غوركى
كنت فى مصنع
سماؤه خفيضة , داكنة
حيث يجثم الوجود بثقله
على رجليه الفولاذيتين,
حيث العمل الأسود
يشق الجباه .
وكم كان صعبا
بعثُ حياة هذا الشعب ,
نزع الطبقة الهائلة من الأكاذيب
التى تنيخ على هذه الحياة .
كنت فى مصنع
خفيض السماء , داخن
حيث يثقل الوجود
والأيام _ مثل اللوالب الصدئة _
تضغط القلوب .
ولكنى أتذكر أيام كنا نقرأ
" الاعماق الدنيا "
أو " الأم "
كانت الشمس تخترق
قبة هذا المصنع الداكنة
وكانت العيون تلمع
وكان الرجال , مختبئين فى اكواخهم الحقيرة ,
يصقلون فكرتهم الصدئة
وكانوا سعداء ,
وكانوا سعداء ...
واليوم جاءنى الوقاد وقال لى :
" فابتزاروف , ان صمّامة البخار مسدودة "
نظرت اليه مغضبا ,
ولكنه مضى فى السلّم , مُهانا بوحشية ,
ودخل , بعده الحداد , مثل عصفة ريح
وسأل بلهجة مغيظة :
" أصحيح , أيها الأخ الصغير ,
أصحيح , قال لى ,
أن هذا العجوز قد مات ؟"
فأحسست برعشة , وقلت بحقد ,
بحقد لا جدوى منه ,
قلت له : " سأعلمك , ايها الكلب ,
كيف تكون أكثر افصاحا
وانت , تتلاعب بالكلمات ,
فمن الذى مات ؟ قل ! "
فهمتُ , وخرجت .
وكنت أختنق فى غرفة الالات
وكانت غرفة الالات صمّاء عن احاسيسى
وسمعت الحداد يروى بصوت خفيض لبعضهم :
_ هو , يا أخى , يعرفنا جيدا , أنا وأنت
وجميع الناس.
إنه يضع كتابا فى يدك , ويقول " لا تتحرك ! "
ومن ثم , تقرأ وتغمز بعينيك ,
وتتعرف نفسك .
فلنفرض انه حصل ان اصبح لك ولد.
يقرأ الولد.
انه يعرف اذا ان يقرأ الغلام !
ولكن ليس لديك مال .
فقد يحصل لك ان لا يكون لديك مال .
انه يقول : " يجب ان يتعلم الولد , هنا , حيث يميل قلبه"
لنفرض انك تدخل الى بيتك عابسا
( روحك ملأى بالمرارة ) .
الألم يمزق قلبك . تضرب زوجتك بضراوة ,
ولكن الآخر ينظر اليك , مقطب الحاجبين ,
يسمّر فيك بصره , ويسأل:
( المال لا يكفى لأجل الخبز , أليس كذلك ؟"
ويستمع الآخر , بكل بساطة , مسرورا ,
فقد توضح له كل شئ
حتى ليقال ان الحياة امامه قد فتحت أبوابها
وفى صدره كانت تذوب
كرة من الثلج ...
وغمغم ,
كانت غمغمته تكاد تبين :
( هذا , هو رجل ! )
شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
|