنون
: بلى، ذاك النور الغريب. لذلك ظلَّ بعيدًا عنَّا، مع أنه كان دائمًا معنا.

مريم: تعرفين، يا أمي، أن لعازر كان دائمًا بعيدًا عنَّا، مع أنه كان دائمًا معنا.

الأم: تقولين أشياء كثيرة لا أفهمها. [فترة توقف.] أتمنى أن يعود ابني من التلال، أتمنى أن يعود! [توقف.] عليَّ أن أذهب الآن. فَطَبَقُ العدس على النار، ولا يحتمل المزيد من الطهي.

[تخرج الأم من باب الدار.]

مرتا: أتمنى لو أستطيع أن أفهم كلَّ ما تقولينه يا مريم. تتكلَّمين كأن شخصًا آخر يتكلَّم.

مريم: [بصوت غريب.] أعرف ذلك، يا أختي، أعرفه. دائمًا ثمة شخص آخر يتكلَّم عندما نتكلَّم.

[فترة صمت طويلة. مريم تسهو بعيدًا، ومرتا تراقبها ببعض الفضول. يعود لعازر من التلال ويدخل من الخلف، من الجهة اليسرى. يرمي بنفسه على العشب، تحت أشجار اللوز قرب الدار.]

مريم: [راكضة نحوه.] أراك متعبًا، منهوك القوى، يا لعازر. يبدو أنك مشيت مسافة طويلة.

لعازر: [يتكلم وكأنه غائب.] نمشي، نمشي، ولا نصل إلى مكان. نطلب، ولا نجد شيئًا. من الأفضل أن نكون بين التلال.

المجنون: كيف لا، والمكان أقرب إلى التلال الأخرى قدر ذراع فقط.

مرتا: [بعد برهة صمت.] لستَ على ما يرام. وتتركنا طوال النهار فنقلق عليك. فرِحْنا لعودتك يا لعازر. ولكن عندما تتركنا وحدنا هنا تُبدِّل فرحَنا قلقًا.

لعازر: [يدير وجهه صوب التلال.] هل تركتُكم طويلاً هذا النهار؟ أعجب كيف تُسمُّون لحظة بين التلال انقطاعًا. أحقيقة أني بقيت أكثر من لحظة بين التلال؟

مرتا: تركتنا النهار بطوله.

لعازر: دعنَني أفكر! يوم كامل بين التلال! من يصدِّق؟

[صمت. تدخل الأم خارجة من باب الدار.]

الأم: إني مسرورة بعودتك، يا بنيَّ. تأخرتَ، والضباب ملأ التلال. خفتُ عليك، يا بنيَّ.

المجنون: يخافون الضباب، والضباب بدايتهم ونهايتهم.

لعازر: نعم، عدت إليكم من التلال. يا للأسف! كلُّ هذا يدعو للأسف؟

الأم: ما هذا الذي تتكلَّم عنه يا لعازر؟ ما الذي يدعو كلُّه للأسف؟

لعازر: لا شيء، يا أمي، لا شيء!

الأم: يا لغرابة ما تقول. لا أفهمك، يا لعازر. قلتَ أشياء قليلة منذ عودتك، لكن ما تقوله يبدو لي غريبًا.

مرتا: يبدو غريبًا حقًّا.

[توقُّف.]



يتبع..




ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07258 seconds with 11 queries