عرض مشاركة واحدة
قديم 07/04/2008   #3
شب و شيخ الشباب saman
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ saman
saman is offline
 
نورنا ب:
Aug 2006
المطرح:
اليأس !
مشاركات:
2,220

إرسال خطاب MSN إلى saman إرسال خطاب Yahoo إلى saman
افتراضي


خلق الكون من الماء


الحلقة الثالثة


اتساع الكون مع ثبات مكوناته:



نعود الي نص النظرية:
( {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 5 الرحمن { الباب الثانى عشر}
فإستواء الرحمن على العرش وثبات ناموس الكون هو المسؤول عن ثبات الظواهر الكونية من تعاقب الليل والنهار وحركة الرياح والمياه والقوانين النوعية التى تحكم الأحياء وكل تفاصيل الكون التى لا تتغير, مما يتيح الفرصة لعقل الإنسان لدراسة منظومة الكون واكتشاف قوانينها النوعية والتعامل معها بما فيه مصلحته!)

اعتراض:ولما كان مفهوم الاستواء علي العرش من اخطر المفاهيم التي فتنت المسلمين علي مر العصور, فاني انقل هنا تفسير الدكتور لهذا المفهوم منقولاً من الباب الثاني عشر:




الاستواء على العرش:


< فى سورة السجدة ارتبط الاستواء على العرش بظواهر كونية عظمى:

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ* يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ* ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} 4-9 السجدة !

نلاحظ ان الاستواء على العرش هنا قد:

1. تلى إكتمال الستة مراحل فى خلق السموات والارض, وقد قدم اليه بحرف العطف "ثـــــــم".
2. تبعه وصف لحجم الكون وسرعة الضوء, ومفهوم النسبية فى الزمان والمكان, ثم تفاصيل خلق وتتطور الانسان عبر مراحل التطور من الطين مرورا بالتناسل الجنسى منتهيا بالعقل!
{ سانقل هذه التفاصيل في الجزء الثانى وهو خلق وتطور الحياة من ماء}

من هذا يمكننا ان نفترض ان مفهوم "الاستواء" يرتبط بالقوانين الالهية التى تحكم الكون وبمقدور الانسان دراستها وفهمها والتعامل معها.

وفى سورة طه بعدٌ آخر للإستواء على العرش, يشرح لنا الحكمة من الاستواء علي العرش, وبالتالي تشرح هذا المفهوم الغامض:

{طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى* إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى* تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا* الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى* لَهُ مَا فى السَّمَاوَاتِ وَمَا فى الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى* وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى* اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 4-8 طه!

لا يخفي علينا أنَّ هذه الآيات قد فتنت الكثيرين على مرِّ العصور, وما زالت تسبب حرجاً كبيرا للعلماء والعامة, إذ انَّ إجتماع لفظ "استوي" مع لفظ "العرش" يزيد من التصوير التجسيمى الذى يناقض الصفات الإلهية. ولكنِ استعصى على المسلمين فهمها فى الحقب التى كان فهم ناموس الكون فيها مستحيلا, فظلت مصدر إشكالٍ كبيرٍ فى التأويل! وقد تعامل معها المفسورن بحذرٍ شديد لِما تسببه من فتنة اللانسان, ولعلّ ابلغ ما قيل فى أمرها هو قول الامام مالك رضي الله عنه: {الإستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة}! ونحن نحمد الله تعالى ان جعلنا نعيش فى زمان تكاثر فيه علم الانسان بقوانين الكون التى كانت غيبا على هؤلاء الائمة! وهذا يشمل عِلَمنا بكروية الارض ودورانها حول نفسها وحول الشمس وتوسط الشمس للمجرة الحلزونية وحركة الكواكب والنجوم والمجرات فى الفضاء وقدرة الانسان على التعامل مع قوانين الطبيعة والطيران عكس الجاذبية الارضية فوق السحاب بسرعة اسرع من الصوت.... كل هذه الحقائق الكونية اصبحت من المسلَّمات عندنا ولكنها كانت غيبا على اؤلئك المفسرين الأفذاذ! ونظن انه ليس من حقنا ان نعيد تفسيرها بما آتانا الله من علمٍ فحسب, بل هو واجب شرعى تقتضيه أمانة العلم الذى علمّنا الله إياه بالقلم وما كان متاحاً لغيرنا!

