عرض مشاركة واحدة
قديم 04/05/2008   #188
شب و شيخ الشباب mnhoos
شبه عضو
-- اخ حرٍك --
 
الصورة الرمزية لـ mnhoos
mnhoos is offline
 
نورنا ب:
Sep 2006
مشاركات:
50

إرسال خطاب MSN إلى mnhoos
افتراضي


-عن الفنان- الملتزم:
لم يكد زياد الرحباني يشهد زمناً لم يكن فيه ملتزماً، "منذ نعومة أظفاره" كما يقال عرفه الجمهور منحازاً انحيازاً مطلقاً لقضايا المضطهدين ضد القوى التي تضطهدهم، وقلت "انحيازاً مطلقاً" ولم أرد بذلك استعمال تعبير إنشائي أو مبالغة بلاغية! فقد كان انحياز زياد مطلقاً بالفعل، لا مساومة فيه ولا دبلوماسية ولا "تكتيك". وهذه الدرجة المطلقة من الانحياز والنزاهة لم يكد تاريخنا الفني- الأدبي يشهدها إلا مع مثال آخر لا يجود الزمان بمثله بسهولة هو ناجي العلي.
لسان زياد الطويل لم يوفر أحداً، وإنني لأشعر بالدهشة حين أستذكر القائمة الطويلة من "المسلوقين" بهذا اللسان ومنهم من أجمع "الوطنيون" و"التقدميون" على ضرورة الابتعاد عن نقدهم، ففي محاوراته الهجائية التي أذيعت من إذاعة لبنان الوطنية في عامي 1976-1977 تحت العنوان "بعدنا طيبين" عرى سياسيي اليمين اللبناني الطائفي من أوراق التوت وتحدث أحاديث عميقة التأثير مع الفقراء الواقعين تحت هيمنة هؤلاء العسكرية والدعائية (أنظر رسالته المؤثرة لصديقه الفقير الذي أصبح كتائبياً "عبده شليطة").
وحين هزم هؤلاء عسكرياً وحوصروا وهبت الأنظمة لنجدتهم لم يوفر زياد جيوش النجدة وقادتها من نيران هجائه الحامية مخالفاً بهذا الحصانة العجيبة التي يتمتعون بها عند الوطنيين العرب.
وكان زياد لا يهتم إلا بالفقراء من أي قطر كانوا مميزاً بين الشعوب والأنظمة.
في حلقة مؤثرة من "بعدنا طيبين" رأينا زياداً يرثي بحزن وغضب ستة عشر عاملاً سورياً فقيراً لم يكونوا يتابعون أحداث الفتنة الطائفية ولم يسمعوا بعد بالجديد، "بقصة إسلام ومسيحية" على حد تعبيره الساخر الغاضب فذهبوا ضحية فاشيي المنطقة الشرقية دون أن يحس بهم أحد أو يسعى لنجدتهم أحد أو يرثيهم أحد.
كانت حلقات "بعدنا طيبين" بمثابة "إبراز هوية" للناس قام به زياد بالتعاون مع فنانين آخرين منهم الفنان الملتزم الكبير الآخر الذي عانى من الغبن "جون شمعون".
ولم يتوقف نشاط زياد رحباني الإذاعي في السنوات اللاحقة، ولعل المستمعين في لبنان لم ينسوا تعليقاته التي تحتوي دوماً على مزيج "زيادي" متميز من السخرية والحزن والغضب ورفض الحيل السياسية الإنتهازية التي يعدها السياسيون تكتيكاً أو ذكاءً. ولعلي على كثرة ما قرأت وسمعت من رثاء لمهدي عامل لم أسمع رثاء أصدق أو أبلغ أو أغوص في القلب من رثاء زياد رحباني الذي أذاعته إذاعة "صوت الشعب" البيروتية.
في هذا الرثاء- المثال على المزيج الزيادي من السخرية والغضب والحزن هزئ زياد من إعلام حزب مهدي عامل الذي قال "إن مهدي مات أما فكره فحي". قال زياد: "ليش أنتو بتعرفوا شو كان بفكرو!" وقال لأصحاب "التكتيك" إن هناك أشكالاً من الرد على مثل هذه الجريمة، هناك طريقة القبائل في الثأر وهناك طريقة السياسيين في تغيير التحالفات. والقاتل معروف فهل فكر أحد في مظاهرة تنطلق نحو مركز القتلة! "واليوم الجمعة والسبت لليهود و"الحد" للنصارى ويوم الإثنين.." سيعود كل شيء كما كان ومهدي عامل ذهب ببساطة.. "فرق عملة"، لا أحد سيزعج القتلة، لا رد لا على طريقة القبائل ولا على طريقة السياسة.
سيعود زياد إلى موضوع "القائد الوطني" ومواقفه و "تكتيكاته" في أغنية خاصة في شريط "أنا مش كافر":
"أنا والله فكري هنيك
يعني وهني أهلك فيك
عالنضافة بالمواقف
وعالمواقف بالسياسة
وعلى كل شي إسمه تكتيك
بهنيك.. بهني نفسي فيك"
وكما قال لينين عن ماركس مرة فإن زياداً"نال شرف حقد الأنذال" وقد سمعت مرة أغنية خاصة ضد زياد الرحباني في شريط أغان خصص لهجاء الحركة الوطنية اللبنانية والثورة الفلسطينية.
من هذا الاستعراض الموجز السابق لنشاط زياد الملتزم أريد أن أقول ببساطة إننا في زمننا هذا،زمن الهزيمة واليأس والتيئيس يجب أن نرفع راية الالتزام عالياً غير آبهين بسخرية الساخرين ونركز على أمثلة الالتزام التي يقدم لنا زياد واحداً من أحسنها وأنزهها بغض النظر عن اختلافنا المؤكد بالرأي معه في مسائل سنشير إلى بعضها في هذا المقال.
قال "ويلهلم رايش" مرة:"من ذا الذي يكتب أبحاثاً جمالية عن معنى اللون عند الصراصير في بناية تحترق؟".يجب أن نعيد الاعتبار لدور النقد الملتزم، وأيضاً لدور الهجاء.وبه لا نقصد مجرد التجريح الشخصي بل تركيز الأضواء على العيوب الشخصية التي تشكل ظواهر شائعة ذات آثار وخيمة على النطاق العام.
مارس زياد رحباني منذ الستينات نشاطات فنية متنوعة تراوحت بين كتابة الأغاني وتلحينها وكتابة القطع الموسيقية وكتابة المسرحيات وإخراجها والتمثيل فيها.
هذا النشاط الواسع بحاجة-بلا ريب-إلى دراسات نقدية موسعة يقوم بها باحثون مختلفوا الاختصاصات،وكم وددت-على سبيل المثال-لو أرى دراسة متخصصة في التطور الموسيقي لزباد الرحباني،منذ بداياته في المدرسة الرحبانية(حيث لحن على سبيل المثال بعض المقطوعات الموسيقية والأغاني في مسرحية فيروز "المحطة")إلى نهاياته التي أوغل فيها بالابتعاد عن الموسيقى الشرقية وفي هذه المرحلة أقنع فيروز بإعادة بعض الأعمال الرحبانية الشهيرة بإسلوب حديث لم تتقبله كثير من الآذان وأراه شخصياً"اتجاهاً ضالاً" أتمنى له أن يعود عنه وأعده مثالاً على ما يمكن للوعي النظري الخاطئ أن يحدثه من تأثير سلبي في المسيرة الإبداعية للفنان.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05847 seconds with 11 queries