عرض مشاركة واحدة
قديم 12/02/2006   #117
شب و شيخ الشباب Tarek007
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Tarek007
Tarek007 is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
Damascus
مشاركات:
3,584

افتراضي كيف ننقد الدين؟


كيف ننقد الدين؟ وكيف يمكن للاديني أن يعبر عن قناعاته الفكرية حيال الدين دون أن يُتهم بالإساءة أو الإهانة أو التحقير؟ وما هي ضوابط التمييز بين النقد اللاديني المعرفي من جهة، والمراهقات الفكرية الطائشة من جهة أخرى؟.

في اعتقادي أن منهجية نقد الدين تفترض أولا مقدمتين إثنتين لا بد منهما قبل الحديث عن آليات نقد الدين:
1. التسليم بالحق في نقد الدين وظيفة فكرية ومعرفية وإصلاحية.
2. امتلاك من يمارس نقد الدين القاعدة الفكرية والمعرفية التي تمكنه من ممارسة هذا الحق.
وبالنسبة للشرط الأول فهو المنطلق الفكري البديهي لممارسة الحق في نقد الدين، إذ لا يمكن الحديث عن شروط ممارسة النقد الديني ومنهجيته وآلياته إلا بعد التسليم بهذا الحق الفكري، وقد سبق لي معالجة تلك النقطة في موضوع منفصل نظراً لأهميته المنهجية ( راجع موضوع: لماذا نقد الدّين؟ ).
أما بالنسبة إلى الشرط الثاني ( امتلاك القاعدة الفكرية والمعرفية ) فهو في نظري الركيزة الأساسية والمقدمة الطبيعية لممارسة الحق في نقد الدين، وبدونه يصبح نقد الدين ضربا من المراهقة الفكرية أو الاستفزاز المتعمد الذي لا نتردد في رفضه، بل ومحاربته أيضا.. فنقد الدين هو خلاصة تأمل وبحث طويل في الفكر الديني، وتقليب مختلف وجهات النظر في قيمه وأفكاره ومفاهيمه، ومحاكمة عقلية وعلمية لطقوسه وعقائده، هو باختصار: النقطة التي تلتقي فيها كل المعارف الإنسانية والخبرات البشرية..
إذن.. إذا سلمنا بحق الإنسان بنقد الدين، فإن السؤال الذي يُطرح هنا: كيف ننقد الدين؟ وما هي آلية الخطاب الذي يجب أن يستخدمه اللاديني في تناول الدين؟؟..
بداية.. لا شك أن نقد الدين ينطوي بحد ذاته على مساس بمشاعر المتدين، إذ مهما حاول اللاديني أن يلتزم في كلامه بأقصى المعايير العلمية والبحثية صرامة فإن كلامه سيوصف من الطرف الديني بأنه إساءة وجرح للمشاعر الدينية، بل وربما سب وشتم أيضا !!
ولكن.. رغم تسليمنا بهذه الحقيقة فإنني مع ذلك أعتقد أن نقد الدين يجب أن يلتزم بقاعدتين إثنتين :
1- نقد الدين من خلال أفكاره ورؤاه التي يؤمن بها أتباعه لا من خلال أفكار وتصورات خاصة باللاديني ويحاول أن يفرضها عنوة على الدين.
2- التزام المنهج العلمي والفكري في التعامل البحثي مع الدين والذي يفترض التعامل الجاد مع نقد الدين وتجنب استخدام تعابير ومفردات جارحة أو مسيئة لقدسية البحث العلمي.. وهنا مربط الفرس في موضوعنا هذا:
ترى.. هل تعتبر تعابير من قبيل ( الإسلام دين همجي بربري.. الإسلام دين قتل وذبح وسفك دماء.. محمد مجرم حرب.. محمد رجل شهواني يعشق الجنس.. القرآن كتاب جهل وخرافة……الخ ) أقول: هل تعتبر مثل هذه التعابير تعابير مقبولة في المفهوم البحثي العلمي؟؟ وهل يجوز لناقد الدين استخدام مثل هذه التعابير في معرض نقده للدين؟؟..
