عرض مشاركة واحدة
قديم 22/07/2008   #3
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


لم تكن درجة حرارة الأرض ملائمة لظهور الحياة في بداية تشكلها. إضافة إلى ذلك كان قذف النيازك والمذنبات فائق العنف. وقد حملت المذنبات إلى سطح الأرض خلال المليار سنة الأولى كميات كبيرة من الجزيئات المعقدة إضافة إلى الماء. وهكذا أصبح التطور الكوني جاهزاً لبدء مرحلة جديدة وحاسمة على سطح كوكب لا يشكل سوى هباءة في محيط الكون الرهيب. إن جزءاً بسيطاً جداً من بروتونات بداية التاريخ شكل الذرات الثقيلة. وعدد صغير جداً من الجزيئات البسيطة انتظم في جزيئات معقدة، وقسم ضئيل فقط من هذه الجزئيات المعقدة سيشارك في بنى الحياة.

الحيـــاة

إن فكرة الاستمرارية بين تطور المادة وتطور الحياة هي فكرة حديثة. فالحياة قادرة على التكاثر والتطور أما المادة فجامدة وغير قادرة على التناسل. إلا أنه لم يكن معروفاً في الماضي أن الجزيئات مكونة من ذرات، ولا أن الخلايا مكونة من جزيئات. ولذلك كان يتم تفسير ظهور الحياة على الأرض من خلال صدفة خارقة أو من خلال إرادة الإله. وتلك في الواقع طريقة لإخفاء الجهل. فقد أثبت العلماء منذ عدة سنوات فقط إن الحياة نتجت من تطور المادة الطويل نفسه. ومسيرة الكائن الحي ترجع إلى التاريخ الطويل من صيروة التعقيد في الكون منذ الإنفجار الكبير. لقد تحدث جاك مونو عن «الضرورة»: ففي ظروف معطاة تولِّد القوانين التي تنظم المادة منظومات أكثر فأكثر تعقيداً. وهكذا يكون ظهور عضوية حية محتملاً جداً على مدى الزمان الطويل. وهذا يعني أن الحياة ليست حكراً على الأرض فقط، بل هي ظاهرة شائعة في الكون. فلكل كوكب في الكون فيه ماء ويوجد على بعد أمثلٍ عن نجم حار إمكانية مراكمة جزئيات معقدة وكريات صغيرة تتبادل المواد الكيميائية مع وسطها. وهكذا، من ضرورة إلى ضرورة يصل التطور الكيميائي إلى الكائنات الحية الأولية. وهكذا فقد تم التغلب على الفكرة التي كانت سائدة بأن الحي ولد بنتيجة مصادفة أشبه بالمعجزة. لقد توقف باستور عند فكرة أن الحي يولد تلقائياً من المادة، في حين نعرف اليوم أن الساكن يولد الحي تدريجياً (وليس تلقائياً) عبر مليارات السنين. وكان داروين هو الذي أدخل مفهوم الزمن الضروري لتطور الحياة. وقد تم إثبات أن الحياة هي سليلة المادة في المختبر. فنحن نعرف الآن المراحل كلها التي قادت الجزيئات على الأرض البدئية إلى مرحلة الكائنات الحية الأولى، ويمكن إعادة إنتاجها جزئياً في المختبرات!

