عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #34
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


المنطقة في مهب جذريتين



الإعصار الذي سيضرب المنطقة يتشكل من التقاء رافدين: الجذرية الأميركية والجذرية الإسرائيلية. وإذا كان هناك من يخطئ في تقدير قوته فلأنه يرفض الاعتراف بأننا أمام أميركا جديدة وأمام إسرائيل جديدة وأمام صيغة جديدة في العلاقة بين الطرفين.
ان الادارة الحاكمة في واشنطن هي، في الوقت نفسه، الأكثر يمينية منذ عقود والأكثر عدوانية. ويدلّ مشروعها للميزانية على نوع من الانحياز الاجتماعي ضد الفقراء يودي بكل ادعاءاتها عن »المحافظة ذات الوجه الانساني«. فالاقتطاعات من ضرائب الأغنياء لا يوازيها إلا الخفض في التقديمات للفئات الأكثر هشاشة. وتأتي الزيادة الصاروخية على نفقات الدفاع من أجل ان تلغي فوائض بيل كلينتون لتعيد الولايات المتحدة الى عصر العجوزات في الميزانية.
والسياسة القائمة على التفارق الاجتماعي الداخلي، أي على التغليب الأناني لمصالح الأشد ثراء، تنعكس، في الخارج، أنانية قدمية لا يسلم منها أقرب الحلفاء في أوروبا القديمة و... الجديدة. وبعد ان تمادت واشنطن في ازدراء الاتفاقات الدولية ها هي تقدم، في مجلس الأمن، نموذجاً عما تعتبره التعدد والتشاور. فالالتحاق بها، وكسر إرادة المختلفين معها، والانتقال من الارجحية الى السيطرة هي معالم السياسة التي يراد لها ان تقود العالم.
لا بد من قول ما تقدم في ظل عناد المتوهمين بالديموقراطية القادمة الى العراق أولاً، والى العرب والمسلمين تالياً، عبر سياسة البوارج والحروب التي لا ذكاء فيها الا في ما خص بعض الأسلحة. لن تشذ توجهات بوش عندنا عن غيرها ولن يعاملنا بأفضل مما يعامل القسم الأكبر من مواطنيه. وهو قادر، الا اذا دفع ثمناً باهظاً، على انقاذ قدر من التماسك
الداخلي مستنداً في ذلك الى كتلة شعبية متطرفة ومشبعة بأفكار »الثورة المحافظة« التي أوصلت رونالد ريغان مرة الى السلطة.
وتجدر الاشارة، برسم من يعتقد ان الادارة، وبعد العراق، ستجعل اقامة الدولة الفلسطينية أولوية، ان بوش، وفي سياق الحرب المقتربة، سيفتتح معركته الانتخابية لولاية ثانية.
لقد كانت هذه المرحلة، على الدوام، مرحلة تقارب بين رئيس الولايات المتحدة واسرائيل ولكنها، هذه المرة، ذات طعم خاص.
ينوي بوش، في ما تبقى له من وقت، حسم قضية الصوت اليهودي لصالح الحزب الجمهوري واليمين الصلب. وهو حقق خطوة في هذا الاتجاه في الانتخابات النصفية للكونغرس. ويعتزم تصديق استطلاع الرأي القائل ان يهود أميركا سيقترعون لصالحه ولو كان منافسه السناتور اليهودي (المحافظ) الديموقراطي جوزف ليبرمان، ولمن يعرف القليل عن السياسة الداخلية الأميركية فان كسب الجمهوريين معركة الصوت اليهودي يعني إلحاق هزيمة مديدة بالحزب الديموقراطي وانشاء واقع سياسي جديد في الولايات المتحدة يقوم على حرمان اليسار الليبرالي من نسغ أمده، طيلة عقود، بحيوية متجددة. ويلتقي توجه بوش هذا مع تحولات سوسيولوجية وايدلوجية تعيشها الأقلية اليهودية في أميركا وتدفع بها الى وسط المشهد السياسي ويمينه وتجعلها تقترب، أكثر فأكثر، من المعسكر القومي المتشدد في إسرائيل. وليس صدفة، والحالة هذه، ان تكون النواة الصلبة لمفكري المحافظين الجدد في الولايات المتحدة متشكلة من يهود متحدرين من أصول يسارية.
