عرض مشاركة واحدة
قديم 11/01/2008   #47
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


التحليل الإبداعي
للنص الأدبي

نموذج تطبيقي: رواية قلب الليل
الدكتور مصري حنورة

التحليل الإبداعي للنصوص الأدبية هو منحي أو اتجاه حديث في دراسة الظاهرة الإبداعية من خلال استثمار نتائج دراسات السلوك الإبداعي في تحليل المنتجات الإبداعية باعتبار أن المنتج الإبداعي هو عينة صادقة وممثلة للكفاءة الإبداعية للأديب، خاصة إذا كان الأديب ذا قامة كقامة نجيب محفوظ.

(حنورة 998:2002)

وعالم نجيب محفوظ عالم متسع الجوانب فسيح الأرجاء، كما أن شخصيته (وما يتعلق منها علي وجه الخصوص بسلوكه الإبداعي) علي درجة من الخصوبة والثراء بما يغري ببذل الجهد للاقتراب من أوجهها ذات التأثير المباشر علي مسار العملية الإبداعية لديه، وهذا الأمر هو الذي يجعل للحديث الذي يقترب من نجيب محوفظ مبدعًا مشروعيته ووجاهته، ولكن ربما من الملائم ـ قبل الاقتراب من نجيب محفوظ مبدعا ـ أن نحدد ماذا نقصد بالإبداع علي وجه التحديد في هذا السياق.

والإبداع ليس مجرد كلمة نطلقها علي شخص أو علي منتج لنصف بها هذا الشخص أو هذا المنتج، إن الإبداع أعقد من ذلك، وأكثر تركيبا، وأشد عمقاً، وهو ـ كما أشرنا إلي ذلك في أكثر من دراسة سابقة ـ له أبعاد متعددة، وخصائص متنوعة، كما أنه يمكن أن يكون رحلة يقطعها المبدع، سواء علي مدي عمره كله، أو وهو بإزاء الإعداد والإنجاز لعمل من الأعمال الفنية أو العلمية أو غير ذلك من أعمال (سويف، 1970، حنورة، 1979، 1990، 1998، 2000، 2002، 2003).

وسوف نلاحظ أن الأبعاد التي تدخل في التأثير علي فعل الإبداع، والتي سبق أن قمنا باستعراض خصائصها في مواضع أخري، هي أبعاد معرفية ووجدانية وتشكيلية جمالية واجتماعية وثقافية (فضلاً عن الخصائص الفسيولوجية للإنسان المبدع)، ولكن ما العلاقة بين هذه الأبعاد؟ وكيف تتفاعل فيما بينها لتنتج في النهاية هذا العمل الإبداعي أو ذاك؟ هذا ما يفسره لنا مفهوم الأساس النفسي الفعال.

الأساس النفسي الفعال لدي المبدع هو محور العملية الإبداعية:

في اعتقادنا أن محور العملية الإبداعية هو المبدع نفسه، وما يتفاعل داخله من خصائص ومقومات وإمكانات، صحيح أن هذا المبدع ولد في بيئة معينة، وورث عن ذويه خصائص بعينها، وتشرب من المجتمع قيمًا ومبادئ وعادات خاصة بهذا المجتمع الذي نشأ فيه، كما أن التدريبات التي يتلقاها هي كذلك ذات ملامح اجتماعية.. إلخ، إلا أن كل ذلك ينصهر في النهاية في بوتقة هذا المبدع ويخضع ـ إلي حد كبير ـ لإرادته وممارساته، ومن ثم فإن المبدع يصير مسئولاً مسئولية مباشرة عن كل ما يصدر عنه من إنتاج، خصوصا إذا ما كان لإنتاجه وجه إبداعي.

وليس ثمة مبالغة منا في هذا القول، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن هناك من يربط ربطا مباشرا بين الإبداع والحرية من ناحية، وبين فعل الإبداع والوعي الكامل لدي المبدع من ناحية أخري، وبإيجاز أقول: إن هناك إجماعا علي وجود علاقة وثيقة بين وعي المبدع وسلوكه الإبداعي: (Barron, 1958 عيسي 1979، حنورة 2003).

وإذا نظرنا إلي السلوك الإبداعي المتكامل، ذي الوحدة المتفاعلة غير المتجزئة، إذا نظرنا إليه نظرة ميكروسكوبية، فإننا سوف نميز فيه علي كل بعد من الأبعاد الأربعة الأساسية عدة وحدات صغري تشكل في مجموعها طبيعة هذا البعد أو ذاك.