طه: اختلف المفسرون اختلافات كثيرة فى مدلول هذه الحروف ولسنا بصدد نقل آرائهم, ولكن لدينا من العلمِ بكيفية عمل ادوات السمع التى تلتقط الاصوات, والألباب التى تصنفها وتعقلها, ما يجعلنا نظن ان هذه الحروف لها مدلول صوتي يؤثر على مراكز محددة فى المخ, فيقود الى استشعارٍ وهيئة نفسية تجعله اكثر تقبلاً لما يتبعها من كلام مفهوم! وفي هذه الحقيقة العلمية يشترك المسلم والكافر, وما قول الله تعالى إنَّ أنكر الاصوات لصوت الحميرِ الا تأكيدا على ان غير المفهوم من الأصوات فيه الحسن الذى يريح النفس مثل شقشقة العصافير وهديل الحمام وغيرها, وفيه المرعب كنباح الكلاب وزئير الاسود وفيه المنكر الذى يؤدي للاشمئزاز كصوت الحمير! إذا تدبرنا موضوع الآيات لشعرنا ان "طه" فيها مفتاح موسيقي لمراكز الشعور بالرأفة والرحمة والرقة التى تنسجم مع ما سيأتي بعدها من قولٍ رقيق ليس على قلب النبي فحسب, وإنما كان فيه مفتاح لقلبٍ من أقسي قلوب العرب على النبي وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه!

وتمضي الآيات وكأنها تُرِّبتُ على كتف النبي بكل رأفة وحنان كان احوج ما يكون اليهما:

{ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى* إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى* تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا }!

ولعلّ فى وصف نفسه بأنه مَنْ خَلَقَ الارضَ والسماواتِ العُلي تمهيدا للتصريح بحقيقة كونية ارتبطت بظروف الآية التى كانت تُهوِّن على النبي وتزيد من عزيمته وصبره على ما كان يعانيه وهو ينتظر رحمة الله وتيسيره, الذى إن شاء لجعل كل الناس مؤمنين من غير معاناة, ولكن ارادته اقتضت ان يُبْتَلَي المؤمنون ويُزلزلوا زِلزالا شديدا قبل ان يأتيهم نصر الله! ونلاحظ ان خلق الارض جاء قبل خلق السموات هنا رغم ان القرآن فى كل آياته التى وصف فيها خلق السموات والارض قدم السموات الا فى هذه الآية وآية اخرى ارتبط صياغ الوصف فيها تقديم الارض لاختصاص الامر كما هو الحال هنا بالارض! هذا التمهيد يؤكده ان الآية التالية تصف علاقة العرش بأحداث فى الارض و تُصرح بأنه رغم ان الله مالك كل شيء, إلا أن رحمته لا تأتي عفوا او عشوائيا لأن قانون الكون اقتضي استوائه على العرش:

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}

كلمة اسْتَوَى أصلها من سوي, وتعني استقامة واعتدال بين شيئين! سَوَّي تعنى عدَّل ونفَّذ الشئ باستقامة وحكمة, واستوي على قياس "افتعل" من ذات المعنى وتدل على تأكيد وإحكامٍٍ فى التسوية!
وقد رأينا ان لفظ "عرش" حينما يرتبط بالذات الإلهية لا يعنى مجلس الملك, إنَّما قمة السلطة والقدرات المنتظمة المتناسقة فى الخلق والتحكم فيه وتسيير الامور وفق نظام محكم لا يتبدل, وهو ناموس الكون الذى يصعب على الإنسان فهمه مهما اوتي من علم! ورأينا فى تفسير آيات سورة الملك انّ لفظ العرش يَرِدُ بالتحديد حينما تكون السلطة الإلهية مرتبطة بنظام الخلق والمقاليد وليس الارادة الالهية المطلقة! فـ "كان عرشه على الماء" تعنى انه فرض على الماء أعلى قدر من القوانين النوعية التى جعلته يتغير الى أشكالٍ مختلفة, ويدخل فى خلق كل الكون بصورٍ متباينة وبنسبٍ ثابتة { انظر الحلقة الثانية اعلاه}!