لم تخف إدارة بوش انها تفضل شارون لرئاسة الحكومة. تأجيل الاعلان عن خريطة الطريق. الوعد بضمانات القروض. والأهم من ذلك تعيين إليوت ابرامز في مجلس الأمن القومي مشرفاً على ملف الشرق الأوسط. والرجل، اذ يتطلع الى شارون، يرى في المحارب الاسرائيلي قامة تشرشل ويعتبر ان أفضل وسيلة لدعم اليمين في تل أبيب هي تمتين التحالف بين يهود أميركا واليمين الأقصى فيها.
ان ادارة من هذا النوع لن تكتفي بوضع اليد على العراق ولكنها ستعمل على خفض سقف التطلع الفلسطيني الى أدنى مستوى ممكن.
تلتقي هذه الجذرية مع جذرية اسرائيلية واضحة للعيان. وربما كان علينا ان نتساءل عما اذا لم تكن الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة مفصلاً هاماً في تاريخ الدولة.
لم يطل الحديث عن »ما بعد الصهيونية« حتى حققت الصهيونية، في صيغتها الأقرب الى التحريفية، انتصاراً. ولعله من الواجب قراءة الحصيلة في المصير البائس لما يسمى اليسار سواء في شقّه الذي شارك في حكومة الوحدة الوطنية (العمل) أو في الشقّ الذي عارض (ميريتس) ولقد كان ملفتاً ان الدرس الذي استخلصه يوسي سريد من هزيمة حزبه هو أن السبب يعود الى عدم اعلاء الصوت كفاية ضد... ياسر عرفات. ويخدم هذا الدرس في تنبيه من يهمه الأمر الى ان المقترعين لم يكونوا يردون على العمليات الاستشهادية فقط وانما على الحركة الوطنية الفلسطينية بمجملها وعلى »الخونة« من بينهم الذين ارتكبوا... اوسلو!
منذ أواسط السبعينات واليمين صاعد في اسرائيل. وأدت المحاولات المتعثرة لما يسمى اليسار (رابين، باراك) الى تأكيد هذا الصعود. فالأمر يعود الى تحولات ديمغرافية جدية (راجع انضمام ناتان شارانسكي وحزبه الى »ليكود«) والى شعور متزايد بالقوة المانعة لأي »تنازل«.
إن يميناً إسرائيلياً معيناً يصعد الى موقع الهيمنة في المجتمع. وإذا كان شارون حلّ أولاً بين الجنود فإن الملفت هو أن عميرام متسناع حل ثالثاً. ولهذا التحول صلة بتيارات عميقة في المجتمع وبحساسية خاصة تشده الى ما يجري في العالم والى التموضع المستجد للدياسبورا اليهودية على يمين الخارطة السياسية في كل بلدان العالم.
عصب الحركة الصهيونية الذي أسس الدولة وادارها لفترة ينتمي الى البنية الشوفينية في الحركة العمالية الأوروبية. وتحديداً الى هذه الحركة في أوروبا الوسطى والشرقية (دولها أكثر انحيازاً الى بوش من أوروبا الغربية) حيث القوميات مأزومة وحيث البديل عن »اليسار الشوفيني« حركات عنصرية حادة مثل جابوتنسكي الترجمة اليهودية لها وشكلت الفاشية مرجعها.
وعاشت دولة إسرائيل لعقود في ظل استقطاب دولي واحتلت مكاناً مميزاً في قلب الاشتراكيين الديمقراطيين الأوروبيين الذين رفضوا الاعتراف بأن الكيبوتس ليس ناظما لحياتها.
لم نعد اليوم أمام شيء من هذا القبيل. ولذا فإنه من المسموح لنا القول بأن نتائج الانتخابات الأخيرة قد تكون مؤشراً الى تأسيس جديد لدولة إسرائيل يستند الى التحولات الداخلية والدولية ويحاول الاستفادة من المعطيات الإقليمية التي ستتولد عن الحرب الأميركية على العراق ومشروعها للتغيير »الجذري« في الشرق الأوسط على حد وصف كولن باول أمس الأول.
كتب ديفيد غروسمان: »انتصر شارون لأن أكثرية الإسرائيليين تعتقد أنه سيضرب الفلسطينيين بقوة أكبر«. وهو سيفعل ذلك مدركاً أن جذريته المعبرة عن »اعتقاد« الأكثرية لن تصدها الولايات المتحدة ولن تقف في وجهها »خارطة طريق« نعاها سلفا ولن يحرص أصحابها عليها كثيراً.
إن واحدة من هاتين الجذريتين كانت كفيلة بالنيل من الضعف العربي الاستثنائي، رسمياً وشعبياً... فكيف إذا التقتا وضربتا معاً؟

8/2/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05858 seconds with 11 queries