الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 25/09/2006   #55
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


خريف البطريرك



"خريف البطريرك" موسوعة تعج بأغاني الساحل الكولومبي وألحانه، حيواناته وأعشابه، طرائفه ومآسيه، قصص حب وهمية وحقائق دموية، سحر وتعاويذ، مآدب من لحم بشري مبّل، وبحر يباع قطعاً مرقّمة. رواية مفزعة يتجاوز بها غابرييل غارسيا ماركيز حدود أمريكا اللاتينية، ودكتاتور كلّي الوجود يعلن حالة حرب على كل منافسيه، من الأطفال إلى الكرسي البابوي في روما... حيث يقول في ذروة خريفه، عاش أنا... يموت ضحاياه: أطفال ومعارضون، رجال دين ومتمرّدون، هنود وهندوسيون، عرب ومضطهدون آخرون. عاش أنا، يقول. غير انه في النهاية يجد نفسه وجهاً لوجه مع الموت في صفحات رائعة يكثف فيها ماركيز الوجه الآخر للحياة، الحياة التي لم يكن البطريرك يراها إلا من القفا، قبل أن ينتهي زمن الأبديّة الهائل، وقبل أن تدق أجراس الحبور وتعلو معزوفات التحرّر، ومنذ طفولة البطريرك إلى توليه السلطة أو، بالعكس، منذ توليه السلطة إلى طفولته الأولى التي نتعرف عليها مندغمة ومتزامنة مع طفولته الثانية، حسب تسلسل الأحداث وتداخلها في الرواية، يوجد زمن مغلق هو الحيّز الذي تدور فيه أحداث رائعة ماركيز هذه. حركة دائرية مغلقة ونشيد مذهل ضد الدكتاتورية، بأسلوب يجمع بين الشعر والموسيقى والسيناريو السينمائي.

تعود بداية الأحداث في الرواية إلى الطفولة الأولى للبطريرك ـ وهو الأسم الوحيد الذي يشار إليه في الرواية ـ اثناء فترة العهد الأخير لنظام النيابة الملكية لأسرة ( غودوس ) ، وتندلع بعد حروب الاستقلال حرب أهلية بين الليبراليين من جهة والمحافظين من جهة أخرى لمدة زمنية تتراوح تقريباً احدى عشرة سنة ينتزع من خلالها السلطة ما يقارب أربعة عشر جنرالاً الواحد تلو الآخر ويكون في آخر هذه السلسلة من الجنرالات جنرال مستبد بصورة تفوق المعقول ويمتلك نزعة قوية إلى حد ما ، تجرأ مرة على ان يرفض شروط ومطالب الأنكليز ، لكنه في نهاية الأمر يقدم على الأنتحار مع كافة أفراد أسرته على أثر حركة مسلحة كان قام بها ضد البطريرك بايعاز وتوجيه من الأنكليز أنفسهم وهكذا تمت العملية إلى ان تم ـ بواسطة الأنكليز و القوات المسلحة ـ تعين وتنصيب البطريرك وهو الشخصية الأمية والدموية والمستبدة والمنعدمة الضمير قائداً ورئيساً لهذه الجمهورية .
حين وصل كان الوضع الاقتصادي ، السياسي ، والحياتي العام يسير من سئ إلى اسوأ تعرض إلى بعض المتاعب ومع هذا تم تخليصه وإنقاذه بفضل جهود ومساعدة الأمريكيين الشماليين شريطة منحهم الحق الدائم في مسألة استثمار الثروات الكثيرة والمدفونة ولذلك نرى ان البطريرك قد بقي على سدة الحكم و سيطول بقائه بفضل تمتعه بحاسة شم تسمح له بان يحس الخطر في الوقت المناسب والمكان المفترض ولذلك نرى ـ أيضاً ـ ان ردة فعله تاتي بقسوة غير منتظرة وحجته و دليله لهذه المسألة هو منطقه الذي لا يقبل الجدل في الدفاع عن سلطته و حكمه و حياته وصولاً إلى حاشيته..ثم تتكرر المناورة / المحاولة بشكل دوري كلما خرج منتصراً من الكمائن المنصوبة و محاولات الأغتيال العديدة التي تعرض لها من كل حدب و صوب و حين يحاول بطريقته المخاتلة و المخادعة أن يذيع بياناً يتحدث فيه عن نواياه الطيبة القادمة او يعلن تصريحاً ما يمنح فيه العفو حتى تنطلق من جديد أساليب القمع بصورة أكثر وحشية مما كانت عليه سابقاً و هناك مثالاً من ضمن الأحداث التي تجري في الرواية ، تلك المتمثلة بعملية اليانصيب التي تحاك بهدف ازاحته و إسقاطه .. فلكي يبقى رقم البطريرك فائزاً / رابحاً على الدوام كان يعمل عند كل سحب للبطاقات احتجاز طفلين و يلقى بهما في غياهب سجونه وبمثل هذه الطريقة أختفى ما يقارب الألف طفل وهنا يبدأ الأهالي بالاحتجاج مطالبين الرأي العام بتفسيرات لما يحدث وباطلاق سراح هؤلاء الصغار وعندما يعلم البطريرك بما يجري يعمد إلى تفجير المركب الذي حشر فيه هذا العدد المأهول من الأطفال و هو في عرض البحر و على أثر هذه القضية يكتشف فجأة أن شخصية ( رودريغو دو اغيلار ) هذا الشخص الذي منحه و وضع فيه ثقته هو العقل المدبر الأول لكل هذه المؤامرة المحاكة ضده فيقدم