ولفظ "على" يفيد ان الله له إرادة مطلقة و حرة فى التعامل مع الوجود من غير قانون او نظام, ولكنه جعل تلك الارادة الحرة تعلو على القانون الذى قدره "العرش" وجعل من شأنه تسيير نظام الكون, وانه قادرٌ على تعطيل القانون الذى صنعه وتغييره او الغائه او ازالة كل الوجود بأرادته التى تعلو عليه! فهو الذى خلق النار الحارقة ولكن حينما شاء, أمرها ان تكون بردا وسلاما على ابراهيم, فكانت, انصياعا لامره المطلق الذى يعلو على قوانين النار النوعية!

ثم رأينا فى آية الكرسي, ان الكون جسم واحد متداخل ومتصل من اقصاه الى اقصاه, وكل موجودٍ فيه اودعه الله قوانين تحكمه وتتحكم فيه وتتداخل مع ما حوله من الموجودات الملتصقة به وِفقَ نظامٍ ثابت منتظم لا تخبُّطَ فيه ولا عشوائية, ويتحكم الله فيه بصورة مطلقة!

تفسير لفظ "العرش" هنا بمعني السلطة العليا فى قوانين وناموس الكون يحل الإشكال فى فهم كيفية الاستواء عليه! فالعرش بهذا المعنى ليس مجلساً وإنما نظام دقيق محكم! وبمجرد إبعاد صفة المجلس من لفظ العرش, يصبح السؤال عن كيفية الاستواء مشروعا جدا لاننا هنا نبحث فى نظامٍ تسيرُ عليه الامور وليس تجسيدا لهيئه الذات الإلهية! فالاستواء عليه فى هذه الآية لا يمكن فهمه الا من مدخلٍ يشمل كل ما نعرف عن نظام الكون من قوانين فلك وطاقات كهربائية ومغناطيسية تحدد مسار المجرات والكواكب والنجوم, وقوانين نوعية تحدد خواص وتفاعلات المواد الكيميائية والفيزيائية والهواء والغازات التى تملأ الكون وقوانين الطبيعة التى تتحكم فى الاحياء وكل صغيرة وكبيرة تخضع لناموس الكون المحكم! بمعني آخر فإن ارادة الله المطلقة تعلو على ناموس الكون الذى خلقه, ولكن ذلك العلو تم بإستواءٍ وتوازن وليس علو تسلط فوضوى!

بمعني آخر فان استواء الله على ناموس الكون الذى صممه تشير الى ان الحكمة الإلهية اقتضت ان يحترم الله ذلك النظام الذى صنعه ويتحكم فيه! فهو الذى خلق نظام الخلق والسلطة العليا التى تدير الكون, وهو الذى جعل كل شئ موزون و متزن ومتناسق مع النظام الكوني, وهو اول من يحترم تلك القوانين التى صنع, رغم انه لو شاء لغير كل الكون وجعله يسير وفق ارادته المطلقة من غير نظام, لان ارادته تعلو على النظام نفسه, ولا يستطيع احد ان يعترض او يتمرد عليه! هذا المفهوم, مفهوم الاستواء على العرش او التعامل باستقامة سوية مع ناموس الكون, يرتبط ارتباطا وثيقا بموضوع الآيات وهي التخفيف عن النبى الذى كان يعانى ما يعانى, ويعلم علم اليقين ان الله قادرٌ على ان ينصره فى اقل من طرفة عين! هنا يقول الله تعالى له انه قادرٌ, ولكن حكمته اقتضت ان كل شئ يقع وفق نظامٍ وأسباب وليس أهواء وعواطف, وما عليه الا الصبر حتى تكتمل اسباب النصر فيتحول الصبر انتصاراً والشقاء نعيما! وهذا المعنى يفسِّر لنا ايضا لماذا تقع الكوارث ولا يتدخل الله بقدرته لايقافها, اذ انَّ كل شئ يقع نتيجة لتداخل قوانين الطبيعة التى خلقها وسمح لها ان تتداخل وفق النظام الذى صممه!