إن مثل هذه العبارات إذا استخدمت بشكل منزوع من أي سياق بحثي أو فكري أو سردي، وإنما كانت مجرد جمل وتراكيب عابرة فلا شك عندي أنها عبارات تنطوي على استفزاز وتحقير لا تليق بمفكر.. وينبغي أن ننقد الدين بشكل فكري منهجي لا بالتحريضوالتهويش.
ولكن ماذا لو وردت مثل هذه العبارات ضمن سياق فكري وسردي بحيث لم يكتف ناقد الدين بإلقاء مثل هذه العبارات، بل قدم أدلة وبراهين لإثبات ما تتضمنه من نقد، بحيث تأتي تلك العبارت كنتيجة فكرية لسلسة طويلة من المقدمات والتحليلات لا عبارة مرسلة مجردة من أي سياق؟؟..
رغم أني أرفض وبشدة أن تكون أمثال تلك العبارت والتراكيب هي لغة الخطاب وأداة التعبير عن الأفكار، وجسر الوصول إلى عقل القارئ، إلا أني أعتقد أنها في نهاية المطاف إنما تعبر عن نتيجة فكرية لعملية بحث ودراسة وتأمل في الدين.. أي أن المشكلة هنا في لغة الخطاب لا في الأفكار نفسها.. وتزداد المشكلة تعقيدا عندما نجد المتلقي ( الإسلامي في الغالب ) يشعر بالتوتر عند قراءة أمثال تلك العبارت ( ولا نلومه بالتأكيد ) فيذهل عن باقي الخطاب، بل يتجاهل المضمون الفكري ذاته الذي يختبئ وراء قسوة العبارة تلك!!..
مرة.. كتب أحد الأشخاص ( وهو صلاح الدين محسن ) عملا إبداعيا انطباعيا، ضمنه مجموعة من العبارت التي وصف بها الدين، ومنها عبارة ( الجهل البدوي المقدس ) والتي استخدمها صلاح الدين محس نفي لوصف القرآن، وبالطبع.. قامت الدنيا عليه ولم تقعد.. والسؤال الذي يطرح هنا: هل المشكلة في العبارة نفسها؟؟ أم في مضمون العبارة؟؟.. وهل تشكل العبارة بذاتها حاجزا دون تقبل الفكرة الكامنة وراء العبارة السابقة، وهذا ما يجعلها إهانة وتحقيرا للمقدس؟ أم أن الفكرة مرفوضة من الأساس وتشكل في وعي المتدين إهانة وتحقيرا للمقدس حتى ولو قُدمت بقالب ملطف وهادئ؟؟..
ماذا لو أعدت صياغة ذات العبارة السابقة، ونقلت ذات المضون بالشكل التالي: ( إن القرآن هو ابن البيئة العربية البدوية التي ظهر فيها، فهو يعكس أفكار البدوي العربي وأساطيره وخرافاته ونظرته إلى الإنسان والحياة والكون.. ومن ثم عمل طابع القداسة المحيط بالقرآن على مد ذات القداسة إلى تلك الرؤى والتصورات البدوية الخرافية لتصبح في نهاية المطاف أفكارا مقدسة وتعبيرا عن الحقيقة المطلقة.. ويبدو ذلك بشكل واضح من خلال كذا وكذا وكذا……… الخ ).
هل سيتقبل المتدين تلك الفكرة ضمن الصياغة السابقة؟؟ أم أنه سيراها كسابقتها تحقيرا وإهانة وشتما أيضا؟؟..
يمكننا أن نطبق هذا المبدأ على نماذج كثيرة لأعمال أثارت جدلا ضمن الدائرة الإسلامية:
قضية سلمان رشدي والآيات الشيطانية مثلا، فرغم معرفتي الأكيدة أن 90 % من الذين نقدوا الكتاب وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسببه لم يقرؤوه أصلا !!!!!! إلا أني اعتقد أن تصوير محمد على أنه قواد يدير بيتا للدعارة ( إذا صح بالطبع ما يذكره الإسلاميون عن هذا الكتاب فأنا شخصيا لم أقرأ الكتاب ) هو أمر ينطوي على استفزاز غير مبرر ولا يدخل ضمن إطار النقد الفكري والبحثي للدين.. هذا مع تسليمنا بأن رواية الآيات الشيطانية هي عمل أدبي وليست كتابا بحثيا فكريا، وبالتالي تحكمه قواعد مختلفة عن الكتابة البحثية..
