الموضوع: أسبوع وكاتب - 3
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/02/2009   #6
صبيّة و ست الصبايا butterfly
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ butterfly
butterfly is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
قلب الله
مشاركات:
14,333

افتراضي


الفن الميت هو فن موتى، يكتبه موتى ويتلّقاه موتى

حاوره سعيد البرغوثي
دار كنعان للدراسات وللنشر

* تعمّد الغموض في الشعر.. كتعمّد الوطنية.. وتعمّد البذاءة

** في أعمالي أبحث عن الصلة غير المرئية في النفس البشرية.
يقول مظفر النواب: »قليل من الناس من يترك في كل شيءٍ مذاقاً«.. وممدوح عدوان واحد من هذا القليل فهو الشاعر والكاتب المسرحي، والكاتب الدرامي والصحفي.. والمترجم..
والمثقف الصاخب، الحاضر دائماً بحيوية يُحسد عليها وفي كل هذا وذاك هو ممدوح – الإنسان الذي يترك نكهته بكل ما تلمسه أصابعه، وبغض النظر عمّن يقف إلى جانبه أو ينتقده، فالكل يسلّم له هذا الحضور الإبداعي والثقافي المشّع الذي امتلأ عبر السنين ألواناً وتنوّعاً، وخبرةً، وعمقاً، حتى بات واحداً من أعلام المشهد الثقافي السوري.
في هذا الحوار يلقي عدوان الأضواء على خلفية هذا التنوّع – الهاجس الذي لم يُشبع نهمه بعد إنجاز ستين كتاباً، لكأنه يريد أيضاً أن يطير ويرقص ويغني ويمثّل بجسده وروحه كي يعبّر عن هذا التوق الجارف للتعبير بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.

* لنبدأ من الماضي، ونتكلم قليلاً عن المكان.. عن الطفولة.. عن البدايات؟! وعن منابع »الوحشة« في أعمالك الأخيرة؟

** حين تكون فتياً، تتوهم أنك تصنع نفسك، وأنك تبني هذا الكيان، الذي هو أنت، عبر جهدك الخاص، بالقراءة والكتابة والمتابعة والتجربة. بعد أن تهدأ الفورة. ويخلد الإنسان قليلاً إلى نفسه، يكتشف داخلها مكوّنات قد تجاهلها، وكلها من مؤثرات الماضي. من الأب والقرية، والطفولة، وأيضاً من الفلكلور والتراث.. مجموعة أشياء مترسبة في النفس هي التي تعطيك خصوصيتك، دون أن تدري.

كل واحد من أبناء جيلنا يتذكر تلك القرية، وذلك الزقاق، أو ذلك الجبل وتلك الشجرة، ويسبح في ذلك الماء الوسخ، الآسن، الذي كان يعتبره بحراً. لقد كنا نعيش مع الطبيعة كجزء منها، الفاجعة الآن هي اكتشافنا أننا في اللامكان لأن المكان أُلغي ولم يعد له حضور إلاّ في الذاكرة، هذا الكلام ينطبق على طفولتي في قريتي، وقد ينطبق على فلسطيني يحلم بفلسطين، هذا الفلسطيني حتى لو عاد إلى فلسطين، فسوف يرى فلسطين أخرى غير التي حلم بها، وبالتالي هو يحلم بشيءٍ لم يعد موجوداً، لأنه بمعنى ما، يريد أن يعود لكي يعيش الحلم، وكأنه يريد العودة إلى رحم أمه، وهذا مستحيل.

أعتقد أن أحد أسرار، أسْر الرحابنة لنا، هو تمسكّهم بهذا الماضي، وكأنه موجود فعلاً، فهم غنّوا للقرية عبر وهم أننا في القرية، ولكن في الواقع، لا القرية موجودة، ولا طفولتنا موجودة.

أما »الوحشة« التي أتيت على ذكرها، ربما ناجمة عن إحساسٍ بالخواء، فأنا الآن، في عمرٍ بدأت أحسُّ معه أن المستقبل مغلق، والماضي الذي اكتشفت أنه كونّني، باقٍ فيّ كندوب، وكلُّ ما أحنُّ إليه لم يعد موجوداً، وحتى ما هو موجود، مثل الأب الذي أخاطبه في ديواني الأخير: »وعليك تتكئ الحياة«، أتمنى أن يموت، وهو محتفظٌ بكرامته، لأنني لا أريد له أن يُذّل، كما هو حاصل معنا، فنحن نخشى أن يمضي الحال بنا نحو الأسوأ.