ويفسر لنا لماذا لم ينتقم الله من ابليس ويقتله من اول يوم, وما ذلك الا لأنه تعالى اذا اعطى الحرية لاحد من خلقه فانه يتعامل مع تلك الحرية بحكمة ثابتة لا تخضع للعواطف والانفعالات وتغيُّر الرأى التى يتعامل بها البشر! ومن رحمة الله على المخلوقات التى لا تعلم الغيب, أن الله استوى على ناموس الكون ومن ثمَّ فيمكننا ان نضع مخططاً يقوم على أى حقيقة كونية ثابتة من غير خوف ان هذه الحقيقة ربما تتغير بعد سنوات! فنحن نخطط بناء المدن ونقيم المشاريع الزراعية وفقا لحسابنا لحركة الشمس وشروقها من المشرق وغروبها فى المغرب, رغم ان الله لو شاء لجعل هذه الظواهر الكونية عشوائية لا يمكن حسابها والتعامل معها, ولكن رحمته اقتضت الاستواء عليها أى التحكم فيها من غير خرقٍ للنظام الذى صممه! الماء ينساب من أعلى الى اسفل والليل يعقب النهار, ليس لأننا نعلم الغيب ولكن لاننا نعلم ان الخالق لهذا الناموس والمتحكم فيه قد استوى عليه ولا يغيره بصورة عشوائية! اذاً فهو الذى صنع النظام وهو الذى يحافظ عليه ويتحكم فيه بصورة سوية مستقيمة يمكن للانسان ان يدرسها ويفهمها ويتعامل معها بما فيه مصلحته بحرية مطلقة! وهذا المعنى يدل على رحمة الله التى لا حدود لها على الخلق و على كل الكون, إذ أن كل شئ انسان كان او حيوان يمكن ان يفهم ماذا سيحدث غدا, طالما كان يعلم النظام او العرش الذى كرس الله به السموات والارض! فالنمل والنحل تخطط لحياتها وفقا لتغيرات المناخ وتدخر اقواتا للخريف وما ذلك الا لعلمها ان الرحمن على العرش استوى! وما الكَمُّ الهائلِ من الاكتشافات العلمية فى هذا العصر سواء على يد المسلم او الكافر الا ضربٌ من ضروب استوائه على ناموس الكون او العرش! فالفرصة متاحة للجميع فى التدبر والبحث, ومن جدَّ وجد ومن بحث اكتشف, ومن القى بنفسه الى التهلكة سيهلك مهما كان ايمانه بالله, ومن قاد سيارة من غير فرامل سيصطدم ومن لمس سلك كهرباء مكشوف سيصعق ومن سلك سبيل السلامة فى التعامل مع الظواهر الكونية فى هذه الدنيا سيسلم حتى وان انكر وجود الله وهكذا! فالله خلق النظام واستوى عليه ولا يعدله ارضاءً لاحدٍ ولا حتى لاستعجال النصر لنبيه الذى احبًَّ!

ومن هذه الآية نفهم لماذا خَلَت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم من المعجزات التى تعجل بالنصر, رغم ان الله كان قادرا على ان ينصر دينه من اول يوم, وما ذلك الا لان الله اراد لنا ان نعلم ان النجاح الباهر الذى حققه النبي واصحابه لم يكن فيه خرق لناموس الكون, وإنما جرى وفقَ نظامٍ قائمٍ وباقٍ الى يوم القيامة, ومن مشى على الخطي الحبيب محمد سيصل الى ما وصل اليه بلا شك من غير معجزات, لانَّ ما تمَّ فى حياة النبي تمَّ وفقا لناموس الكون الذى استوي عليه الرحمن وليس خرقا له! هذه الآية تحتاج لمجلَّداتٍ لشرح تفاصيل منظومة الكون, وكيف ان كل تلك القوانين ثابتة ومنطقية ومفهومة لمن يبحث فيها ومن ثمّ يطوعها لمصلحة الانسانية من غير علمٍٍ للغيب, ولكن إيماناً بأنَّ الذى صمم هذه القوانين لا يخضع للتقلبات كما تتقلب امزجة البشر وتتعدل قوانين حياتهم حسب الأهواء! ولمَّا كان استوائه على العرش وتَحَكُّمه السوى بناموس الكون رحمةً بكلِّ الموجودات, كان منطقيا جدا اذاً ان يختار من كل اسمائه الحسنى اسم الرحـمـن للاستواء على العرش!

نلاحظ ان ارتباط اسم الرحمن من دون اسمائه الحسنى قد ارتبط بالاستواء على العرش تاكيدا على تأويلنا:


{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} 59 الفرقان.


