عرض مشاركة واحدة
قديم 22/07/2008   #1
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي أجمـل قصــة للكــون


بقلم : موسى ديب خوري

مقدمـــة
من أين جئنا؟ وما نحن؟ وإلى أين نمضي؟ تلكم هي حقاً الأسئلة الوحيدة التي تستحق عناء طرحها! لماذا نحيا، ولماذا وجد العالم ولماذا نحن هنا؟ كان الدين أو الإيمان أو المعتقد هو وحده حتى الآن الذي يقدم حلاً على هذه الإجابات. أما اليوم فقد كوّن العلم رأيه الخاص أيضاً الذي يعتبر ربما أحد أهم مكتسبات القرن العشرين، بل وربما المفتاح الحقيقي لفهم طريقنا المستقبلي وتحولنا النفسي والروحي. والحق أن العلم يعيد اليوم بناء أخلاقنا وأفكارنا وحياتنا وسلوكنا ونفسانيتنا وحضارتنا بل وروحانيتنا. ذلك أن العلم بات بملك منذ الآن سرداً كاملاً لأصولنا الكونية: لقد أعاد العلم بناء تاريخ الكون.
ما هو الشيء الخارق الذي اكتشفه العلم؟ إنه المغامرة نفسها المستمرة منذ 15 مليار سنة والتي توحّد الكون والحياة والإنسان مثل فصول ملحمة طويلة. إنه التطور نفسه الذي يدفع باتجاه تعقيد متنام منذ الإنفجار العظيم إلى الذكاء: الجسيمات الأولى فالذرات فالجزيئات فالنجوم فالخلايا فالعضويات فالكائنات الحية وصولاً إلى هذه الكائنات العجيبة التي هي نحن... إنها السلسلة ذاتها التي تدفعها الحركة عينها. نحن سليلو البشريات الأولى والكائنات الأولى بل والنجوم والمجرات. إن العناصر التي أسست أجسامنا هي نفسها التي كانت قد تفاعلت في باطن النجوم منذ أزمنة سحيقة! نحن حقاً أطفال النجوم كما يقول هوبرت ريفز!
لا شك أن هذه الفكرة تزعجنا بالتأكيد، فهي تعارض اليقينيات القديمة وتسلخ الأحكام المسبقة. لكن تقدمنا في المعرفة عبر الأجيال لم يكن إلا ليعيدنا إلى موقعنا الصحيح في الكون. كنا نعتقد أننا موجودون في مركز العالم، وجاء غاليليو وكوبرنيكوس وغيرهما ليرشدوننا: فنحن نسكن في الواقع كوكباً عادياً ككواكب كثيرة في الكون، ويقع في طرف مجرة متواضعة مثلها مجرات لا تحصى. فليس من سبب خارق يدعو الإله ليهتم بهذه الكرة الصغيرة اهتماماً خاصاً. كنا نعتقد بسبب هذا الإهتمام المفترض إننا كائنات فريدة بمعزل عن الأنواع الحية الأخرى. لكن للأسف! فقد وضعنا داروين على الشجرة المشتركة للتطور الحيواني. وعلينا في الواقع أن نبتلع مرة أخرة كبرياءنا القائم في غير محله: فنحن في الواقع لسنا آخر ما سينتجه التطور والنتظيم الكونيان!
قد يتساءل أحدهم قائلاً: «أين الله في هذا كله؟» إن بعض الاكتشافات تتلاقى أحياناً مع يقينيات حميمة، لكن الكثير منها ينقض ويقوض يقينيات حميمة أخرى أكثر من الأولى بكثير، والحق إن المعتقدات القائمة على مفاهيم كونية قديمة قد تم دحضها من وجهة نظر العلم. ولهذا فلن نخلط بين النوعين: فالعلم والدين لا يحكمان المجال نفسه. فالأول يتعلم، أما الثاني فيعلّم. الشك هو محرك الأول، في حين أن الإيمان واليقين هما لحمة الآخر. ومع ذلك فإن العلم لا يتجنب الأسئلة الميتافيزيقية، ولهذا فإننا نصادف خلال قصة العلم عن الكون، بعض الأساطير القديمة والرؤى الروحية وحتى سنلتقي بآدم وحواء في السافانا الأفريقية! لكنهما أقدم بكثير من آدم وحواء اللذين تحدثنا عنهما كتب الأولين، ويختلفان عنهما اختلافات جذرية. إنما العلم يحيي المناقشات ولا يقتلها، ويفتح الباب واسعاً دون إشراطات ليختار كل ما يناسبه على ضوء معطيات باتت أكثر تجانساً ومنطقية ووضوحاً وإنسانية بل وروحية .
