عرض مشاركة واحدة
قديم 22/07/2008   #2
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


كان الكون يتكون إذن في بدايته من جسيمات أولية هي الإلكترونات والفوتونات والكواركات والنيوترينوات، إضافة إلى الغرافيتونات والغليونات. وهكذا تجمعت هذه البنى الأولية في تشكيلات أكثر تعقيداً. فالكواركات مثلاً تجمعت في بروتونات ونيوترونات. وتم ذلك خلال الأجزاء الأربعين الأولى من الألف من الثانية، وهي اللحظة التي نزلت فيها الحرارة إلى 1012 درجة. أما الذي حرض الكون على الانتظام من حالة الهباء الأولى هذه فكانت القوى الأساسية الأربعة، وهي التي أشرفت فيما بعد على تجميع الذرات والجزيئات والبنى السماوية الكبرى. فالقوى النووية تربط النوى الذرية؛ والكهرمغنطيسية تؤمن التحام الذرات؛ وقوة الجاذبية تنظم الحركات الكونية على مستوى النجوم والمجرات؛ أما القوة الضعيفة فتتدخل على مستوى النيوترينوات. لكن الحرارة كانت تفكك كل شيء في اللحظات الأولى وتمنع تشكيل البنى، ولهذا كان يجب أن يبترد الكون قليلاً لتولد أولى البنى المركبة. أما لماذا وجدت هذه القوى أصلاً فأمر لا تفسير له حتى الآن. إننا نعلم اليوم أن هذه القوى موجودة هي نفسها في كل مكان، وأنها لم تتغير أبداً منذ الإنفجار العظيم وحتى الآن. وإضافة إلى أن هذه القوانين لا تتغير فأن أشكالها الجبرية وقيمها العددية تبدو بشكل خاص مضبوطة تماماً. فلو كانت هذه القوى مختلفة بدرجة طفيفة جداً لما كان الكون خرج أبداً من شواشه البدئي. وهذا يعني بشكل من الأشكال أن التعقيد والحياة والوعي كانوا في حالة كمون منذ اللحظات الأولى للكون.
كذا فقد عملت القوة النووية الشديدة على تجميع الكواركات ثلاثا ثلاثاً لتشكيل النويات. وبعد فترة بسيطة حرضت القوة النووية الشديدة هذه البنى لتشكل بدورها تجمعات من بروتونين ونيوترونين فظهرت أول نواة ذرية. وقد هبطت درجة الحرارة عندها إلى 10 مليارات درجة مئوية وكان عمر الكون قد بلغ دقيقة واحدة. وقد ابترد الكون بعد دقائقه الأولى، فكبح من جديد نشاط القوة النووية، وكان تركيب الكون حينئذ 75 % من نوى الهيدروجين و25 % من نوى الهليوم. ولم يحدث شيء من ثم على المستوى التنظيمي لعدة مئات آلاف من السنين. والحق أن التعقيد لا يتقدم بخطى منتظمة. وعندما هبطت الحرارة تحت 3000 درجة دخلت القوة الكهرمغنطيسية. فوضعت الإلكترونات في مدارات حول النوى وخلقت بذلك أولى ذرات الهيدروجين والهليوم. وأدى اختفاء الإلكترونات الحرة إلى جعل الكون شفافاً. فلم تعد الفوتونات تتأثر بالمادة الكونية وتاهت في الفضاء وتحللت تدريجياً إلى طاقة. وهي لا تزال موجودة اليوم بعد أن شاخت مشكلة الإشعاع الأحفوري الكوني. ومر التطور الكوني بعد ذلك باستراحة ثانية لينطلق من جديد بعد مائة مليون سنة. وكانت الجاذبية هي بطلة هذه المرحلة. فبتأثيرها بدأت المادة التي كانت منتظمة التوزع بالتجمع. وهكذا ولدت نوى المجرات. وهكذا لم يعد الكون يظهر بشكل حساء متجانس، بل أصبح فضاء شاسعاً وقليل الكثافة تسبح فيه الجزر المجرية الرائعة. وتكاثفت المادة في قلب هذه المجرات بتأثير الجاذبية لتشكل النجوم. وحرَّض ذلك إزدياداً في درجات الحرارة فأفلتت النجوم من الابتراد العام الذي استمر حولها. فسخنت النجوم وأطلقت الطاقة وبدأت باللمعان. واستنفد أضخمها الذي تساوي كتلته خمسين ضعف كتلة الشمس وقوده الذري في ثلاثة أو أربعة ملايين سنة. وعاشت النجوم الأقل ضخامة مليارات السنين. إن الجاذبية تفسر أيضاً دوران الأجرام حول بعضها. لقد فسر نيوتن دوران القمر حول الأرض، ونعرف اليوم أن الشموس لا تقع على بعضها أيضاً بسبب دورانها حول المجرات. أما المجرات فيكمن عدم وقوعها على بعضها في توسع الكون العام. ويميل العلماء إلى أن الكون سيستمر في التوسع حتى يبترد ويتحول إلى طاقة ميتة.
