الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 23/07/2007   #357
صبيّة و ست الصبايا elinde
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ elinde
elinde is offline
 
نورنا ب:
Jul 2007
مشاركات:
526

افتراضي


وهذه اول قصة قصيرة نشرها غيورغي فاسيلييف
في موقع "كيكا" من لندن



الرحمة التي لاترحم
قصة قصيرة
غيورغي فاسيلييف

ماهر قنوات شاب من سوريا سافر للدراسة الى احدى البلدان الأوربية. تخصص في مجال برمجة الكمبيوتر. انهى تعليمه في ذلك البلد، وبقي هناك يعمل في احدى الشركات الخاصة التي يملكها تاجر عربي كبير من بلد (ن)...
ماهر متزوج، وعنده بنتان. زوجته اسمها ريحانة قنوات وهي ابنة عم وابنة خالة ماهر. هي انهت كلية الآداب، قسم اللغة الانكليزية، وتعمل مترجمة وسكرتيرة في ممثلية احدى الشركات الحكومية لدولة ناطقة بالعربية (هـ)...
البنت الكبرى اسمها سارة وعمرها سبع سنوات، والبنت الصغرى اسمها اسمهان وعمرها اربع سنوات. سارة كانت تقريبا دائما مريضة حتى احتار الأطباء من نوع مرضها، وكل محاولات التشخيص باءت بالفشل، وكذلك كل الأدوية ايضا لم تعط ثمارها، لا بل اثرت سلبا على تلك الثمرة الزهرة، وبدأت تضمحل من يوم ليوم، وهذا بدوره أدى الى اضمحلال الشجرة الأم – الوالدين، الى ذلك الحد، ان الشجرة تحولت الى مجرد غصنين تجمعهما ساق واحدة وعرق واحد – سارة.
قام الوالدان بإرسال اسمهان الى الأهل في سورية، ليتسنى لهما الإعتناء بسارة، وبمصاحبتها الى عيادات الأطباء والمستشفيات.
استوقفت التحاليل أحد الأطباء، وجعلته لايصدق عينيه، وبدأ بفحصها من جديد، وفي النهاية تبين أن سارة المسكينة الوردة الشامية التي عمرها فقط سبع سنوات مصابة بمرض السرطان وفي بيت الرحم.
وتطلب الأمر تدخلا جراحيا عاجلا، وتطلب ايضا اموالا سريعة. ذهب ماهر الى صاحب الشركة الخاصة التي يعمل فيها - خصوصا وان صاحب الشركة كان يصلي ويصوم، حتى انه كان في العام الماضي في الحج، وكان يتكلم عن الرحمة، والحب، والالفة، واغاثة الملهوف، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ذهب الى عنده وشرح له الوضع جملة وتفصيلا، وطلب منه اقراضه كمية معينة ما من المال، فكان جواب التاجر انه الآن في ضائقة مالية، وانه يستطيع اعطاءه بضع مئات من مصروفه الشخصي وحتى نهاية الشهر. قال ماهر لصاحب الشركة ان العملية تحتاج لعشرات الألاف من الدولارات، وصاحب الشركة يعرض عليه بضع مئات!
لم يصدق ماهر ولا زوجته ايضا لم تصدق أن "الدين المعاملة" العبارة المفضلة لهذا التاجر وامثاله الكثيرين هي مثل الثياب تُلبَس وتُشْلَح، كما طقم السموكين. وقص ماهر من قهره وغضبه على زوجته ان هذا التاجر يجوب النوادي الليلية من المساء وحتى الصباح بحثا عن فتيات لا تزيد اعمارهن عن اربع عشرة سنة، وتلك الأعمر من ذلك برأيه هي عانس، وعن أن هذا التاجر يدفع في الليلة الواحدة لا أقل من عدة الاف من الدولارات، وأن هذا التاجر يذهب بقلب خاشع لله الى الجامع يوميا للصلاة، ويحضر ايضا صلاة يوم الجمعة هناك. ماهر نفسه لم يكن يعرف كل هذا بل قصته عليه زميلة له، من تلك الدولة الأوربية، اسمها آسترد، وتعمل في نفس الشركة. وحدث ان رأته خارجا من عند صاحب الشركة "بَلا وِش"، وسألته وألحت في السؤال، فحكى لها القصة كلها. بكت زميلته وقالت لو عرفت لما سمحت لك بمقابلة عدو الله هذا، المنافق الدجال الذي يحج ويصوم ويصلي ويضاجع حتى الذبابة إن لم تكن البعوضة موجودة، وحكت له عن ملاحقة فحل الماعز هذا لها، وعن هداياه التي رفضتها كلها. وقالت كل هذا ليس مهما، المهم الآن هو اجراء عملية لابنته، وقامت وتلفنت لإمها الطبية، وطلبت منها مساعدة سارة. وطلبت من ماهر ان يذهب الى عند امها مع سارة هذا اليوم في الساعة الرابعة بعد الظهر.