لقد كسر البيوكيميائي السوفييتي ألكسندر أوبارين والإنكليزي جون هالدين الحلقة المفرغة بين المادة والحي عندما تحدثا عن الظروف البدئية على الأرض. فالجو لم يكن يحوي الآزوت والأكسجين، بل مزيجاً غير مضياف للحياة من الهيدروجين والميتان والأمونياك وبخار الماء، لكنه كان ملائماً لظهور الحياة. وفي الخمسينات استعاد الفرنسي تلار دو شاردان السابق لعصره أيضاً فكرة تطور المادة التي وضعها داروين، وتحدث عن «ما قبل حياة»، وهي مرحلة انتقالية بين الجامد والحي كان يمكن أن تنتج خلال حقب الأرض البدئية. وقد جاء الإثبات المخبري على يد ستانلي ميلر عام 1952. فقد وضع في حوجلة غازات الأرض البدئية، الميتان والأمونياك والهيدروجين وبخار الماء مع قليل من غاز الفحم، وماثل المحيط بماء الحوجلة وسخنه ليعطي الطاقة، وحرض الشرارات في الحوجلة عوضاً عن البرق لمدة أسبوع. وعندها ظهرت مادة حمراء برتقالية في قعر حوجلته! وكانت تشتمل على حموض أمينية، الجزيئات التي تكون مركبات الحياة الأولى! والحق إن الأرض كانت على بعد كاف من الشمس لتلقي أشعتها تحت الحمراء وفوق البنفسجية القابلة لإطلاق التفاعلات الكيميائية، وعلى درجة كافية من البعد كي لا تحترق النواتج المصنعة. وهكذا ينشأ توازن عبر لعبة الولادة والموت. فظهور الحياة على الأرض لم يكن بنتيجة مصادفة سعيدة بل في الواقع لأن أولى مركبات الحياة الأرضية تكيفت مع الحرارة وكيفتها على الأرض بالتالي مع مرور الوقت بحيث تكون في أفضل مستوى ملائم لبقائها وتكاثرها.

إنه نوع من الانتظام الذاتي. ففي فجر الأرض، منذ نحو أربعة مليارات سنة، كان كوكبنا يملك نواة من السيليكات وقشرة من الكربون وغلافاً جوياً من مزيج غازي من الميتان والأمونياك والهيدروجين وبخار الماء وغاز الكربون. وتحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية الشمسية والبروق تكسرت هذه الجزيئات وتحللت وسقطت على شكل عناصر أكثر تعقيداً على الكوكب. إنها أولى الجزيئات التي نسميها «عضوية». وقد أمطرت هذه الجزيئات العضوية خلال أكثر من 500 مليون سنة، مع الزخات الناجمة عن تكاثف بخار الماء في طبقات الجو الباردة. ومنذ ذلك الحين تحددت صفتان أساسيتان للعالم الحي: تركيبه الكيميائي ومصدر طاقته أي الشمس.