كان يمكن للكون أن يبقى بعد نحو مليار سنة على هذه الحال: صحراء لانهائية مع جزر موزعة هنا وهناك من المجرات ذات النجوم. لكنه انطلق في مرحلة تطورية جديدة. وكانت النجوم هي التي استعادت شعلة المسيرة. ففي حين كان الكون يتابع ابتراده كانت النجوم تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة. إن محرض التسخين هو انكماش النجم بتأثير ثقله الخاص. وعندما تبلغ درجة الحرارة 10 ملايين درجة تستيقظ القوة النووية من جديد. وكما في الإنفجار العظيم تندمج البروتونات لتشكل الهليوم. وعندما ينفذ الهيدروجين يتحول الهليوم إلى وقود النجم. وعندها تبدأ اندماجات لم تكن معروفة سابقاً في الكون، فتتجمع ثلاث ذرات هليوم في ذرة كربون وأربع ذرات هليوم في ذرة أكسجين. وهكذا أمتلأ مركز النجوم خلال ملايين السنين التالية بنوى الكربون والأكسجين. ويستمر النجم خلال ذلك بالإنكماش، فينهار قلبه على نفسه في حين يتمدد غلافه بسرعة متحولاً إلى عملاق أحمر. وعندما ترتفع درجة حرارته أكثر من ذلك فإنه يولد نوى ذرات أثقل من الحديد والزنك والنحاس والذهب وحتى اليورانيوم. لقد أنتجت النجوم عناصر الطبيعة. ومع انهيار النجم على نفسه تدخل نوى الذرات في تماس مع بعضها وترتد مما يحرض موجة صدم هائلة تؤدي إلى انفجار النجم. وذلك ما نسميه بالمستعر الفائق الذي يضيء السماء مثل مليار شمس. وعندها تُقذف المواد الثمينة التي أنتجها النجم في باطنه طيلة مراحل وجوده إلى الفضاء. هكذا تموت النجوم الكبيرة، أما الأصغر كشمسنا فتموت بهدوء أكثر. وتهيم الذرات المنقذفة في الفضاء ما بين النجمي وتمتزج بالسحابات الكبيرة المتناثرة في الفضاء. ويصبح الفضاء بالتالي مختبراً حقيقياً للكيمياء. فبتأثير القوة الكهرمنغنطيسية تتوضع الإلكترونات حول النوى الذرية لتشكيل الذرات التي تتحد بدورها في جزيئات. ونجد بينها الماء والأمونياك والكحول الأتيلي. إنها الذرات نفسها التي ستتحد على الأرض فيما بعد لتشكل العضويات الحية. نحن مجبولون حقاً من غبار النجوم كما يقول هوبرت ريفز!
لقد عملت قوة الجاذبية على تجميع السحب ما بين النجمية لتولد منها نجوماً جديدة. ومن بقايا هذه السحب تشكلت مجموعات كوكبية كالمجموعة الشمسية. وقد اشتملت هذه الكواكب على الذرات التي ولدتها النجوم الميتة. وخلال عشرات مليارات السنين اختلطت أجيال النجوم في الكون من الفتي إلى الهرم. ويتشكل وسطياً حتى الآن ثلاثة نجوم في السنة في مجرتنا. وهكذا، وُلد على طرف مجرة حلزونية هي درب التبانة نجم يهمنا بشكل خاص في قصتنا، هو شمسنا، منذ 4,5 مليار سنة. إنها نجم متوسط تماماً في مجرتنا. ويشبهها نحو مليار نجم فيها تماماً. وكانت شمسنا عندما ولدت أكبر بكثير مما هي عليه الآن. لقد تم قياس عمر القمر بدقة وكذلك عمر بعض النيازك، وتبين أن القيم متقاربة جداً وتساوي 4,6 مليار سنة. فقد ظهرت الشمس مع كواكبها في الوقت نفسه، وكان عمر مجرتنا عندها نحو ثمانية مليارات سنة. لقد تجمع الغبار الكوني حول النجوم الوليدة ليشكل أقراصاً تشبه حلقات زحل. وقد تكاثفت هذه الأقراص شيئاً فشيئاً لتشكل بنى صخرية ذات حجوم متزايدة باستمرار. وبنتيجة تصادمها تشكلت كتل كبيرة هائلة ذات حرارة عالية. وقد تطلب الأمر وقتاً طويلاً لتبديدها بحسب حجم الأجسام. ولا تزال الأرض تحفظ في قلبها نار جمر تحرض حركات الحمل الحراري للحجارة التي لا تزال سائلة. وهذه الظاهرات التي تعود إلى تشكل الكوكب هي سبب إنزياحات القارات وثوران البراكين والهزات الأرضية. لكن هذا اللاإستقرار الجيولوجي ثمين جداً لأنه يؤدي إلى تغيرات المناخ التي تلعب دوراً هاماً في تطور الكائنات الحية.
لقد لعب الماء السائل دوراً أساسياً في تتمة التطور الكوني. فكوكبنا هو الوحيد الذي يحوي ماء سائلاً في مجموعتنا الشمسية. وكان المريخ يحوي هذا الماء أيضاً منذ مليار سنة، لكن جاذبيته لم تكن كافية للحفاظ على الغلاف الجوي والدفيئة الكافية لتطور الحياة عليه. أما الزهرة فكانت بدايتها تشبه الأرض كثيراً. وعلى الرغم من أنها تحوي الكمية نفسها من غاز الفحم، لكن وجود الماء على سطح الأرض ساعد على انحلال الكربون في المحيطات، بينما لعب قرب الزهرة من الشمس دوراً أساسياً في تشكيل دفيئة حارة جداً أدت إلى تطوره بشكل مختلف تماماً عن الأرض. لقد لعب الماء السائل دوراً جوهرياً في ظهور التعقيد الكوني. كذلك لعب الكربون دوراً هاماً جداً. فهو الذرة المثالية من أجل بناء الجزيئات. فهو يملك ما يشبه الخطافات الأربعة التي تلعب دور المفصل بين العديد من الذرات. كما أن الروابط التي يخلقها مرنة بدرجة كافية للعبة الربط والتفكيك السريعتين والضروريتين لظاهرة الحياة. ولهذا فمن المرجح أن تكون ظاهرة الحياة في الكون قائمة بشكل أساسي على وجود الماء والكربون. وهما متوفران بكثرة في أرجاء الكون اللانهائي .

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05668 seconds with 11 queries