الموضوع: حوارات
عرض مشاركة واحدة
قديم 07/01/2008   #219
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


ــ

حوار مع القاص السوري سعيد حورانية (1976)
برع أعداؤنا في إفساد المثقفين الأوروبيين
اجرى الحوار: عز الدين المناصرة


كانت بيني وبينه صداقة فكرية بدأت عام 1970 حين زرت دمشق لأول مرة قادماً من القاهرة حيث كنت أعيش. يومها لم أنسجم معه بسبب وثوقيته في طرح بعض آرائه، إضافة لبعض الإحباط الذي كان يبدو في لغته الحوارية. لكني تراجعت في لقائي الثاني عن موقفي منه حين كنا وحيدين فقد تدفق بصدق ينتقد الأوضاع العربية العامة آنذاك. وانتقدنا معاً (فساد المثقفين العرب)، فأدركت أن الرجل مجروح في داخله. أما في لقائي الصحافي معه عام 1976 فقد استقبلني شاعراً وصديقاً. وتناولت معه طعام الغداء في مطعم علي بابا، وكان يتملص من الحوار الصحافي مازحاً (أنا مشتاق للحديث معك بعيدا عن الحوار الصحافي). وكان بالفعل مقلاً في حوارياته الصحافية. كان من رواد القصة القصيرة في سوريا منذ أوائل الخمسينيات. وكان ينتمي للمدرسة الواقعية. وفي ما يلي نص الحوار الكامل كما نشرته مجلة فلسطين الثورة، في 1/1/1976:

* برز الأدب المقاوم أثناء معارك الشعوب في سبيل حريتها: فرنسا، الاتحاد السوفييتي مثلاً، كيف لعب هذا الأدب دوره أثناء المعارك؟ وهل تعتقدون أن لهذا الأدب صفة الشمول والديمومة؟ وهل يمكن تعداد نماذج من ذلك؟
ــ الأدب الحقيقي ثوري في طبيعته فهو كشف وتجاوز وتعرية، وهو نوع من عدم الرضا عن السكون والنمطية ومظاهر القسوة والبلادة والشر التي تشوه روح الإنسان. فهو ينطلق كالسهم الى الجوهر، وهو بهذا المعني كلمة احتجاج دائمة، وسلاح فعال لأهم درجات الثورة وهي الوعي.

ويتحد هذا الصوت الخاص في الأزمات الكبرى للشعوب، حيث تفقد الأشياء توازنها الظاهري الرزين، وتكتسب معني جديداً، وتتعري حتى العظام كل المفاهيم السكونية.. يتحد بالأنا الجماعية فيكتسب قوة عظيمة تعبر عن روح الشعب الذي لا يستكين روح الصمود والصلابة، ويصبح فائق التأثير مثله مثل المقاتل والسلاح في معركة الموت أو الحياة.

مَن منا لا يذكر قصص غايدار التي كانت تقرأ في الخنادق في الاستراحة بين معركة وأخري فتشد أعصاب المقاتلين؟

ومَن منا لا يذكر الجنود المندفعين الى الموت وهم ينشدون قصيدة سيمونوف الشهيرة: انتظريني فسأعود ؟ ومَن منا لا يذكر قصائد ايلوار واراغون و(الشعراء المجهولين) وأثرها في تشديد المقاومة الفرنسية الباسلة في وجه النازيين؟

إن الأمثلة علي ذلك كثيرة في تاريخ أي شعب يكافح في سبيل حريته، وهي أمثلة تتعدي محليتها الى أفق الإنسانية الواسع لتصبح نشيداً للإنسان المقاتل في كل زمان ومكان، فمعارك الحرية تهم الإنسانية كلها، والأدب الذي يعبر عنها بصدق هو أدب الإنسانية كلها.

* أثناء المعارك ينبثق فن يتسم بطابع النضال، هل تعتقدون أن هذا الفن يحقق المعادلة بين التأثير الجماهيري والنضج الفني؟

ــ ولماذا نضع دوماً هذا مقابل ذاك حتى كأنهما متناقضان؟ هناك أدب رديء يمكن أن يؤثر كالطرب لحظة سماعه ثم ينطفئ كفقاعة، وهناك الأدب الصادق الحقيقي الذي ينبت الأجنحة ويهز الروح ويعمق الوعي، ويفجر الينابيع المحبوسة في أعماق النفس، وهو الذي بقي، وبالتالي فهو الأكثر جماهيرية.. أما إذا قصدت الأثر الجماهيري الآني فهو أدب استهلاكي قد يفيد أحيانا ولكنه ضار في أكثر الأحيان لأنه لا يستهدف إقلاق الروح، وزلزلة المفاهيم والدفع الى معاناة إنسانية أرفع، وإنما يستهوي إرضاء عواطف سطحية قد تدفع الى الانفعال وليس الى الفعل.
لا اعتقد ان هناك أكثر جماهيرية من سمفونية شوستاكوفيش حصار ليننغراد التي عزفت وسط هدير المدافع في المدينة البطلة، أو من لوحة بيكاسو الخالدة غرينكا أو أشعار ماياكوفسكي وبابلونيرودا وايلوار واراغون وكلها لحنت أو رسمت أو قيلت في لهب المعارك أو مستهدفة تحريضا ثورياً أو موقفاً سياسياً واضحاً، فهل أثرت جماهيريتها في قيمتها الفنية الرفيعة؟ لا أظن ان السؤال يحتاج الى جواب.


