الموضوع: قصة الأسورة ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 29/12/2008   #3
شب و شيخ الشباب المحارب العتيق
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ المحارب العتيق
المحارب العتيق is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
جرح الياسمين
مشاركات:
3,677

افتراضي قصة الأسورة 3


قصة الأسورة 3 .. جوليا 1987....ترويها لكم مايا...

ظلام....ظلام......أسود.....أسود
هل جربت تعريف اللون الأسود ؟
هو لون يعمينا . لون يأكلنا . لون يأكل باقي الألوان .

صوت ماء ينسل من الحنفية . نقطة . نقطة . صوت خالها يكبٌر . الماء يجري من الحنفية . أعوذ بالله من الخبث و الخبائث .صوت تمخط . ماء يجري . ثم يتوقف صوت جريان الماء . و تعود النقط . نقطة . نقطة .
صوت الصباح . حيث كل الأصوات هادئة . صوت عجلتي عربة زبال . و صوت نسمة هواء تدخل من نافذة نصف مفتوحة . و رائحة سروة . و رائحة سحاب آخر الصيف و رطوبة أول النهار . و بعد آذان الفجر ستسمعهم يذهبون إلى الجامع ، بأعداد أكثر من أعداد الشتاء . و بعد الصلاة سيبدأ الصف يتشكل أمام "كولبة" الخبز . و أصوات المصطفين . و أصوات خطوات شحاطاتهم فوق الدرج الاسفلتي . و صوت تثائبهم . و صوت سلامهم . و صوت معركة صغيرة بين أحدهم و أحدهم . ثم رائحة خبز .
ظلام . أسود .
تنظر .
سيحبك ناس كثيرون . و ماذا أخبرتها أيضا ؟ البصارة الحمقاء .
للسعادة صوت . و لها رائحة . و ككل صباح تستلقي على سريرها . و تحاول أن تدوخ في غيبوبة . و يسترجع عقلها
" صوت عود ....ثم أم كلثوم
يا روحي بلا كتر أسية .......ما تفرحيش الناس فيا .
جوقة نساء
يا روحي بلا كتر أسية .......ما تفرحيش الناس فيا . "
و تسمع صوت السعادة تنبض في عقلها مع نبضات قلبها . و تشم رائحة كرائحة خشب عود . كرائحة عطر جدتها .
الحمد لله على نعمة الصباح .
ضد قوانين كل العقل و العلم . تستطيع أن تتذكر يوم ولدت . صراخ أمها . و الخبط فوق رأسها و رائحة الدم . و طعم براز في فمها . ثم هدوء . و شئ كالجنة . و يسحبها خارج الجنة نفس يضغط فيها .
هل حقا تتذكر ؟ أم أنهم حكوا لها القصة كثيرا ؟
حكوا لها تفاصيل ولادتها . و تفاصيل موت أمها بعد ساعة و نصف من ولادتها . أخبروها كيف جاء ملاك من السماء ، و حملها إلى فوق .
و كلما أعادوا حكاية الحكاية ، كانت تشم رائحة نظافة . رائحة الصابون و البخار في حمام يوم الجمعة ، و رائحة مسحوق غسيل .
بعد أن كبرت ، و تعلمت أن الأرض كروية ، ظلت تؤمن أن ملاكا حمل أمها إلى الجنة . و لكنها أصبحت تعرف أننا لا نعرف إن كانت الجنة فوق أم تحت .

