3 تموز
حدث ذلك مساء يوم جمعة , و أنا أحاول تركيز ذلك المركع لأبدأ فحص الضمير المسائي . فأحسست , كما بنوبة قلبيّة , بوعي عميق لوجود الله فيّ . ما من أحد يستطيع أن ينقل اختباره الشخصي إلى إنسان آخر , وجلّ ما يمكنه أن يفعل هو تقديم تفكيره حول ذلك الاختبار . إنّ هذه حقيقة لا شكّ فيها . و ما أتسطيع قوله , محاولاً إشراككم في اختباري هذا , هو أنّني أحسست و كأنني " بالون " يمتلئ فجأة من نسيم لذّة وجود الله المحبّ , و يمتلئ إلى حدّ التمزّق , فشككت في قدرتي على تحمّل المزيد من نشوة ذلك الانخطاف .
شعرت في عمق أعماقي أن الله أستوقفني و تملكني . و أنا أتكلم إليكم , تزداد قناعتي ترسخاً بعدم قدرتي على إشراككم حقاً في ما أحسست به . فكل اختبار شخصي هو حقاً أعمق من أن ينقل إلى آخر , و نقل اختبار لقاء الله , في عُمقه , أصعب بمقدار ما يصعب على الإنسان فهم سرّ الله . فالله لا زمن يحدّه و لا مكان , و ما من عقل بشري قدر أن يحيط بعظمته الامتناهية . و لمسات ألوهيته تلك , التي تنقلنا لبضع لحظات قصار إلى جواره , لا يمكن لكلمات بشر أن تعبّر عن حقيقتها . كل ما يمكنني أن أقول لكم هو أنّه استوقفني و تملكني .
و إذا كان هنالك من شهر عسل في علاقة الإنسان بربّه فذلك دام طيلة السنة التي تَلَت اختباري هذا .كانت لمسات يده تتردد عليَّ من وقت إلى وقت , و كانت دائماً تفاجئني , فتخلق في قلبي بهجة لا وصف لها . و حدث أن قرأت في تلك الفترة , و للمرّة الأولى , قصيدة لجيرار مانلي هبكنز Gerard Manley Hopkins , فكأني بها التعبير الشعريّ الصحيح عمّا كان يجول في نفسي :
" لقد كلّمتني
يا الله ! يا معطي الخبز و الروح
يا مَن يخطّ للعالم حدوده و يكوّن للبحر أمواجه
يا سيّد الأحياء و الأموات
لقد حبكت منّي العروق و العظام
و كوّنت جسمي
و لمّا أوشكت , في فزعي
أن أشوّه ما فعلت
هرعت إليَّ بلمسة خلق جديدة من عندك
و إذا بي أشعر مرّة أخرى بلمسة لطف يدك
و أعود فألتقيك " .