تبدأ قصتنا عن الكون مع ما يسمى بالإنفجار الكبير منذ نحو 15 مليار سنة..لكننا سنرى إن مفهوم البداية يوصلنا إلى قلب النقاشات الميتافيزيائية القائمة في العقل البشري منذ عصور، بل ويطرح مسألة الزمن الشائكة. ومنذ هذه البداية تتراكب المادة المتوهجة تحت تأثير قوى مذهلة لا تزال تسهر على مصائرنا. فمن أين جاءت هذه القوى؟ ولماذا هي ثابتة في حين أن كل شيء يتغير من حولها؟ إنها توجه التطور الكوني وتولد مع ابتراد الكون النجوم والمجرات. فما هي هذه القوى؟ ومن أين تتولد هذه الحركة المتنامية نحو التعقيد والتي لا تقاوم؟ وهل هذه القوى سابقة للكون؟
ومنذ 5 مليارات سنة، وعلى كوكب جميل واعد على طرف مجرة عادية في الكون السحيق، تابعت المادة عملها الجنوني في التركيبات. فعلى سطح الأرض، وفي بوتقات جديدة، انطلقت خيمياء أخرى! فالجزيئات ارتبطت في بنى قابلة للتكاثر وولَدت قطرات غريبة ثم أولى الخلايا التي تجمعت في متعضيات راحت تتنوع وتتكاثر وتعمر الكوكب، وتطلق التطور الحيواني وتفرض قوة الحياة. لا شك أنه ليس من السهل بعد قرون من الأفكار الخاطئة حول ولادة الحياة قبول أن الحياة ولدت من الجماد. فقد اعتُبر العالم الحي لعدة قرون عالماً معقداً جداً ومتنوعاً جداً بل وذكياً جداً بحيث يصعب أن يظهر دون دفعة صغيرة من التيسير الإلهي. أما اليوم فالمسألة أصبحت محسومة: إن العالم الحي ناتج من تطور المادة نفسه، وهو ليس ثمرة الصدفة مع ذلك. فكيف تم المرور إذاً من الجماد إلى الحي؟ وكيف اختَرع التطورُ التناسلَ والجنسَ والموتَ بشكل متلازم؟
ومنذ نحو بضعة ملايين سنة، وفي مشهد جميل من السافانا الجافة، احتل التحول الأخير للكائن الحي المسرح كله. هوذا الإنسان الحق! إنه حيوان وثديي وفقاري، ورئيسي بالإضافة إلى ذلك. لقد بات من المؤكد من الآن فصاعداً أننا كلنا سليلو أنواع الأوسترالوبيثكوس والهوموإركتوس الإفريقية. فنحن أبناء هذا الكائن القديم الذي انتصب فيما مضى في إفريقيا وللمرة الأولى في تاريخ الحياة. ولكن لماذا قام بذلك، وأية غريزة حرضته على الانتصاب؟ منذ أكثر من قرن ونحن نعرف بالتأكيد قصة تطورنا البشري ونحاول مع ذلك قبوله بصعوبة. لكن علم الأصول والبدايات تفجر خلال السنوات الأخيرة هذه، واهتزت بشدة شجرة أنسابنا: فقد سقطت عنها حتى بعض الأنواع الشعرانية. ونحن اليوم نملك أخيراً وحدة زمانية ومكانية لنقدم هذا الفصل الثالث من مسرحية التطور الكوني بشكل وافي الحبكة، ألا وهو فصل الملهاة البشرية، وقصة هذا الكائن الذي ولد من تطور الكون وراح يطرح الأسئلة. وكما لو كان هذا الانسان قد استلم النوبة من المادة فقد استغرق بدوره نحو بضعة ملايين سنة ليتطور ويخترع أشياء أكثر فأكثر تعقيداً: الأداة والصيد والحرب والعلم والفن والحب، وهذه النزعة الغريبة للتساؤل حول نفسه الذي لا ينفك يتأكله. فكيف اكتشف هذه الابتكارات وكيف نما دماغه وتطور بلا توقف؟ وما مصير أسلافنا الذين لم يؤاتهم النجاح؟
الكون
عندما نستحضر بداية الكون فلا بد أن نصطدم بالمصطلح. فكلمة بداية أو «أصل» الكون تشير بالنسبة لنا إلى حدث قائم في الزمان. لكننا لا نستطيع اعتبار بداية الكون مثل أي حدث شخصي، فهو بداية كل بداية. ويشبه تساؤلنا عن البداية الأولى أولئك الذين كانوا يتساءلون عما كان يفعله الله قبل أن يخلق العالم. وكان الجواب الشعبي إنه «كان يحضر الجحيم للذين سيطرحون على أنفسهم هذا السؤال!» وكان القديس أغسطينوس صاحب رؤيا نفاذة عندما كان يجيب بأن ليس لهذا السؤال معنى، إذ أن الخلق لم يكن فقط خلقاً للمادة بل وللزمان أيضاً. وهذا هو منظور العلم الحديث حيث لا انفصال بين المكان والزمان والمادة.