نهضت . مشت تحاول ألا تتعثر . لم تنظر إلى وجهها بالمرآة. الهواء كان أكثر شفافية . اليوم كان كل شئ أكثر منطقية و أكثر قبولا ، كأنها ماتت و انبعثت .
كلما انقطعت الكهرباء كانت تسمع الناس يلعنون أبا العتمة . و يعلم الله كم كانت تنقطع الكهرباء .
و في ذلك الصباح شئ جديد سيبدأ .
ظلام . ظلام . ظلام . و أسود .
مدت يدها لتلمس أسورة الذهب حول معصمها الأيسر . ناعمة . مجدولة . باردة .
البارحة قضت ساعة مستلقية جانب جدتها . صامتة مثلها . ممسكة بيدها المشلولة . تحاول أن تقرأ أفكارها ، لتدخل ذلك العقل الذي يعرف كل شئ و يتذكر كل شئ . كانت رائحة عنق جدتها كرائحة خوخة تخمرت . و كان هناك ضجيج يأتي من الشارع ، و صوت شجار .
جدتها . و عالم جدتها . و القصص و الحكايا .
تتذكر صوتها تعود ، و صوت أكياسها تفتح . و تخرج من الأكياس تنانيرا و قمصانا و أثوابا ، و لا تتركها حتى تجرب ارتداء كل شئ . و تتلو آية الكرسي فوق رأسها لتحميها من العين . و في الليل . بعد انتهاء "غدا نلتقي" . تحكي لها الكثير . عن أمها . عن خالاتها . و عن البيت العربي القديم . و تذكر في حديثها ألوانا . أصفر .أحمر . أبيض . و تنام في حضنها . و كثيرا ما كانتا تحلمان ذات الحلم .

لا صوت في البيت . لا صوت تلاوة قرآن من غرفة جدتها . لا صوت حركة لخالاتها . لا صوت معركة أو حزن . غرفة الجلوس صامتة . الحب صمت . الموت صمت . الإيمان الحق فعل صامت .
و صوت جدتها يدعو : الله لا يوفقه . الله يكسر أيده .
أن تكوني ابنة مدحت رسول .
" قول يا قلبي . قول يا أملي . قول مخبي علي أيه . "
و تتذكر يد أبيها تصفعها . و تشد شعرها . و تركض لتهرب . و تتعثر و تقع . و حزامه يجلد جسدها الصغير ، و فوقها يقع كنان ليتلقى بضع الجلد عوضا عنها . و عبد الحليم ما زال يغني " لو في قلبك شكوى مني ......اشكي مني ...لوم علي . "
عندما تغني . يسكت الجميع . تغمض عينيها . تسمع صوتها فقط ، و تسمع أنفاسهم . و كالعادة خالتها ناهد ستبكي . و تغني و تغني و تغني . و كنان إلى جانبها . يجلس إلى جانبها . يمسك يدها . و يذوب معها . تغني ليسمع .
غضب الله عليها . أغضبت الله كثيرا . و عندما كانت تغني ، كانت تشعر أن الله يكلم قلبها و يغفر لها .
كتب لها كنان أربعمئة و سبعة عشر أغنية ، و كلها تدور عن الحب . و في الليل ، تلحن أغانيه ، و في النهار تغنيها له . و أبوها يعود ، أو لا يعود . لا يهم .
تتذكره . كنان . أكبر من مجرد أخ وحيد . كنان شئ يسكن كل ساعات يومها . بل هو الشئ الوحيد الذي سكن كل ساعات يومها . هو و جنونه و شعره و حزنه و اكتئابه و نوبات بكائه و محاولة انتحاره . كنان . الذي تشكل عنده حادثة دهس صرصور مأساة وطنية . كنان . الذي كان يتحدث في أذنها . و تسمع .
كان هو الوحيد الذي الذي يصدق قدرتها على معرفة المستقبل . و كان هو الوحيد الذي شعرت به يكبر . وجهه الأملس تنبت عليه ذقن و شوارب و يتحول إلى شئ خشن لذيذ كمبرد أظافر . و رائحة عرق تنبعث منه . و جلده بات له رائحة . و شحاطته أصبحت أكبر من قدمها بسبع نمر . و يده التي تمسك يدها أصبحت كبيرة ، تبتلع يدها . و قبضته قوية ، توقف جريان الدم إلى أصابعها ، و تشعر بالنمل و الخدر . و عضلات ذراعيه تضخم . يعانقها كلما بكت ، و تشعر به عملاقا يكسر عظامها . و عندما يبكي ، كانت تضم رأسه الكبير ، و تمسح شعره الناعم الكثيف . لا ترى دموعه ، و لكنها تحس برطوبة تبلل قميصها . و تغني له . أسمهان . فيروز . و كان يسكت . و غالبا ما كان يعود مرة أخرى لحضنها بعد ساعة أو ساعتين ، ليسمعها أغنية جديدة .
و في الليالي . وحيدة في غرفتها . و ظلام . ظلام . ظلام . تغمض عينيها . كل عضلة من عضلات جسمها ، من العنق حتى أصابع قدميها تسترخي . و ملمس بيجامتها ناعم . و تتخيل رائحة جلده ، تتخيل يده ..كفه فوق ثديها . و تفك أزرار بيجامتها ، و تقرص أصابعها الدقيقة حلمتها ، تقرص أقوى و أقسى . تستمر بالقرص حتى يصبح لألم لا يطاق . و كلما أزداد الألم ، تزداد المتعة . و يدها الأخرى ممتدة داخل بنطلون بيجامتها .
أشكال كثيرة من الألم تثيرها . يثيرها أن تجلد بطنها بفرشاة الشعر . يثيرها أن تحرق أصبعها بنار قداحة . يثيرها أن تقرص باطن فخذها ، أو تشرطه بشفرة مقص . يثيرها أن تتذكر كيف يضمها كنان . و كيف تسمع ضربات قلبه . يثيرها أن تتخيله يرميها أرضا ، و يربطها ، و يجلدها بحزامه و يركل بطنها بقدمه و حذائه مقاس 46 .
و مع الصباح تستيقظ . و تتمنى لو كانت ماتت . ما أصعب أن يثير قرفك و غثيانك عفن عقلك .
تستغفر الله . تستغفر الله . تستغفر الله . ثم تستغفر الله أكثر . تغتسل . تتوضأ . تصلي . تتوب . تقسم على المصحف ألا تعود . تطلب من الله ألا يجعلها تعود . تدندن على عودها لحن أغنية جديدة . أبوها يود ، يصرخ ، يضرب ، يكسر ، يغادر . و كنان إلى جانبها .
و مع الليل ، تعود إلى خطيئتها . تمارسها بكل اللذة ، بينما كانت تبكي . تعلق ملاقط غسيل على حلمتيها و فرجها . و تبكي و تبكي . تتمنى لو يبقر أحدهم بطنها ، أو يضغط على عنقها لتختنق و تموت . و يبكيها قرفها ، و مع البكاء تسترجع ملمس الشعر فوق ذراعيه ، و قوة عضلات صدره ، و صوته يهمس لها بأغنية ، و تزداد لذتها . و تنكث بيمينها .

