الموضوع: مقابلات
عرض مشاركة واحدة
قديم 01/09/2008   #14
صبيّة و ست الصبايا sona78
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ sona78
sona78 is offline
 
نورنا ب:
Jun 2008
مشاركات:
1,993

افتراضي يوسف عبدلكي2


هم الفنان استنطاق عصره ونفسه لا الحسابات البنكية
يوسف عبدلكي: الأشياء التي أرسمها عناصر تتخبط في همها الإنساني
راشد عيسى

لم يتبدل جمهور يوسف عبدلكي منذ صيف العام ,2005 حيث أقام معرضه الأول في دمشق مرفقاً بحضور شخصيّ بعد غياب دام أكثر من عشرين عاماً، إنه الحشد ذاته في خان أسعد باشا العظم آنذاك وفي «غاليري أيام» أخيراً، ولعلّ كثيرين أمِلوا أن يتحول معرضه الراهن من احتفال أو تظاهرة،إلى فسحة تأمل في اللوحة ذاتها، لا في محيطها. ولكن كثيرين أيضاً يجدون أن لا تناقض بين الاحتفالين؛ احتفال بعبدلكي كاسم له كل هذا التاريخ وبما يمثله من جيل كان بصمة مغايرة في حياة السوريين، واحتفال باللوحة سواء لذاتها كقيمة فنية، أو بما تمثله هي نفسها من تأريخ وشهادات ويوميات. ولنا أيضاً احتفال خاص بعبدلكي. إن سؤاله، وسؤال لوحته شيء من هذا القبيل، فماذا يقول الفنان السوري، الذي ما زال يرسم من محترفه الباريسي، من دون أن يعد بمرسم في دمشق، ماذا يقول في علاقته الجديدة مع اللوحة بعد أن صار يسافر معها إلى دمشق؟ وماذا عن أحوال لوحته عموماً؟

ما الذي يدفع بك لتأخذ الأشياء والأغراض الأكثر هامشية لتضعها في مركز اللوحة؟ وهل يمكن تصنيف تلك الأغراض في أنساق محددة؟
الشغل على العناصر المهملة في الحياة ليس جديداً على عملي، أشتغل على ذلك منذ اثنتي عشرة سنة. العناصر التي لها قدرة على الإيحاء، وفيها عنصر الجمال موجودة بشكل أو بآخر في كل نواحي حياتنا، يكفي أن نفتح عيوننا عليها. ولكن عملي أيضاً ليس فقط على العنصر أو الغرض ذاته، بل على الفضاء الذي يكاد يكون ميتافيزيقياً، فالمكان الذي يوجد فيه العنصر ليس تفصيلاً، إنه يعطيه دلالة تفوق أو تخفض معناه المباشر عند وضعه في فضاء آخر. هكذا يصبح لعلبة السردين الفارغة قدرة إيحاء تتجاوز الدلالة المباشرة للعلبة. أما أن هناك أنساقا، فهناك تيمات أشتغل عليها في إطار الطبيعة الصامتة، كالأسماك، ورؤوس الأسماك المقطوعة، الجماجم والعظام، الزهور والعلب الفارغة، وكل واحدة من هذه التيمات تحمل دلالات، ولها بشكل أو بآخر مناخ من المعاني المفتوحة، وأتصور أن إلحاحي على رسمها مرة وراء مرة هو بسبب إحساسي أنني في كل مرة لا أستطيع أن أنجز المطلوب تماماً من اللوحة، أو لأن في العنصر طاقة إيحاء أكبر من طاقة اللوحة، وبالتالي أظل أستعيده حتى أحس أنني استنفدته أو في طريقي لاستنفاده. ولكن الإحساس بالقدرة على استنفاد العنصر في النهاية ليس سوى ضرب من الوهم، لأن في كل عنصر طاقة إيحاء متجددة من يوم ليوم، ومن شخص إلى شخص، وبالتالي فإن الوجه مثلاً لا يستنفد ويظل أقوى وأقدر على صنع المعاني.
كيف تخلق العناصر؟
} من الأشياء التي حولي. في مرسمي يمكنك أن تجد كل ذلك، فأنا لا أخترعها، هي بنت الفضاء الذي أتعايش معه كل يوم، وليست أفكاراً مجردة. غالباً ما أشتغل على عنصر ما، فاللوحة تستنفد مني أسابيع من العمل لتأتي لحظة أشعر فيها بالاكتفاء من هذا العنصر، فأتركها إلى عنصر آخر. حينها أعود للعنصر وأشتغل عليه وهذا مجدداً، ما يحرضني مرة ثانية وثالثة ولكن ليس بشكل متتال، بل أتنقل بين أربعة أو خمسة عناصر لأعود إليها، ولكن ليس بالعمل الملحّ على نفس العنصر.
هل من طقوس للرسم لديك؟
} حينما أدخل إلى مرسمي أحتاج إلى بعض الوقت لأتخلص من كل الشغب البصري والسمعي الموجود في الخارج. هذه فترة تهيئة أقرأ فيها، أو أشرب فيها الشاي. دائماً بحاجة لوقت لأستعيد نفسي. في ما بعد أدخل في حالة الرسم وأشتغل، الشيء الوحيد الذي يوقفني هو التعب أو زيارة صديق. قد أسمع كثيراً من الموسيقى والغناء العربي الأكثر رصانة وكلاسيكية كأم كلثوم وعبد الوهاب، لكن في نهايات العمل يحلو لي أن أسمع موسيقى وغناء راقصاً.