لقد اكتشف علماء الفيزياء الفلكية وجود جزيئات عضوية في كل مكان تقريباً في الكون. فمنذ خمس عشرة سنة تعرفوا على سبعين منها؛ فهذه الظاهرة لم تكن استثنائية في الكون. وفي المطر الكوني الذي روى الأرض في فجر تشكلها كان ثمة حموض أمينية وحموض دسمة وطلائع الشحوم. ويبدو أن جزيئين هما حمض النمليك وحمض السيانيد لعبا دوراً هاماً في تلك المرحلة: فعند تعرض هذين الحمضين للأشعة فوق البنفسجية فإنهما يولدان إثنين من «الأسس» الأربعة التي ستشكل فيما بعد الحمض الريبي النووي DNA حامل الوراثة. ولم يولد الغلاف الجوي للأرض هذه الجزيئات المعقدة فقط بل وحماها أيضاً بتشكيل غطاء لها. وكانت هذه الجزيئات ستضيع لو بقيت معلقة في الهواء الطلق. وفيما بعد استفادت الخلايا الأولى على العكس من الشمس لتنتج الأكسجين، وأعطى الأكسجين الأوزون في طبقة الجو العليا فحماها بدوره من الأشعة فوق البنفسجية. وهكذا أمنت الحياة بقاءها واستمرارها.
تشبه قصتنا حتى الآن لعبة تجميع المكعبات، وتشكيل سلاسل عملاقة من الجزيئات. لكن متى بُعثت الحياة وكيف؟ لقد لعبت البحيرات الشاطئية والمستنقعات دور البيئة الملائمة لذلك. فهي أماكن جافة وحارة في النهار ورطبة وباردة في الليل. وفي هذه الأماكن يوجد الطين والكوارتز اللذان ستقع سلاسل الجزيئات في فخهما فيتحد بعضها ببعضها الآخر. فالطين يعمل عمل مغنطيس صغير بالنسبة للأسس التي تشكلت منها أولى الحموض النووية. فأيوناته أي ذراته التي فقدت إلكتروناتها تجذب المادة من حولها وتحرضها على التفاعل. وأدى ذلك إلى ظاهرة جديدة. فبعض الذرات محب للماء ولهذا فهو يجذبه، في حين أن بعضها الآخر كاره للماء وهو بالتالي يبتعد عنه. وهكذا فقد تجمعت البروتينات الوليدة في البحيرات الشاطئية على بعضها مما جعلها على تماس مع الماء الخارجي أو بمعزل عنه داخلياً. وهكذا انغلقت على نفسها. وظهرت في ذلك الوقت كريات كالأغشية في المحيطات. وكانت هذه المرة الأولى التي يظهر فيها شيء ما منغلق على نفسه، له داخل وخارج كما كان يقول تلار دو شاردان. وفي هذه البنى تشكلت أوساط معزولة عن الوسط الخارجي وحبست في داخلها المواد الكيميائية التي شكلت خلائط خاصة بها وحدها. ففي بعض الأحيان يفجر الخليط الكيميائي الداخلي الغشاء فتتبدد الجزيئات في المحيط، وفي أحيان أخرى يساهم هذا الخليط على العكس في تدعيم غشائه ويؤمن بذلك استمرار المنظومة. ومع الإنتقاء الطبيعي بقيت القطرات التي كانت تملك وسطاً كيميائياً داخلياً متكيفاً مع البيئة. وكان للقطرات التي تستطيع إنتاج الطاقة أفضلية على القطرات الأخرى لأنها تسمح لها بالنمو. وكان بعضها يستخدم لنموه مواد من الخارج تمر عبر غشائه: إنها بواكير تفاعلات التخمر. أما بعضها الآخر الذي حفظ المواد الملونة أي الخضاب أو الجزيئات القادرة على أسر الضوء، فكان يحول الفوتونات الشمسية إلى إلكترونات. وبذلك فقد تفوقت على القطرات الأخرى لأنه مع افتقار المحيط الخارجي بالمواد كانت هذه القطرات مستقلة ذاتياً عنه. وكانت المرحلة الحاسمة التالية التي اجتازتها الحياة في بدايتها هي خيار البقاء عبر التكاثر. لقد تم البرهان حديثاً أن الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين RNA يملك خاصة عجيبة: فهو يستطيع التكاثر ذاتياً. فإذا انقسمت قطرة إلى قطرتين وكانت الثانية تملك نسخة من الحمض الرسول فسيمكنه بناء غشاء مطابق ومنظومة مطابقة. وتلكم منظومة التكاثر الذاتي في حالتها البدائية. ويمكن القول إن هذه القطرات التي استطاعت البقاء على حياتها كانت أولى أشكال الحياة هذه. فالعضوية الحية هي عموماً المنظومة القادرة على تأمين انحفاظها الخاص، وتدبير نفسها بنفسها والتكاثر. وقد استطاعت هذه القطرات الحية أن تحول الـ RNA إلى DNA الأكثر استقراراً. ومن خلال تراكيب سلاسل البروتينات والـ DNA وصلت الطبيعة إلى طور المورثات. وهكذا انتشرت قطرات الـ DNA هذه في الأرض بسرعة هائلة. وخلال سنوات قليلة انقسمت الخلايا وفق متتالية أسية ليصل عددها إلى كميات هائلة. ولم يكن ثمة شيء على الأرض حينها يستطيع مقاومتها أو تدميرها. أما اليوم فإن ظهور نمط جديد للحياة على الأرض بالطريقة نفسها سيقابل بالتدمير الفوري من قبل الكائنات الحية الحالية. لقد وصلت الطبيعة إلى هذه المرحلة دون قصد وعن طريق الاختبار والحذف والانتقاء عبر ملايين السن

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06904 seconds with 11 queries