الماء يجري من الحنفية . و يداها تعبثان بالماء . تتحسسه . باردا ثم أقل برودة ثم دافئا ثم حارا يكاد يحرقها .
"نويت الوضوء لله تعالى ."الجميع أخبروها أن صوتها عندما تغني حلو جدا . و هو كتب لها يوما أن صوتها أحلى من تمرة مغطسة بعسل .
كتب لها يوما : أنت ذوبت قمري و نجمي ....و لونت سمائي باللون الفضي ...أنت سري و قري .... هزيمتي و نصري ....ملاكي ....معجزتي ...وردة و ياسمينة في نبضي .
و عندما كانت تصلي ، كانت ترتل القرآن . و كانت تنظر إلى الأعلى ، إلى سقف الغرفة ، و لا ترى سقف الغرفة ، و لكنها تعلم أنها تنظر في أتجاه الله . ، و تعلم أن الله فوق . و أن الله كان أعلى و أعلى و أعلى . و تشعر أنها كانت تدنس سجادة الصلاة الناعمة تحت قدميها ، و أنها تدنس الوضوء و الصلاة ، و هي الدنسة .
تقرأ المستقبل . أخبرت أخاها أن أبا عبد الكريم لن يعود ، و أخبرته أن جدهم سيموت ، و أخبرته أن جدتها ستعيش مشلولة لأربع سنوات . و لكنها لم تخبره أن قلبه سيحزن ، و أن غربة ستأكله .
تقرأ المستقبل ، و لكنها لم تعرف أن ذلك سيحدث . شعرت أن شيئا سيحدث ، و لكنها لم تصدق أنه يمكن أن يحدث .