اما بقية الآيات التي ورد فيها مفهوم "الاستواء" فقد ارتبطت باسم الله المطلق او "الملك" مما يؤكد ان المفهوم يرتبط بحكمة مالك الملك فى حفظ توازن الظواهر الكونية والقوانين التى تحكمها, رحمة بالخلق.

هذا التفسير الذى لا حرج فيه ولا بدعة فى فهم كيفيته, ينطبق على كلِّ آيات العرش فى القرآن بعد إزالة اللبس التجسيمي منها, وفهمه كمنظومة يتحكم بها الله فى الكون وليس كرسى الملك:

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الذى خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 54 الاعراف!

فعلي غير المتداول بين المفسرين انَّ الله خلق العرش اولاً وكأنه كرسى الملك ثم خلق الكون, هذه الآية توحى بأن الارادة المطلقة اوجدت السموات والارض فى ستة مراحل مختلفة, وبوجودها وجد نظام حركتها وهو العرش وآلة التحكم, ثــــــم اقتضت الحكمة الإلهية ان تكون الإاردة الحرة متوازنة ومتزنة فى استواء مع ناموس الكون ونظام التحكم الذى اودعه فى السموات والارض, فهى مسخرة لارادة الله لكن وفق نظام ثابت يخضع لأمره وحده "عرش" ولكنه لا يتبدل ولا يتقلب "إستواء"! فالاستواء على العرش تم بعد ان وجد العرش وهو نظام ادارة السموات والارض او منظومة التطور التلقائي.

وتتكرر الآيات التى يَرِدُ فيها مفهوم الاستواء على العرش لتؤكد انها انما تشير لتحكمه فى نظام الكون, الشئ الذى يوصف دائما بانه انما تمَّ بعد اكتمال الخلق وذلك بحرف العطف " ثــــم":

{اللَّهُ الذى رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} 2 الرعد

فى الآية أعلاه نفهم ان تسخيره للشمس والقمر لمصلحة المخلوقات انما تمَّ رحمة منه بتحكمه فى ناموس الكون بصورة ثابتة تتيح للاحياء الإستفادة من الشمس والقمر وكأنهم يعلمون الغيب وإن كانوا لا يعلمون!

ولعل من الأمانة ان نشير الى ان مفهوم استوائه على العرش ربما يختلف من مفهوم استوائه "الى السماء" الذى ورد فى آيتين فى القرآن:

{هُوَ الذى خَلَقَ لَكُمْ مَا فى الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} 29 البقرة!

{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} 11 فصلت!

بالطبع لن يستطع احدٌ ان يدَّعي معرفته بتأويل القرآن الذى لا يعلم تأويله الا الله, ولكن يجوز لنا ان نبدي ملاحظات على صيغة الآيات التى يختلف فيها مفهوم الاستواء من "على" الى "الى"!
نلاحظ فى هاتين الآيتين ان الاستواء "الى" قد ارتبط بهذه الحقائق:

1. الإستواء "الى" فى الحالتين كان الى السماء بلفظ المفرد وليس السموات!

2. ان ورود الاستواء "الى" تم فى مرحلة سابقة لإكتمال خلق السماء, اذ ان فى آية البقرة اعلاه تم الاستواء {إِلَى السَّمَاءِ} قبل اكمال تسويتهن سبع سماوات, بينما فى آية سورة فصلت تم الاستواء {إِلَى السَّمَاءِ} فى حالتها الدخانية وقبل أن يتم إدخالها والأرض فى منظومة العرش واخضاعهما لناموس الكون! اذاً ففهم كيفية الاستواء "الى" تتطلب بطبيعة الحال فهم طبيعة المستوي اليه وخصائصه حينذاك, وهو امرٌ غيبى لا يمكن للانسان الوصول اليه! فالاستواء {عَلَى الْعَرْشِ} أتى فى كل آيات القرآن بعد اكتمال الخلق ونظام التطور التلقائى الذى يحكمه, لكن الاستواء "الى" يتطلب فهمه العلم بحقائق غيبية سابقة لاكتمال الخلق لا يمكننا الوصول اليها!>

انتهي النقل من اصل الكتاب.....

الكلُّ سفّاح و ابنُ سفّـاح
.
القومُ أبناء القومِ يا صــاح
.
عندهم الدّينُ زهقُ أرواح
.
والذّبحُ للنّاس نهجُ إصْلاح
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.08762 seconds with 11 queries