الموضوع: أسبوع وكاتب - 3
عرض مشاركة واحدة
قديم 24/08/2009   #133
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


واذا كان النابلسي قد لجأ الى القلب بدل العقل و" النغم الذي يخدر الوعي، ويدع الروح تتحرر، ويترك الشاعر يرسل بحرية " لتفسير غنائية محمود درويش، فإن غالي شكري لامس سلسلة من النواظم الأساسية في الموضوع الغنائي (أي الصوت الأحادي أو المتعدد وحوار الأنا والآخر وموقع الروح من تضاريسها المجهولة) ولكنه ذهب بهذه جميعها الى منطقة أخرى ليست من الغنائية في شي ء اذا لم تكن نقيضها المواذي وأقصد الصوت الدرامي.
وكان ت. س. إليوت قد أصيب ذات يوم، ببعض ما أصيب به دارسو الغنائية العرب من حيرة، ففي مقالته الشهيرة "أصوات الشعر الثلاثة، توصل دون كبير مشقة الى تشخيص صوت ثان من الشعر هو الصوت الملحمي أو الوعظي Didactic حيث يهيمن الفرض التاريخي أو الاجتماعي ويلح حضور الجماعة على وجدان الشاعر، وتوصل الى صوت ثالث هو الصوت الدرامي Dramatic حيث ينقل الشاعر بعض وجدانه الى شخوص وأقنعة وأفكار خارجية، مثلما يتلقى من هذه بعض وجدانها، ضمن صيغة حوارية في الحالتين، ولكن ماذا عن الصوت الأول، الغنائي، حيث الشاعر هو ضمير المتكلم، من نفسه ولنفسه وحول نفسه؟ لقد نقب إليوت طويلا في قاموس اكسفورد بحثا عن تعريف لكلمة "غنائي" فلم يجد ما يشفي غليله. ثم استعرض قرونا وعقودا من كتابة القصيدة الغنائية في أوروبا القديمة والحديثة والمعا هوة فلم يجد بينها القاسم المشترك الأعظم الذي يسمح بتدبر تعريف ما. ولقد وجد اليوت أن ما يميز القصائد التي ليست وعظية ملحمية وليست دراسية عن تلك القصائد المكتوبة بضمير المتكلم هو أمر واحد. أن شاعر ضمير المتكلم يعبر عن أفكاره وعواطفه لنفسه، أو لا يعبر عنها لأحد أخر محدد» (7) وهكذا قرر أن يطلق على قصائد هذا الصوت اسم "الشعر التأملي »، فلاسفة ونقاد وشعراء آخرون سواه لم يعبأوا كثيرا بحكاية التسمية بحد ذاتها فاستبقوا عليها رغم أنهم اختلفوا بهذا القدر أو ذاك حول التعريف جزئيا، ثم انخرطوا في سجال (لم يتوقف حتى الآن) موضوعه مسائل أخرى أكثر تشعبا وتعقيدا.
ما هو السر في أن هذا النوع الكتابي الذي نسميه القصيدة الغنائية صمد على مر الدهور في جميع الثقافات الشفافية والمكتوبة، في حين انقرض أو يكاد النوع الوعظي والنوع الدرامي؟ لماذا تبدو القصيدة الغنائية وكأنها اختصار الشعر بأسره، أو تسميته الثانية؟ هل يكمن بعض السر في العلاقة بين القصيدة الغنائية والموسيقى؟ ما هي خصوصية موقع القاريء الواحد ذاته، بين قصيدة غنائية وأخرى غير غنائية؟ لماذا يبدو الوجدان العاطفي للشاعر الفرد وكأنه، في القصيدة الغنائية أكثر قدرة على "تكييف استجابات القاريء، وربما تحويله الى صوت ثان للشاعر أو صدى لذلك الصوت كما أشار هيجل؟ لماذا كان الصوت دالة الموضوع الغنائي ومشكلته في الآن ذاته؟ واذا شئنا نقل هذه الأسئلة الى منطقتنا. فكيف يتوجب أن نفسر شيوع أولى القصائد الغنائية في الأشعار المصرية الفرعونية، والسومرية والبابلية - الأشورية، والكنعانية والعبرانية، والساسانية والغسانية واللحمية والفارسية، وذلك قبل وقت طويل من الولادات الأوروبية الأولى لهذه القصائد؟
وبالطبع ليس من مهاو هذه الورقة الخوض في محتوى السجالات التي نجمت عن الأسئلة السابقة، ويكفي التذكير هنا بأبرز خصائص القصيدة الغنائية كما تمخضت عنها وتجمع عليها جملة هذه السجالات، إنها قصيدة قصيرة نسبيا وعموما (بين 30- 50 سطرا شعريا) عالية التركيز في طرائقها التعبيرية ذاتية في التقاطها للعالم الخارجي، شخصية في موضوعها، وقريبة من الغناء في نوعية بنائها، وهي تتحرك في موشور عريض من الأغراض، يبدأ من قصيدة الحب، ويمر بالمرثية، ولا ينتهي عند الانشاد الديني والتصوفي. وكان الشاعر الأمريكي الكبير إدجار ألن بوقد نفى عنها صفة التفجع العاطفي الرومانسي، واعتبر أنها ليست سوى الشعر في أصفى أشكاله. والموسيقى في القصيدة الغنائية عنصر عضوي تكويني، بالمعنيين الفكري والجمالي. والعمارة الايقاعية تصبح بؤرة تركيز لمدركات الشاعر اذ تتخذ شكلها اللفظي اللغوي، واذ تشرع في نقل القيم الوجدانية والشعورية والعقلية. ويجدر التذكير هنا بأن العرب كانت تقول "مقود الشعر الغناء" ولحسان بن ثابت بيت شهير يقول فيه:
تغن في كل شعر انت قائله
ان الغناء لهذا الشعر مضمار

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04753 seconds with 11 queries