عرض مشاركة واحدة
قديم 22/12/2004   #1
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي ممدوح عدوان رحل واقفاً كالأشجار


ممدوح عدوان رحل واقفاً كالأشجار




توفي في دمشق مساء أول من أمس الشاعر والمسرحي والمترجم المعروف ممدوح عدوان عن عمر ناهز الثالثة والستين، بعد صراع مع مرض السرطان، ويعتبر الراحل ممدوح عدوان المولود في قرية قيرون التابعة لمنطقة مصياف 1941 واحداً من الاسماء الثقافية العربية البارزة، والتي اتسمت بالعطاء الفريد والمتنوع في الكثير من المجالات الإبداعية وحتى اللحظة الاخيرة من حياته.


وبرحيل عدوان فإن الوسط الثقافي السوري والعربي يخسر شخصية من شخصياته الإبداعية التي كانت تتمتع بحضورها الخاص والمتفرد، فلم يكن عدوان ذلك المثقف المنغلق على نفسه، بل كان مثالاً حياً للإنسان المتمسك بالحياة بكل مفرداتها. والمنتمي إلى جذوره التي لم ينقطع عنها أبداً، بل انه كان يراهن عليها ويعتبرها محوراً أساسياً من محاور مشواره الإبداعي الذي بدأه شاعراً ثم امتد نحو حقول الترجمة، والمسرح، والدراما التلفزيونية.


بين البداية في قريته الصغيرة «قيرون» والنهاية في العاصمة السورية. مشوار طويل خاض عدوان، فيه الكثير من المعارك، لإثبات الوجود، لكن الغلبة نهاية المطاف كانت للإبداع ولحضوره.


وللزخم الذي ميز تجربته في الستينيات من القرن الماضي ظهر ممدوح عدوان للمرة الأولى مع عدد من المثقفين الوافدين إلى مدينة دمشق من القرى البعيدة والفقيرة، كان من بينهم هاني الراهب، سعد الله ونوس، نزيه أبو عفش وكان قد سبقهم إليها علي الجندي، ومحمد الماغوط، وكانوا في ذلك الوقت من حملة شعارات الوحدة العربية وتحرير فلسطين.


وغيرها من تلك الأحلام التي تعرضت للخيبة تلو الأخرى، لكن ما ميز عدوان أنه ظل على قيد التفاؤل، وظل على درجة كبيرة من الإيمان على الأقل بالناس، وبالشارع، رغم انه أعطى لكتابه الأخير عنوان «حيونة الإنسان» هذه «الحيونة» .


وضع فيها الراحل دفقة وحشية من مشاعره تجاه الاضطهاد والقمع وغسل الأدمغة وكل ما تعرض له الانسان العربي من محيطه إلى خليجه من تحولات مفتعلة قادته إلى هذه اللحظة المأساوية الدموية، التي كان يقابلها بالكثير من الضحك والسخرية، وكأنه كان يسخر من ألمه ويمارس عليه قسوة، هي في نهاية المطاف قسوة على الذات.


«الظل الأخضر» هو عنوان الديوان الشعري الأول للراحل ممدوح عدوان وصدر عام 1967 في عام النكسة التي شكلت لجيله ضربة قاصمة للظهر، ثم امتددت هذه التجربة التي اتسمت بالكثير من التنوع والتعددية حيث أنجز 24 عملاً مسرحياً، بالإضافة إلى روايتين، وثلاثة وعشرين كتاباً مترجماً منها الإلياذة والأدوية.


وسيرة جورج أورويل وعدة مسلسلات تلفزيونية، كل ذلك ولم يكن الراحل خارج دائرة الحياة اليومية، فلديه المقال اليومي والأسبوعي والشهري، ولديه القدرة في أي مكان تذهب إليه في دمشق، تصادفه في المقهى والمسرح والمعارض، والندوات، والتجمعات الثقافية.


هذه الحالة الاستثنائية من النشاط والعطاء تشبه سباق الزمن ويمكننا هنا تذكر قوله في إحدى حواراته الصحفية «لدي إحساس بأن الوقت ضيق جداً، لان حجم الأشياء التي نتعامل معها أكبر وأوسع بكثير من الوحدة الزمنية المتاحة، ومع ذلك ورغم كل ما أنجزته أحس فعلاً ان هناك أشياء في داخلي لم أعبر عنها بعد».


وفي العدد الأخير من مجلة بانييال الانجليزية الذي خصص عن الراحل ملفاً خاص يقول في إحد مقاطعه «في كل ما كتب عدوان، كان مثالاً للمبدع الجوال والطليق بين أجناس الكتابة، يبدأ من القاريء أو المستمع أو المتلقي الذي يقاسمه عدوان الحرمان والعذاب.


وهو الذي أملى عليه ان يتعامل مع الأشياء المعيشية اليومية». صوت ممدوح عدوان أم أصوات ممدوح عدوان، حيث تختلط بقايا «بردي» بخرير النهر الجميل الذي كان، وكرامة الشيخ الافريقي برسائل نيرودا، وملامح الانظمة الفاسدة العربية بملامح المستبد العثماني، الذي يقتلع الليمون ويضع فوقه شواء فاسد الرائحة. ربما تلخص روايته المتميزة «أعدائي» اشياء كثيرة من شخصيته. فهي تندد بالاستبداد العثماني كي تندد بالاستبداد والفساد في جميع العصور.


وهي تدع الروائي ـ الشاعر يكتب التاريخ الحقيقي، لان مؤرخ السلطة لا يكتب الا الحقيقة التي تريدها السلطة، وهي تستعيد أطياف مشاعر يهودي حالمة بعالم جديد، بعيدا عن العنف الشاروني وعنف الصهاينة الذين سبقوا شارون. في هذا كله يكون عدوان مثقفا تنويريا ديمقراطيا، وامتدادا نجيبا للمثقف التنويري العربي، الذي علا صوته مرة، قبل ان تكتسحه الهزيمة، التي بدأت في الخامس من يوليو 1967، ولا تزال متعاظمة حتى اليوم.


ان رحيل ممدوح عدوان مؤلم بالنسبة للكثيرين، وخاصة لمن عرفوه عن قرب، ولامسوا تلك الشجاعة منقطعة النظير التي واجه بها فكرة الموت في ايامه الاخيرة، فقد رفض وصاية الاطباء، وظلت السيجارة بفمه والليل من اعز أصدقائه، ضحكته المجلجلة، ولهجته القروية القاسية، وظل هو كعادته قوياً شجاعاً، ليموت واقفاً كالاشجار.. وداعاً ممدوح عدوان.


حازم سليمان

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03560 seconds with 11 queries