* ما هو الأثر الذي أحدثته الثورة الفلسطينية في إنتاج الكتاب العرب وما هي ايجابيات تجربتهم وسلبياتها ؟ وما هي الوسيلة التي تكون أكثر فاعلية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني؟

ــ لا أظن أنني مؤهل للرد علي مثل هذا السؤال الشامل فتلك مهمة النقاد المتابعين، ولكن لابد من بعض الملاحظات: لقد كان لانبثاق الثورة الفلسطينية ثم لحربي حزيران (يونيو) وتشرين الاول (أكتوبر) أثر فعال في (تسييس) الأدب ودفعه الى ان يقترب أكثر من معاناة الجماهير وتطلعاتها.. وهذا بالطبع شيء ايجابي، ولكن الروح البرجوازية الصغيرة بأفقها المحدود وذبذبتها الفكرية المتأصلة أفقدت هذا الاتجاه الصحيح كثيراً من فاعليته، فبدلاً من ان تعمق وعي الإنسان العربي، زادت من نشر الضباب الفكري، والحس الرومانتيكي المريض، والأحكام المتعسفة لعدم انطلاقها من أرضية فكرية صلبة، ثم ان قضية فلسطين أخذت في أكثر نتاج أدبائنا كقضية عاطفية مجردة عائمة في الفراغ من دون التعمق في النواحي الاجتماعية الاخري المتصلة بها والمتفرعة عنها مما نتج عنه حركة تزوير كبري تتقزز لها النفس.

*ما أقل الجيد الذي كتب عن فلسطين إذا أخذنا في الاعتبار هذا السيل العارم الهائل من النتاج شعراً ونثراً، وليس في قصصنا عن فلسطين ما يفوق قصة يائيل دايان (رماد) إلا كتاب محمود درويش النثري الرائع (يوميات الحزن العادي) وقد تقترب من اصالتها رواية لغسان الكنفاني وقصة لأديب نحوي فعلي ماذا يدل ذلك؟

غلبة العاطفة، وهزال المعاناة ورفض المنطق العلمي، وروح البداوة ذات الحساسية المريضة.
إن الوسيلة الحقيقية ذات الفاعلية في العلاقة الجدلية بين الثورة والأثر الفني هي الالتحام الفعلي لا الصوري بقوي الثورة النشطة المقاتلة التي تعرف عن فلسطين أنها أكثر من البرتقال والشذي والعطر والبحر الأزرق والجبال المزهرة... تعرف عنها أنها ارض الموت وأرض البعث معاً.


* كيف يمكننا خلق جبهة ثقافية عريضة مشاركة للثورة الفلسطينية، ما هو مفهوم المشاركة؟

ــ ليست قضية فلسطين تخص الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية عربية تخص كل فرد عربي، ولذلك يبدو لي السؤال عن خلق جبهة ثقافية عريضة للمشاركة غير مفهوم! فما معني المشاركة؟ أهو تجمع آخر (ونحن أكثر أهل الأرض غراما بالتجمعات؟) أم مشاركة بالأجهزة الثقافية الفلسطينية ودعم لها علي غرار مركز الأبحاث؟ وهو اتجاه ادعمه بكل تأكيد، فيجب ان تنفتح الأجهزة الثقافية الفلسطينية علي المثقفين العرب الذين يبدون حماساً حقيقياً لنصرة القضية، ولا أعني بهذا ذوبان الشخصية الفلسطينية في هذه الأجهزة، بل اعني اغناءها بمزيد من القدرات والمواهب والأفكار الجديدة.
الجبهة الثقافية العريضة للمشاركة في الثورة يجب ان تأخذ اتجاها أكثر سعة وله صفة الشمول.. يجب خلق جبهة عالمية في كل بقاع الأرض من المثقفين ذوي التأثير.. لقد برع أعداؤنا في إفساد المثقفين الأوروبيين مثلاً وتضليل معظمهم، ومن هنا يجب ان نتحرك، والظروف العالمية الآن أكثر مواتاة لشراعنا الهامد لأن يبحر في المد، ولننزع من أفكارنا ان الأوروبي بطبيعته معاد لنا.

* الأدب الفلسطيني: السمات العامة: الايجابيات والسلبيات ومكانه في الأدب العربي المعاصر.

ــ هذا سؤال تتطلب الإجابة عنه كتابا بكامله، ومرة اخرى أحس أنني غير مؤهل للرد ولكني سأورد بعض الملاحظات: هناك أدب فلسطيني ما في ذلك شك، وهو إن كان يصب في بحر الأدب العربي العام فان لهذا الجدول خصائصه المتميزة. وهو رغم صغر سنه قد ترك انطباعاً عميقاً علي مجمل الأدب العربي المعاصر، وهو ليس تراكماً كمياً وإنما هو قفزة نوعية، والشعب مليء بالمواهب، لقد اقتحم دنيا الشعر والقصة وأثبت في فترة قصيرة ان مزماره انقي المزامير في الأدب العربي المعاصر.. ان الآلام والنكبات الهائلة التي عاناها هذا الشعب العظيم قد فجرت في نفسه أعظم الطاقات، ولكنها طاقات يجب ان تعرف مسربها، إنها تتقدم ببطء ولكنها تتقدم أسرع من غيرها.. وان قدرتها علي التوقف أحيانا وإعادة النظر والفحص تبعث في النفس أقوي الآمال... لقد أخذت الموجة العاطفية الغنائية بالانحسار رغم أن آثارها لا تزال ملموسة في كثير من الشعر والنثر الذي يكتب الآن، واقتربت مرحلة تعميق الحس الدرامي والبعد عن الخطابة والشعارات، والعاطفية المريضة، والتمسح بالكلمات الكبيرة لإخفاء ضحالة المعاناة.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06667 seconds with 11 queries