تسمى أعمالك بـ«طبيعة صامتة» مع أنها ليست طبيعة، ولا هي صامتة؟
} كلام دقيق. موضوعات الطبيعة الصامتة تؤخذ منذ قرون على أنها موضوعات تزيينية توضع في الصالونات وغرف الطعام. أعمالي يصعب أن أصنفها في خانة الطبيعة الصامتة، ولذلك أضع وراء العبارة، حين أضطر إلى عَنْوَنة اللوحة، إشارة استفهام، لأنها ليست كذلك فعلاً، ولكن ليس لدي مصطلح أمين يصف ذلك. شغلي ليس تزيينياً، بل فيه كثير من العنف والقسوة والروح التعبيرية. والعناصر بذاتها حادة وقاسية؛ كالعظام ورؤوس الأسماك المقطوعة. يصعب تصنيفها على أنها تجريد أو بورتريهات. أعتبر أن الشيء الأساسي في العناصر التي أشتغل عليها، رغم كونها عناصر مهملة في الحياة، أنها تمثل نوعاً من البوح الوجداني، هذا يبعدها عن التصنيف الكلاسيكي للأعمال التي تسمى طبيعة صامتة. بهذا المعنى فإن عملي، لا بالعناصر ولا باللغة أو طريقة الأداء، ينتمي إلى الطبيعة الصامتة، وإطلاق اسم كهذا هو بكل بساطة خيانة لهذا العمل.
أي تحدّ يقودك لاستبعاد الألوان في أعمالك، وما دواعي استخدامها الطفيف في لوحات معرضك الراهن؟
} أعتقد أن كل من يشتغل على سطح يمكن تصنيفه إلى واحد من اثنين؛ إما أنه ملوِّن يقيم اللوحة على الصراع بين الحار والبارد، أو أنه غرافيكي يقيم عمله على صراع بين الأسود والأبيض. بطبيعة الحال هناك درجات لا تنتهي بين ما يمكن تصنيفهم بالملونين وبين الغرافيكيين، لذلك رأينا في تاريخ الفن مئات الرسامين يصنعون لوحات ملونة، ومئات الملونين يرسمون بالأبيض والأسود. هذا لا يمنع أن طاقة كل فنان تتجلى في الحقل الذي ينتمي إليه فعلاً. بهذا المعنى فإن فنانين مثل مونيه أو نصير شورى هم ملوّنون، وفنانين مثل بيكاسو أو موراندي أو جواد سليم هم رسامون، رغم أن كل الأسماء التي ذكرتها تنقّلت بين الحقلين. ولعلّي أدركت منذ وقت مبكر أنني رسام، ما أعطاني الحظ لأكرس طاقتي للرسم والغرافيك، سواء في الحفر أو الطباعة على الحجر أو الرسم بالقلم الرصاص أو الحبر الصيني أو الفحم، هذا لا يمنع أن تخطر في بالي من حين لآخر بعض الأفكار اللعوب فأدخل لمسة بالأحمر أو القرميدي في حيّز ما من اللوحة. إنه لعب وليس استبدالاً للأداة.
حين يحضر العنصر البشري في لوحتك، بعد غياب طويل عنها، يأتي عبر صورة شخصية لك على هامش إحداها، أي معنى لذلك؟
} أنا أعتبر أن العنصر البشري لم يغب عن كل أعمالي لحظة واحدة، هو موجود دائماً، كالسمكة التي تتخبط، أو رأس السمكة المقطوع، مثل الحصان الذي كنت أرسمه في السبعينيات، ليسوا سوى عناصر تتخبط في همّها الإنساني. علماً أنني رسمت أكثر من عنصر إنساني مباشر في فترات متفرقة مثل اللوحة التي أعرضها في هذا المعرض ومستوحاة من مقطع شعري لنزيه أبو عفش، أو اللوحة التي أهديتها منذ سنتين إلى جيل السبعينيات. لم تكن لوحاتي يوماً بعيدة عن الناس، ولا شك أن في هاتين اللوحتين أو سواهما اقترابا أكثر من السابق من البشر وهمومهم والحياة التي تطحنهم. أما بالنسبة للوحة التي تشير إليها فهي ليست أكثر من غمزة من قناة جدتي التي كانت كلما تحصل على صورة لأحد معارفها الأعزاء كانت تشْكُلُها بين إطار وزجاج أي صورة معلقة في البيت، والصورة/ البورتريه الذي أرسمه اليوم مختلف تماماً بالمعالجة عن بقية اللوحة بسبب قوة هذه الذكرى وما كنت أحسه من انفصال بين اللوحة أو الصورة الأصلية خلف الزجاج والصورة الصغيرة المشكولة بطرفها.

قلي لي احبك
كي تزيد قناعتي اني امرأة
قلي احبك
كي اصير بلحظة .. شفافة كاللؤلؤة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04814 seconds with 11 queries