[ورده بغداد]

لا شك أن المسؤول الأول عن احتلال العراق ومعاناته التي لن تنتهي بزوال الاحتلال يقع على عبء الإرهاب الأميركي والصهيوني والبريطاني، إلا أن مسؤولية أخرى تقع على العرب أنفسهم، وليس هنا في تشتت كلمتهم وعجز قياداتهم، بل في تقديم كل ما يسر ذلك الاحتلال، ابتداءا من المشاركة في الحصار الظالم على شعب العراق الذي أودى بحياة مئات الألوف من أبنائه العرب، وتحطيم نهضته العملية التي رفعته فوق دائرة العالم الثالث، إلى تيسير مرور الجحافل الأميركية في الممرات المائية العربية – رغم اتفاقية الدفاع المشترك التي تعتبر العدوان على أي بلد عربي عدوان على الدول العربية كلها وهو ما يجيز لأصحاب الممرات تلك إقفالها في وجه الجيوش الأميركية وحلفائها –، وتقديم الأراضي والمياه الإقليمية اللازمة لرسو تلك القوات، ومدها بكل أنواع الدعم اللوجستي لغزو العراق واحتلاله، إلى خيانات من اعتبروا أنفسهم عراقيين من الداخل والخارج، إلى دعم مليشيات الموت في انتشارها داخل العراق، إلى نهب نفطه وخيراته، إلى رفض استقبال مهجّريه.. الخ.
بل بالاتكاء على النظرية التاريخية التي لا ترى الحدث منفصلا عن سابقه، فإن المسؤولية تعود إلى ما قبل ذلك، حيث الجدل العربي – العربي يصل حد الضجيج المنفلت من عقاله، وذلك بالعودة إلى عام 1990، يوم توسع المشروع العراقي باتجاه الكويت، ويوم انتخى العرب دفاعا عن المشيخة الكويتية، جاعلين من الوجود الأميركي في الخليج العربي ذا طابع استعماري احتلالي.
إن المشاركة أو السكوت العربيين من جهة، والرغبة في الانتقام من قبل بعض الأطراف العربية من جهة أخرى، لهي مسؤولية عربية كبرى عن الاحتلال الغربي – الصهيوني للعراق، وإطلاق يد الميليشيات المدعومة إيرانيا، وتأجيج نيران الفتنة الداخلية، وتدمير كل ما يمت للحضارة الإنسانية فيه. وبحثا عن الخروج أو التكفير عن تلك المسؤولية، فلم يتبق أمام العرب سوى الضغط بكل ما أوتوا من مقدرات لإخراج الاحتلال ووقف الإرهاب، ولاحقا إعادة إعمار العراق وتعويضه ن خسائره المادية، فأرواح شهدائه في أعناقنا جميعا إلى يوم الدين.