عرض مشاركة واحدة
قديم 20/08/2008   #60
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


عالم أكثر أمناً« (جورج بوش)



ليست المشكلة أن جورج بوش وعد، قبل حرب العراق، ب»عالم أكثر أمناً«. المشكلة أنه يدلل على إنجازاته، بعد كل انفجار، بالقول متباهياً إنه حقق وعده وأن العالم بات، بالفعل، أكثر أمناً.
يفعل ذلك في حين أن زيارته إلى بريطانيا تحولت إلى إقامة في قصر بكنغهام وتجوُّلٍ في جواره. فإذا كان البريطانيون جعلوا رحلته غير آمنة سياسياً لديهم، وهم من هم في تاريخية العلاقة مع الولايات المتحدة، فإن في ذلك، وحده، ما يؤشر إلى آثار ما يرتكبه على العالم كله.
لقد جاءت تفجيرات اسطنبول أمس لتذكّر أن العالم الأكثر أمناً الذي تحدث عنه بوش هو غير العالم الذي نعيش فيه. ويدلّ الإرهاب المتنقل أن بوش، بإضافته العراق على أفغانستان، أوقد نيراناً قد تتحول إلى لهيب يصعب إطفاؤه.
كانت دول كثيرة في العالم مستعدة للانخراط في مواجهة مع إرهاب أسامة بن لادن. لا بل إنها فعلت ذلك قبل أن تنعطف الإدارة بشكل يهدد التعاون الدولي، والعلاقات الدولية، ومواثيق الأمم المتحدة، وكل ما يصب في مجرى العمليات البوليسية ضد تنظيمات هيولية متطرفة.
لم يفعل بوش، طوال الشهور الماضية، سوى توجيه الرسائل الخاطئة إلى العالم. فلمَ المفاجأة إذاً في تبلور رأي عام ضده يحمّله مسؤولية الاضطراب؟ ولعل العالم العربي هو المجال الأبرز لممارسة سياسة لا يمكن لها، باسم التغيير، إلا إنتاج الفوضى.
إن ما تريده واشنطن، في منطقتنا، هو جمع الماء والنار. تريد من الأنظمة أن تكون، في الوقت نفسه، أكثر طاعة لها وأكثر انفتاحاً من دون أن تقترح عليها ما يستر عيب الالتحاق. هذا مزيج متفجر.
لقد أهينت الديموقراطية الفعلية في تركيا باسم الديموقراطية المحتملة في العراق. مورست ضغوط هائلة على أنقرة من أجل أن تكون مطيعة بغض النظر عن المقاومة الديموقراطية الضارية لهذه الطاعة. حصل ذلك مرتين وفشل في المرتين. وتبيّن، بوضوح، وفي هذا البلد الأطلسي، أن التجاوب مع الإملاء الأميركي يكشف السلطة ويستولد تعبئة ضدها. لقد كان صعباً، ولا يزال، جمع شكل الطاعة المطلوب ومداها مع قدر من الديموقراطية. وتسبّب ذلك في لوم بول وولفويتز الجيش لأنه خضع لقرار البرلمان.
إن ما يصحّ على تركيا يصح بصورة أقوى على بلدان عربية. فوضع المملكة العربية السعودية، مثلاً، في موقع تجاذب يؤدي إلى ما نشهده. والإصرار على طرح أسئلة على مجتمعات لا تملك جواباً يجعل الأوضاع ساخنة. فكيف إذا كانت الأسئلة متناقضة بين تلبية الطلبات الأميركية بالتخلي عن الحد الأدنى من دعم النضال الفلسطيني وبين تلبية الضغط الداخلي الذي يعتبر هذا الحد الأدنى الممارس قريباً من التخلي والخيانة؟
لم تستطع الولايات المتحدة، حتى اليوم، أن تقدم مبرراً للحرب على العراق في ما يخص أسلحة الدمار والعلاقة مع الإرهاب. وزادت على ذلك تخبطاً في إدارة الوضع بعد الحرب يجعل الأميركيين يشرعون في التساؤل فكيف غيرهم. لذا فإن الاحتمال الأكثر وروداً هو أن تبدو الحرب عنفاً برّانياً عدوانياً عارياً.
وعندما يصار إلى تبريرها بالمقابر الجماعية فإن المواطن العادي يصبح ميالاً إلى كراهية صدام حسين و... الولايات المتحدة. لأنه، في هذه الحالة، لا يسعه نسبة النوايا الحسنة إليها وهو يراقب رعايتها الحماسية للعدوانية التوسعية الإسرائيلية. ويكفي أن يفتح مسؤول أميركي فمه ليهدد سوريا أو إيران لامتلاكهما أسلحة دمار شامل حتى يكون رد الفعل العادي أننا أمام كذبة جديدة من النوع الذي تضيع المسؤولية عنه بين مخابرات فاشلة ومحافظين جدد ينفذون أجندة خاصة.
إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط وصفة توتر.
ففي رأي العربي العادي أن درجة التحاق الأنظمة بواشنطن تفيض