* تذكّرني بمطلع قصيدة لسلمى الخضراء الجيوسي، تقول فيها عند زيارتها لمدينتها صفد: »غريبة أنا يا صفد وأنت غريبة..«

** لا شك أن سلمى تعبّر عن شعور شخصي، إنما تجاه قضية عامة. ذات يوم، عندما جاء محمود درويش إلى دمشق وأجرى معه التلفزيون السوري مقابلة – كنت أتمنى يومها أن أجري هذه المقابلة – لكن حال دون ذلك بيروقراطية تافهة، ولو أجريت المقابلة، كان بودي أن أبدأ الحوار معه بالسؤال التالي: »أحن إلى خبز أمي، وقهوة أمي«، عندما رجعت يا محمود إلى هناك، هل وجدت أمك؟! (حتى لو لم تمت) هل وجدتها؟! وكذلك هل شممت هناك، رائحة قهوتها، أم كنت تحمل ذلك في الذاكرة فقط؟ كل الأصدقاء الفلسطينيين الذين رجعوا بعد أوسلو (وطبعاً لهم عذرهم في هذا التوق للعودة للوطن) لم يجدوا الحلم الذي كان يسكنهم.


* أعتقد أن محمود درويش طرح مثل هذا التساؤل بمعنى ما، لقد تساءل: عندما أعود إلى فلسطين، هل سأجد فلسطين؟ فهل تقصد هذا المعنى؟

** هو كذلك. إنه موضوع جوهري، ودقيق في النفس الإنسانية، وهو أمر ينطبق على كل البشر سواء كانت قضيتهم سياسية، أم نوستالجيا طفولية، أو حتى عاطفية، كأن تكون عاشقاً لفتاة وتغيب عنها عشر سنوات، تعود وأنت في غاية التوق لرؤيتها، ولكن عندما تراها لن تلقى تلك الفتاة التي غادرتها قبل عشر سنوات، بل ستجد فتاة أخرى، ولذلك فإما أن تتآمر على نفسك، وتقول: هذه هي الفتاة التي أحب، أو ستبدأ بعمل شاق جداً في البحث عن تلك الفتاة داخل هذه المرأة.

* التنوّع والغزارة في الكتابة في أكثر من حقل إبداعي (الشعر، المسرح، الدراما.. الصحافة..)، هي من الأمور اللافتة في تجربتك الإبداعية فكيف تجد الوقت والطاقة لمقاربة كل هذه الأشياء؟.

** أعتقد أن هكذا سؤال، يمكن أن يجيب عليه ناقد، ولكن بإمكاني الإجابة عليه بالبساطة التالية: أنا أفعل ما أعتقد أنني أستطيع فعله، وأشعر أن لديّ طاقةً، وتراكماً ثقافياً، وعندي رؤية نقدية (دون أن أكتب النقد) تمكّنني من الكتابة في كل هذه الأشكال الإبداعية.

باختصار، رغم كل ما يقال عني، أو أُسأل عنه حول تعدّد الأنشطة التي أقوم بها، فأنا أحسُّ بالفقر في إنتاجي! وأتمنى أن تكون الأنشطة متاحة أكثر لكي أعبر عن نفسي أكثر. لأنني أخشى أن أتعوّد التعبير عن نفسي بطريقة واحدة، وبمنهج واحد، إذ ثمّة ظلال تبقى في النفس لا يمكنك التعبير عنها لأنها لا تصلح لهذا الجنس الفني أو ذاك، لكنها موجودة في داخلك.