والمحاور الأساسية في السلوك الإبداعي، بل في جميع أنواع السلوك، هي أبعاد توجد بوصفها إمكانات للفرد منذ بداية عمره، وتظل تتطور معه من طور إلي طور، ومن مرحلة إلي مرحلة، إلي أن يتقن نوعا ما من أنواع الأداء الإبداعي.. ومن نقطة هذا الإتقان يبدأ التركيز علي امتلاك مساحة من مملكة الإبداع، يسيطر عليها، ويسوس فيها رعيته، ويخاطب منها أولئك الذين يحاول استمالتهم ليكونوا ضيوفا أو رعايا أو حلفاء لهذه المملكة، وحين يحكم المبدع سيطرته علي مملكته، فإنه يكون قد مر برحلة من الكفاح والمعاناة والسقوط والارتفاع، ولكنه دائما ملك مهدد، لأن الرعايا دائما بحاجة إلي ملك جسور يرتاد بهم آفاقا جديدة، يأتيهم بالجديد والمثير، وإلا هجروه إلي ملك آخر، فيكون هذا الهجر سببا في السقوط الدرامي للمبدع الذي لا يوفق في المحافظة علي ولاء رعاياه.

نجيب محفوظ ومملكة الإبداع:

نجيب محفوظ كان جسورا، دائمًا يرتاد بنا مهجور الآفاق وأبرز مثال علي ذلك ما قادنا إليه في روايته «رحلات ابن فطومة»، وعلي الرغم من أن الآفاق التي يقودنا إليها نجيب محفوظ آفاق مهجورة، أو قل إنها آفاق جديدة، فإننا ـ لدهشتنا ـ نفاجأ حين نقتاد إليها، أنها ليست آفاقا غريبة، وأنها ليست إلا بيوتا عشنا فيها زمنا، بل يخيل إلينا أننا لم نبرحها قط، ونتعجب كيف أمكن لهذا الكاتب أن يعلم عنا ما لا نعلم، وكيف زار ربوعنا القديمة نفسها التي نسينا أننا عشنا فيها يوما. وهذا هو دافعنا إلي محاولة الاقتراب من هذه المملكة، في محاولة للكشف عن إحدي خصائص السلوك الإبداعي عند نجيب محفوظ، ألا وهي خاصية الأصالة: تلك الخاصية التي تمثل موقعًا بارزًا علي امتداد البعد المعرفي من وحدة الأساس النفسي الفعال الذي سبقت الإشارة إليه. فلنقترب معًا قليلاً من هذه الخاصية، بقدر ما تكشف عن نفسها في رواية «قلب الليل».

الأصالة وإعجاز الإيجاز في رواية قلب الليل:

لنتفق مبدئيا علي أن نجيب محفوظ مفكر قبل أن يكون فنانًا، ولكنه لا يكتب أساسًا بحثا عن قيم جمالية، أو استعراضا لأساليب بلاغية، وإن كان هذا يتم دون عمد منه، كذلك هو لا يهتم في المقام الأول بأن يقدم تطويرا لتكنيك فني، حيث إن كل ذلك خارج عن دائرة اهتمام هذا المبدع، فشاغله الأساسي هو قضايا مجتمعه وهموم الإنسان، أي أنه ـ وفقا لمنظورنا ـ يغلب عليه الجانب المعرفي ومن ثم فإن العائد الإبداعي غالبا ما يحمل مضمونا فلسفيا. وهو يحاول ـ من خلال أعماله الإبداعية ـ أن يطرح علينا قضية ويدعونا إلي أن نعيش معه رحلة البحث عن إجابة عن سؤال هذه القضية، أي أن الكاتب يعمل من خلال وسيط معرفي أقرب إلي تجريدات الرياضة وقضايا المنطق، لا تزيّد فيه ولا نقصان. وتكمن براعة الكاتب في أنه يصب هذا كله في إطار فني أخاذ، يحطم أسلحة مقاومتنا ويعبر فوق بعض القصور العقلي لدي بعضنا بحيث يغيرنا، فنجد أنفسنا وقد عشقنا العمل علي الرغم مما فيه من تفلسف وتعاطيناه علي الرغم مما لطعمه من مذاق غريب، وهنا تكمن براعة خاصية إعجاز الإيجاز التي هي جوهر خاصية الأصالة عند نجيب محفوظ.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05178 seconds with 11 queries