إلى وضعه في الفرن لشيه و تقديمه لاحقاً على طبق من الفضة إلى كل الجنرالات المشتركين و المتورطين الذي يجدون أنفسهم مضطرين لأكله خلال أحدى حفلات العشاء السرية الضخمة التي كان يقيمها البطريرك بين فترة و أخرى .
ثمة آلية غريبة تحصل داخل الرواية تميز عهد هذا البطريرك تتمثل بعملية تقسيم و توزيع الثروات بوصفها كما يعتقد ملكية خاصة لهم ـ أعني الحاشية و من معهم خصوصاً أمه (بندئيون الفارادو) التي أعطاها بمرسوم ملكي صفة قديسة الوطن ـ على الرغم أنهم في لحظة من اللحظات الكثيرة كانوا يتمنون التخلص منه بشتى الطرق التي قد تتاح لهم بسبب عناده و تخلفه الذي يهدد ـ كما يتصورون ـ استقرار الحكومة الذي قد يجعل حدوث انفجار ما ممكناً نتيجة حالة الاستياء العامة التي يشعر بها المدنيين و العسكريين على حد سواء أو لنقل بصورة متفاوتة ، و بعد مرور أكثر من قرن من الحرائق و القتل و التنكيل و التسلط يستنفد الوطن كل ثرواته و قواه و لم يبق سوى البحر الذي يجد البطريرك نفسه مضطراً للتنازل عنه للامريكيين الشماليين الذي يهددونه دائماً بعملية انزال جديد ( للمارينز ) و حين يموت البطريرك في نهاية الامر هرماً و وحيداً يبقى الخوف من رؤيته منبعثاً من جديد مصدر قلق و توتر ، ـ من جهة عودته مجدداً و عدم تصديق رحيله من جهة مقابلة ـ ، و حين يصدر الاعلان التالي : ( نعلن للملأ الخبر السار بان زمن الأبدية قد بلغ نهايته ) حتى يتفجر الفرح .
مما تقدم من الحديث نستطيع أن نقول مرة أخرى بأن شخصية الدكتاتور في رواية خريف البطريرك هو النتاج الحتمي / البديهي للجهل و العنف و القسوة التي يمكن أن يبلغها رجل معتوه عندما تضعه الظروف على رأس السلطة و الواقع أن البطريرك هو ضحية أخرى يمكن أن تضاف إلى الضحايا التي يحكم عليها هو نفسه بالموت فكل هؤلاء الذين معه تجرفهم سيرورة واحدة لا غير ، سيرورة الانحطاط التي تضع هذا البطريرك بالصدفة في السلطة ، أن هذه الرواية هي ترجمة دقيقة لحيثيات الواقع القمعي ، السلطوي و الأيديولوجي بغض النظر عن المكان أو الزمان ، الشئ الوحيد الذي يتغير هو أسماء الطغاة و عدد ضحاياهم الجدد .
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg patriarch.jpg‏ (5.0 كيلو بايت, 1 قراءة)

I am quitting...

آخر تعديل butterfly يوم 24/11/2006 في 11:16.
 
 
Page generated in 0.04350 seconds with 12 queries