تغسل يديها ثلاثا . تتمضمض ثلاثا ، تستنشق و تتمخط ثلاثا ، تغسل وجهها ، تغسل ذراعها اليمنى ، تغسل ذراعها اليسرى .
كم تحب الله . الله . الله . الله . يا رب .
في أذنها صوت نجاة الصغيرة . في أذنها فقط . و تغني .
طوت يد الفجر ستار الظلام ....فانهض و بادلني حديث الغرام .
على شاطئ البحر . و رطوبة قاتلة . و رائحة عشب البحر و السمك الميت . و لدغة ناموسة على ذراعها اليسرى ، تحكها . تستند على جدار . و شعرت بأنفاسه ، و بشفته تقبلها ، و بطعم ملح البحر فوق شفتيه ، و رائحة زيت البحر .
توقف كل الغناء . أصبح لصوت أم كلثوم نجاسة بول كلب . و لموسيقى عود نجاسة دم طمث . و توقف كل الغناء . و توقف عقلها .
خرجت إلى بلكون بيتهم بالطابق السادس ، تخطو وسط الظلام ، تمد يدها لتلمس الدرابزين الفولاذي البارد ، و تتمنى أن تتعثر و تقع ، و لكنها لا تتعثر و لا تقع .
لم يعد يكتب قصائد ، و لم تعد تسمع ، و لم تعد تغني . و خالاتها و المشاكل دائما .......و لا شئ غير الظلام .

ظلام .....ظلام .......أسود .....أسود .
اليوم استيقظت لتجد أنها سعيدة . أكثر الناس سعادة .
أن تكوني ابنة " مدحت رسول " ؟ أن يكون صوتك جميل ؟ أن تكوني عمياء ؟
البارحة في المنام سمعت صوتا . كان الصوت يأتي من مكان ما . أخبرها الصوت أنه الله . و رأت ضوءا ، شيئا باهرا رائعا ، لأول مرة ترى شيئا غير الأسود ، أخبرها الصوت في عقلها أن هذا هو الضوء . لأول مرة تعرف أن تعرف الظلام . و رأت في نفس المنام ضوءا مختلفا ، حارا لاذعا ، لطيفا ، له طعم حلو و ملمس لزج ، و أخبرها الصوت أن هذا اللون الأحمر . و رأت ضوءا هادئا طريا ، محا كل الأضواء الأخرى ، و لم يبق إلا هو ، كان ضوءا له رائحة حب و له صوت عندليب ، و أخبرها الصوت أن هذا اللون الأزرق . و ضوء آخر يجعلها تشعر بحب الله ينبض فيها ، لضوء الأخضر ، له رائحة تراب ، و له رائحة ياسمينة خالتها نجلا . و عاد الضوء الأول ، له رائحة منديل جدتها ، و له صوت موسيقى ، و فيه هدوء و ضجيج ، و معه ننسى و نتوه و ننام و نصح ، و أخبرها الصوت أن هذا الضوء الأبيض . و أخبرها الصوت أن هذا هو صوت الله . و أخبرها الصوت أن الله يحبها ، و أنه غفر لها ، و أنها ستعيش طويلا ، و أخبرها الصوت عن بيتها في الجنة .
و عندما استيقظت ، عادت عمياء ، و لكنها أصبحت تعرف الألوان .
يشترون لها ثيابا ، حمراء ، زهرية ، بنية ، صفرء ، سماوية . و هي لا ترى غير الأسود ، و لا تفهم غير الأسود .
اليوم أصبحت تعرف الضوء و تعرف الألوان ، و تعرف تعريف الأسود .
قررت الإقلاع عن الغناء . لا شئ أجمل من ذلك الصوت الذي سمعته . قررت هجر العود .
مسحت شعرها بالماء .
و هذا الشعر .
ظلام . أسود .
" في ذلك المساء ، ركضت ، قبل أن تشرق الشمس . فمع الفجر يعود صيادوا أوغاريت."

الفهيم بيريح

لك تاري الحمار لو شو ماسلموه بيصدق حالو وبدك تناديلو سيد حمار
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07184 seconds with 11 queries