ولعيون فادي ...
منحكي عن نيكوس والشيوعية ....
كازنتزاكيس والشيوعية
غادر كازنتزاكيس فيينا إلى برلين ، وهناك فوجئ بالوجه الآخر للعالم متمثلاً بالظلم والفاقة والخوف ، وأخذ يتعرف على هذه المدينة فصار يسير في شوارعها وأزقتها الفقيرة ، ويرى عن قرب الفقر والجوع والعطالة . ثم تعرف على عدد من الأصدقاء اليهود ، و فهم سبب كراهيتهم وعدائيتهم للعالم ، ولكنه لم يستطع تبرير استمرار هذا الشعور بالحقد ، مؤمناً بالمبدأ البوذي الذي يقول بأنك إذا قابلت الكراهية بمثلها فلن يتحرر العالم من الكراهية .
إلا أن كازنتزاكيس في هذه المرحلة أدرك أن العالم ليس كما يصوره بوذا كسلسلة من الأطياف العابرة ، وأن العذاب والأفكار والحب و الكراهية ليست مجرد أوهام ، بل إن العالم هو صراع دائم وأزلي يخوضه الإنسان بدمه ولحمه وعرقه لانتزاع حريته والدفاع عن وجوده . وبدأ شيئاً فشيئاً يعي أهمية التجربة الثورية ونضال الإنسان لتحقيق الحرية والعدالة .
وسافر كازنتزاكيس إلى روسيا ، وهناك أُعجب بلينين وبالتجربة الاشتراكية . يقول كازنتزاكيس عن لينين :
" لقد كان هذا الرجل مسيحاً أيضاً ، مسيحاً أحمر .... كنت أفكر وأنا مليء بالإعجاب ، كم كافح هذا الرجل ، وكم تحمل في منفاه .... لقد كانت روسيا بقراها ومدنها وسهولها الفسيحة التي لا تحد تصرخ وتطالب بالحرية ، ولأنه كان روح روسيا الأقوى وبالتالي الأكثر مسؤولية ، آمن بأنها كانت تناديه وتلقي عليه مسؤولية تخليصها "
لقد أثرت التجربة الشيوعية كثيراً في حياة وفكر كازنتزاكيس ، ودفعته إلى إعادة النظر في صراعه الطويل مع اللامرئي وانكبابه على النظريات والأفكار الفلسفية والوجودية حول الله والإنسان والخلود ، والبحث عن إجابات شافية لكل تساؤلاته ، ودفعته إلى الاهتمام بقضايا عصره الهامة والمصيرية ، وإدراك مدى أهمية فهم كل إنسان لأزمات عصره واحتياجاته . لقد وجد كازنتزاكيس أن التجربة الروسية كانت نموذجاً وضاءاً في تاريخ البشرية وعلى جميع شعوب الأرض أن تقتدي بها ، لأنها حررت الإنسان من الخوف والظلم وجعلته يشارك في بناء مستقبله . يقول كازنتزاكيس :
"سعيد هو الإنسان الذي يسمع صرخة عصره ، فلكل حقبة صرختها الخاصة بها ، وعليه أن يعمل بالتعاون معها ليجد الخلاص ... إن على كل شعب وكل فرد مسؤولية جسيمة في عصرنا هذا غير المبتوت في أمره وغير المتبلور ، ... وإن واجبنا أن نميز بدقة اللحظة التاريخية التي نعيشها وأن نزج بقدراتنا الصغيرة في معركة محددة ، وكلما كنا على هيئة التيار الذي يدل على الطريق استطعنا أن نُعين الإنسان في ارتقائه الصعب غير المؤكد والمحفوف بالأخطار نحو الخلاص "
آخر تعديل butterfly يوم 24/11/2006 في 09:58.
|