عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #11
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


قال الشاب الثري: سيأتي الأصدقاء بعد قليل ومعهم نسخ منها.
عاد نجيب محفوظ إلي الخلف، شد ظهره إلي مسند المقعد، ونظر الشاب الثري إلي في صمت وضيق، شعرت بأنه يتمني أن أقوم وأنصرف.. إحساسي هذا جعلني أتشبث بالبقاء.. نظرت إليه متحديا. نظر هو إلي المائدة الخالية في شرود.. ونظرت أنا إلي الباب الحديدي الواسع، فقال نجيب محفوظ مجاملاً: أهلاً بك.
أراد أن يقطع الصمت الذي حط علي الجلسة منذ لحظات. وليرحب بي بصفتي أول مرة أقابله.. وأحسست بأنني في حاجة لأن أثبت لهما أنني كاتب ولست دخيلاً عليهما. فذكرت زميلي في ميدان الكتابة محمد الجمل وسعيد سالم لعلمي أنهما يشاركان نجيب محفوظ جلسته دائما.. قال الشاب: تعرفهما؟
قلت: نعم.
قال: آه.. قالها وكأنه أدرك شيئا خافيا عليه.. انتظرت أن يكمل.. لكنه اكتفي بهذه «الآه» وعاد إلي صمته. قال نجيب محفوظ.
ـ أتيتم في وقت غير مناسب.. في الماضي لم يكن هناك تليفزيون وكانت المجلات والجرائد تنشر القصائد والقصص في الصفحات الأولي.
شعرت بالأسي.. لقد قضيت عمري كله أحلم بأن أكون أديبا معروفا. ضحيت من أجل هذا بالكثير.. تخيل عندما تحس بعد ذلك أنك ضحيت من أجل لا شيء، من أجل سراب.. تذكرت قصة كتبها صديق لي، عن صانع طرابيش علمه أبوه الصنعة أيام كانت منتشرة ورائجة، ومات الأب دون أن يعلمه صنعة سواها، وفجأة ألغت الدولة الطرابيش. وأغلق أصحابها دكاكينهم.. انتهت الصنعة قبل أن يبدأ هو عمله.
كان نجيب محفوظ متأثراً بمقاطعة البلاد العربية لكتبه بعدما نشر عن تأييده لمبادرة كامب دافيد.
ثم حضرت باقي الشلة. بعضهم يعرفني أو قرأ لي من قبل.. كان الشاب الثري صامتًًا مهمومًا طوال الوقت «وعلمت أنه في الجلسات السابقة كان يضحك ويسخر ويقلد الشخصيات العامة» قال أحدهم للشاب الثري: اليوم أنت مش مبسوط!
أومأ برأسه وعاد ثانية لحزنه وشروده.
تحدثوا عن مقالات نشرت ضد الذين يتعاملون مع إسرائيل ثقافيًا: قلت:
ـ إنها المجلة الحكومية الوحيدة التي تستطيع نشر مثل هذه المقالات.
قال أحد أفراد الشلة للشاب الثري: نفس رأيك الذي قلته من قبل.
فقال في حدة: اليسار يسيطر عليها وسوف تطرد هيئة تحريرها في القريب «وتغيرت بالفعل هيئة تحرير هذه المجلة بعد أشهر قليلة.. وتولت إدارتها مجموعة أخري جعلتها مثل سائر المجلات الحكومية».
كنت أفكر في المأزق الذي وقعت فيه.. أحاديث نجيب محفوظ المقتضبة ومجاملاته التي تثير الدهشة «يحكون أن أديباً شاباً غير معروف وغير جيد أعطاه مجموعته القصصية المطبوعة بالماستر ليقرأها، فتصفحها في الجلسة ثم قال مجاملاً: جيدة.. فطلب منه الأديب الشاب أن يكتب عنها.. بحثوا عن ورقة ليكتب فيها فلم يجدوا. ففتح الشاب علبة سجائره بعد أن وضع ما فيها من سجائر في جيبه.. وكتب نجيب محفوظ كلمة قصيرة عن المجموعة، نشرها الشاب علي ظهر مجموعته القصصية الثانية!
نظر نجيب محفوظ في ساعته وقال للشاب الثري: التاسعة الآن؟
أجابه بنعم. وقف فوقفنا جميعًا، صافحنا وسار خارجًا من باب الحديقة.. ووقف الشاب الثري شاردًا، صافحني الجميع سواه، ساروا أمامي خارجين من الباب، تابعتهم حتي خرجوا ثم سرت، أحسست بالضيق وكأنني خسرت صفقة عمري.
سرت في الطريق، وجدت نفسي أمام محطة جليم.. وقفت أنتظر الأتوبيس، المحطة خالية، ليس بها سواي.. شعرت أن الوقت قد طال والأتوبيسات لا تأتي.. أردت أن أجلس كان جسدي غير قادر علي الوقوف. وشعور يغمرني بأنني ابتعدت عن بيتي مسافات شاسعة، كأنني ضللت الطريق وسرت في صحراء واسعة بعيدة.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03616 seconds with 11 queries