ذات الأمر ينطبق على رواية وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر، إذ لا يوجد في رأيي ما يبرر ذكر عبارة مغرقة في الاستفزاز مثل ( القرآن خراء !!!!! ) رغم تسليمنا بأن مثل هذه العبارة قد تؤدي وظيفة تعبيرية تخدم فكرة العمل الأدبي في مجمله من خلال محاكاة أفكار شخوص القصة..
باختصار شديد: نقد الدين هو عمل بحثي فكري.. ويجب أن ينضبط ضمن هذا الإطار العلمي..
ولكن السؤال الحقيقي الذي ينبغي أن يُطرح هنا: هل يتقبل الإسلاميون النقد الفكري والجاد للإسلام؟؟ وهل يتعاملون مع مثل هذا النقد من منطلق الحوار الهادئ والنقاش الفكري أم يقابلونه بالرفض الكامل والقاطع ويتعاملون معه من منطلق الهجوم والقمع والمحاكمة وإهدار دم الناقد والتحريض على قتله؟؟ ..
من الواضح أنه لا توجد لدى الإسلاميين معايير ثابتة وواضحة تميّز بين التجريح والإساءة والتسفيه التي نتفق جميعا على رفضها… وبين حق النقد والشك و البحث والذي أعتقد أيضا أننا جميعا متفقون على احترامه، إذ وبمجرد أن يبدأ شخص بطرح شكوكه وآرائه حيال الإسلام تقوم قيامة الإسلاميين ولا تقعد عليه مهددين متوعدين بالويل والثبور وعظائم الأمور ومنددين بما يصفونه بالإساءة والتجريح والسب والشتم والتحقير…. إلى آخر التهم الجاهزة، ومهما حاول الناقد أن يلتزم في كلامه بأكثر المعايير العلمية والبحثية صرامة فإن كلامه سيوصف من الطرف الديني بأنه إساءة وجرح للمشاعر الإيمانية وتعرض وإهانة للمقدسات الدينية، بل وربما سب وشتم أيضا !!
والسؤال الذي يُطرح هنا: متى يكون نقد الفكر الديني نقدا علميا وفكريا يخضع للحوار والنقاش العلمي ومتى يكون تهجما بذيئا واستفزازا للمشاعر؟؟ ..
لماذا إذا جاهر شخص بشكوكه ورؤيته للإسلام والفكر الإسلامي يكون عمله ( احتقارا للدين وسخرية من أحكامه واستفزازا للمسلمين ) في حين يُبارك ذات العمل ويحظى بكل تقدير واحترام عندما ينصب على ديانة غير إسلامية؟؟ ..
لماذا يكون نقد محمد ديدات مثلا للمسيحية جهادا محمودا وعملا علميا يحظى بكل إحترام وتبجيل، في حين إن نقد أي مسيحي أو لاديني للإسلام ( صليبية حاقدة وسخافات جهلة )؟! رغم أنه لا فرق من حيث المضمون بين الإثنين؟.
لماذا يحق للقرآن أن ينتقد المسيحية واليهودية وعقائد الشرك، ويُحرم أتباع هذه الديانات من ممارسة ذات الحق؟.
باختصار.. حرية الرأي والتعبير لا تقبل التجزئة أو المساومة أو المعايير المزدوجة
إما حرية أو لا حرية.. ولا توجد في الحرية حلول وسط..
فهل يقبل الإسلاميون بهذا المنطق؟؟..


شهاب الدمشقي.

عـــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة






زورو موقع الدومري :
http://aldomari.blogspot.com
 
 
Page generated in 0.03951 seconds with 11 queries