عن درجة انفتاح هذه الأنظمة. يعني ذلك أن نخباً حاكمة تتبع سياسات غير شعبية من غير أن يترافق ذلك مع فتح قنوات التعبير عن الرأي. وينتج عن هذا التفاوت ميل إلى العنف أو إلى تقبّل العنف، أي إلى رفض توجهات سائدة لا تسمح باعتراض عليها من ضمن المؤسسات. ومتى أشار أحد إلى هذا التعارض ونتيجته، ولو بأسلوبه الخاص، عومل، كما حصل مع وليد جنبلاط، بأنه شخص غير مرغوب فيه.
إن المفارقة ليست في الدرجة العالية من العنف. إنها في الدرجة المنخفضة من الحدة وهي درجة تلعب، حتى الآن، دوراً تعويضياً وتتخذ أشكالاً تتعرض، أكثر فأكثر، إلى الإدانة. ولو كان بوش يملك مقداراً كافياً من الحكمة لكان لاحظ، مثلاً، أن »الجماعة الإسلامية« في مصر أدانت »القاعدة«، وأن تنظيمات أصولية استهجنت التفجيرات الأخيرة، وأن اجتماعاً ضمّ يوسف القرضاوي، وعباسي مدني، وخالد مشعل، وحسن الترابي لم تصدر عنه دعوات متطرفة.
إن الرقعة السياسية لممارسة الإرهاب تضيق ولو أنها، ديموغرافياً، تتسع. ولا يفيد في شيء تكرار بوش في لندن الخلط بين مقاومة مشروعة ضلت طريقها (القدس) وبين عمل إجرامي بكل المقاييس (اسطنبول). لا يفيد ذلك إلا إذا كانت الاستفادة إضفاء قدر من شرعية القدس على عبثية ودموية اسطنبول.
إن الإرهاب أكثر تعقيداً من أن يحيط به العقل التبسيطي لبوش. ليس أكثر تعقيداً لجهة أسبابه التي تستدعي معالجات غير أمنية فحسب، بل أكثر تعقيداً لأنه يمر في لحظة اختلاط بين المحلي والكوني تستوجب الدرس. ليس كل عمل هو من أعمال »القاعدة«. فنحن، هنا، أمام »ماركة مسجلة«، وهي، مثل أي »ماركة مسجلة« تعطي »السلعة«... معناها. طالما أن »القاعدة«، كعنوان، موجودة فهي مدخل لأي متطرف كي يقنع نفسه بأنه إنما يخوض في منازلة كونية طرفها الآخر فسطاط الشر الشيطاني.
* * *
ثمة مشكلة اسمها جورج بوش. إنها مشكلة تجعل العالم أقل أمناً. هذا ما يقوله المعلق الأميركي بول كروغمان الذي يتهم رئيسه بتهديد الأمن القومي لأنه بدل محاربة الإرهاب تصرف بشكل يزيده. وهذا ما يقوله ريتشارد ريفز الذي يعتبر أن البيت الأبيض الحالي يكرر المشهد الريغاني حيث كل من فيه يعتبر نفسه أذكى من الرئيس. وهذا ما يقوله نورمان ميلر. يقول الأخير إن كلينتون كان من الذكاء بحيث اختار مساعدين أذكياء جداً ولو أنهم يقلون عنه فتشكلت إدارة من الأكفاء بقي هو نجمها. أما بوش فلم يكن من الغباء بحيث يكرر فعلة كلينتون ويختار من هم دونه. صحيح أنه غبي ولكن ليس إلى الحد الذي يجعله لا يدرك أن اختيار من هم أشد غباء سيعرّض أميركا إلى »حكم البلاهة«.
الأبله يمكنه أن يؤذي الآخرين غير أنه يؤذي نفسه حكماً. أما بوش، على رأس الولايات المتحدة، فالنتيجة أن العالم أصبح أقل أمناً.

21/11/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04314 seconds with 11 queries