إن اعتبارنا لوجود أصل للكون قائم على ملاحظتنا لتطور الكون وتاريخه. وتثبت النظريات الحديثة أن تاريخ الكون يرجع إلى ما بين 10 و 15 مليار سنة. وكان الكون في بداياته غير منظم ولا توجد فيه مجرات ولا نجوم ولا حتى جزيئات وذرات. فلم يكن سوى عجينة من المادة ليس لها شكل محدد وتصل درجة حرارتها إلى مليارات مليارات الدرجات. وهذا ما دعي بالإنفجار الكبير. إن مفاهيمنا للزمان والفضاء والطاقة والحرارة تختلف كلياً عند هذه البدايات، حتى أننا لا نعرف أبداً ما كان يوجد قبل ذلك. ونحن لا نستطيع التأكيدبالتالي إذا كان ثمة شيء ما على الإطلاق قبل هذه البداية أم لا. وهكذا يمكن اعتبار الانفجار العظيم بداية تعرفنا على مفهومي المكان والزمان.
إن صورة الهباء البدئي تتلاقى بشكل عجيب مع الكثير من الأساطير التي تتحدث عن خلق العالم، وغالباً ما يمثَّل هذا الشواش أو الفوضى بالمياه أو بمحيط مغمور بالظلام. لكن البداية في علم الكونيات الحديث ترتبط بالحراة والنور أكثر منها بالبرودة والظلمة.
لقد تمكن العلماء بفضل تطور التلسكوبات خلال السنوات الماضية من رؤية ماضي الكون. إن سرعة الضوء تعتبر ضئيلة بالنسبة لاتساع الكون، وهو يقطع ملايين السنوات الضوئية حتى يصل إلينا من المجرات البعيدة. وهذا يعني أننا لا نستطيع أبداً رؤية الحالة الراهنة للكون. وكلما رجعنا في الماضي أكثر يصبح الكون عاتماً أكثر. وإلى ما وراء حد معين لا يعود الضوء قادراً على الوصول إلينا. ويوافق هذا الأفق فترة كانت درجة الحرارة فيها نحو 3000 درجة. ووفق الساعة الإتفاقية للانفجار الكبير كان عمر الكون قد بلغ نحو 300000 سنة.
وترتكز نظرية الانفجار العظيم مثل كل نظرية علمية على مجموعة من الأرصاد، كما وعلى منظومة رياضية هي النسبية العامة لأينشتاين. فقد استنتج إدوين هبل عام 1930 إن المجرات تتباعد عن بعضها بعضاً بسرعات تتناسب مع المسافات بينها. ويشير هذا التوسع إلى ابتراد تدريجي للكون. وتؤكد الأرصاد هذا الإبتراد، إذ كلما أوغلنا أكثر في ماضي الكون، أي نظرنا أبعد فأبعد فيه، أصبح الكون أكثر كثافة وحرارة، حتى نصل إلى لحظة كانت تصل فيها الحرارة والكثافة إلى قيم هائلة منذ نحو 15 مليار سنة، وهذا ما ندعوه بالإنفجار الكبير. لكن توسع الكون لا يعني مطلقاً إنه كان أصغر مما هو عليه الآن، بل يمكننا القول إن الكون كان لانهائياً وتوسع في لانهائيته. ومن البراهين الأخرى على الإنفجار العظيم عمر الكون نفسه الذي يقاس من خلال حركة المجرات أو أعمار النجوم أو أعمار الذرات. وفي كافة الحالات نجد أعماراً تتقارب من 15 مليار سنة. وتعتمد قياسات عمر الكون على أحافير فيزيائية مثل الإشعاع الاحفوري الذي بقي من الضوء الهائل في بدايات الكون عندما كانت درجات الحرارة عالية جداً. إن الأساسيات التي تبنى عليها النظريات الحديثة في التطور الكوني اليوم هي أن الكون ليس سكونياً، وأنه لم يخلق كاملاً وعلى صورة منتهية، وأنه يبترد ويقل كثافة. وبشكل خاص فإن المادة تنتظم فيه تدريجياً. وهذا يعني أن صيرورة ديناميكية خلاقة لا تزال تخلق كوننا من البسيط إلى المعقد

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05872 seconds with 11 queries