ماهر لم يذهب في ذلك اليوم الى عند الطبيبة ام زميلته، بل تلفن لزوجته التي عادت الى البيت، وقص عليها ما صار معه. وفي المساء اتصلت به زميلته، وعاتبته على عدم ذهابه الى امها التي انتظرته ساعة بكاملها، وانها لم تكن وحيدة بانتظاره، بل كان معها ايضا احدى صديقاتها. وطلبت آسترد زميلة ماهر منه ان يذهب غدا في الساعة الثانية عشرة الى مكتب امها برفقة سارة.
وفي اليوم التالي ذهب ماهر مع سارة الى عند ام آسترد الطبيبة، وما ان دخلا حتى رحبت الطبية وصديقتها بهما وعاتبتاه على عدم مجيئه امس. اعتذر ماهر وقال انه مَدْوُوش ولا يعرف كيف يتصرف. وطلبتا منه السكوت وعدم الكلام لانهما تفهمان الوضع جيدا. وبدأتا يتحدثان مع سارة الجميلة، والتي زادها المرض رقة وحكمة وعمقا، اضافة الى انها تملك روح طفل صافية. عاينتها الطبية قليلا، وبعد ذلك تلفنت الطبيبة وبعدها صديقتها لشخص ما، وسرعان ما جاءت امرأة اخرى وثالثة معها رجل في متوسط العمر. وتبين فيما بعد ان صديقة الطبيبة اخبرتهم بكل شيء البارحة في المساء. وهؤلاء كانوا من جمعية خيرية، وتم الاتفاق على ادخال سارة الى المشفى مباشرة ليتم اجراء التحاليل اللازمة واجراء العملية بأسرع ما يكون. لم يستطع ماهر السيطرة على نفسه، والتحكم بعواطفه، وتدحرجت بضع دمعات على خده، وهنا وكأنهم عائلة واحدة بكى الجميع، وحدها سارة لم تبك، لأن الألم اشتد عليها، فهم ابوها ان سارة تتألم، وطلب جرعة ماء لاعطاء الدواء لسارة، وذهب الجميع الى المشفى. ومن المشفى تلفن ماهر لزوجته، وطلب منها المجيء فورا، وجاءت الأم الى المشفى بعد مماحكة صغيرة مع رئيس عملها.
وفعلا اجريت التحاليل بسرعة حتى ان بعض الأطباء لم يذهبوا الى بيوتهم، وفي اليوم التالي اجريت لسارة عملية جراحية ناجحة، وتم تحديد جلسات علاجية خاصة لها. وصادف ان كان مشفى الأطفال هذا موجودا بالقرب من كنيسة صغيرة، وجامع كبير حيث يصلي التاجر صاحب الشركة التي عمل فيها ماهر. العرب الحكام يبنون بيوتا للعبادة في اوربا وامريكا ضخمة جدا، لايسكنها احد، وفي نفس الوقت، هناك الآف وحتى عشرات الآلاف من سكان تلك الدول التي يحكم فيها هؤلاء البناة الحكام لا يجدون ما يأكلون، عدا عن ذلك، لايجدون الا العراء بيوتا لهم!
وخلال تلك الفترة التي قضتها سارة في المشفى كانت الراهبات من الكنيسة المجاورة يزرن الأطفال، ويقدمن لهم الهدايا واللعب، والقصص، والورق واقلام التلوين، ويتحدثن معهم. وهذه الأشياء كان يأتي بها اما المصلون العاديون القادمون مشيا على الأقدام الى الكنيسة، واما الراهبات اللواتي كن يشترينها من اموالهن الخاصة. ولكن لم يقم احد من الجامع ولامرة واحدة بزيارة للمشفى، عدا عن ذلك، كان الآذان يوقظ الأطفال ويخيفهم، كصفارة الانذار، معلنة بدأ غارة جوية، او ارضية ما. وكان القادمون للصلاة الى الجامع يأتون في سيارات
من أحدث الموديلات الموجودة في العالم. حتى بدا لأحداصدقاء ماهر ان شيخ الجامع الذي تكرش وتورم حتى اضحى بلا رقبة، وبدا بجثة جسده اكبر من تلك الكنيسة الصغيرة.
وتلك الجمعية الخيرية التي انقذت سارة، الطفلة المسلمة السورية، كانت جمعية خيرية يهودية. هذه الجمعية تعمل بصمت، وبدون حاجة الى مكبرات الصوت، وهي تجسد الرحمة الحقيقية التي ترحم. طبعا ماهر ترك العمل في تلك الشركة، وبدأ يعتني بسارة وحتى كان يبقى معها احيانا في المستشفى، لأن الجميع تعاطفوا معه، ومع سارة، ونادرا ما يقوم الرجال حتى في الغرب بمثل هذه الأعمال. وأما زوجته فبقيت تعمل في تلك الممثلية، لأن الأسرة تحتاج الى شيء تقتات به. والشيء المذهل ان رئيس تلك الممثلية كان على علم بكل ما يجري مع ابنة الموظفة التي تعمل عنده - ريحانه، ولأن هذه الموظفة كانت يوميا بالاتفاق مع زملائها وزميلاتها الذين تعاطفوا معها ايضا، كانت تغادر عملها قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، هذا الرئيس خصم من راتبها كل تلك الأنصاف من الساعة التي كانت تذهب فيها الى المشفى، الى عند سارة. ورئيسها ايضا يتحدث عن "الدين المعاملة"، وعن "الدين الرحمة" وعن تلك "الرحمة التي لاترحم" حسب تعبير ماهر.

2005
 
 
Page generated in 0.04861 seconds with 11 queries