فأنا عندما أريد أن أكتب، أشعر أن هذا الشيء الذي يعتمل في داخلي لا يصلح إلا كقصيدة، فأكتب الشعر، وحينئذٍ ألغي مِنْ داخلي: المترجم والمسرحي، والصحافي، وأتعامل مع الحالة بوصفي شاعراً، ثم يخطر لي خاطر ما، فأقول: هذا لا يصلح إلاّ مسرحية فأكتبه نصاً مسرحياً، وعند ذلك يصبح عقلي مسرحياً فقط. أظن أن هذا الأمر ممكن وبسيط لإنسان يعتبر الثقافة همّاً وحرفة، ولا يكتب بدافع الهواية فقط. هاجسي أن أتقن ما أفعله، لكن، لا شك أن التعامل مع هذه الفنون كلها قد أغنى تجربتي في كل جنسٍ من أجناسها، فالقصيدة عندما تكون درامية، تكون أكثر قوّة، وأن يكون في المسرحية شعاع شعري، تصبح أكثر قوة وجمالاً، ولا تكون مسطحة بالمعنى الواقعي المباشر، وحتى الزاوية الصحفية، حين تُكتب بحرارة، وروح شعرية تتألق وتختلف عن كل الزوايا الصحفية الأخرى. وهنا أوّد أن أفتعل هجوماً معاكساً وأقول: أنا سعيد بأن لدي وسائل تعبير أتقنها، وأتمنى لو أن لدي وسائل تعبير أخرى أتقنها أيضاً. أتمنى أن أكون راقصاً وموسيقياً.. أو ممثلاً، لكي أعبّر عن نفسي أكثر.

أيضاً لديّ إحساس دائم بضيق الوقت، الذي لا يمكن تعويضه، وفي هذا السياق أشعر أنني منفعل كثيراً بكازانتزاكي، وأحس أنه يشبهني كثيراً، أو أنا أشبهه!

عندما ترجمت السيرة الذاتية لكازانتزاكي »تقرير إلى غريكو«، لمست هذا التقاطع فهو يقول: »إن إحساسه بالضغط، بمواجهة الأشياء الكثيرة التي يريد أن يكتب عنها كبير جداً، حيث لا يوجد لديه زمن كافٍ لذلك، خاصة وأنه

بالوقت نفسه يريد أن يعيش. يقول: بودي أن أنزل للشارع وأشحذ من الناس الذين يهدرون الوقت بلا معنى ربع ساعة من عمر كل منهم، وطبعاً هذا أيضاً غير ممكن.«

لديّ إحساس مماثل بأن الوقت ضيق جداً، لأن حجم الأشياء التي نتعامل معها أكبر وأوسع بكثير من الوحدة الزمنية المتاحة لنا، مع ذلك ورغم كل ما أنجزته أحس فعلاً أن هناك أشياء في داخلي لم أعبّر عنها بعد.

* انطلاقاً من كون الخطاب المسرحي هو خطاب ثقافي بامتياز، كما الخطاب السينمائي بماذا تفسّر طغيان التلفزيون، وكيف ترى إلى بعث حياة مسرحية وسينمائية تكاد تكون مفتقدة في بلدنا؟.

** هي مفتقدة فعلاً، كم فيلم ينتج سنوياً في سورية؟! الصالات السينمائية بائسة، ولم تتجدّد منذ نصف قرن.. وهذا بسبب عدم الاهتمام بالجمهور الذي يرتاد الصالات، وأيضاً لأن استيراد الأفلام محصور بقنوات ضيّقة، وعقليات رقابية تافهة، في حين يتعذّر علينا رؤية الأفلام التي تغزو العالم، والتي تحصل على جوائز. في النهاية، الجمهور معزول عن رؤية السينما الحقيقية، والمتميزة، إضافة إلى كسل الجمهور المكتفي بمتابعة ما يعرضه التلفزيون.

الآن هناك ما أسميه: حصار التفاهة.. عندما تعوِّد مجموعة من الناس على الاستمتاع بالتفاهة، عبر القصة البوليسية أو القصة الجنسية إلخ.. فهذا الأمر يروّض العقول ويعودّها على الاستمتاع والاسترخاء، أمام هذا النوع من الأداء. وبالتالي عندما يأتي أداء أكثر عمقاً يصبح متعباً وعبئاً عليهم، فلا يقبلون عليه.إذن المشكلة ليست بالمسرح أو الشعر، ولا بالشاعر، وإنما بهذا المناخ الذي أفسد الناس.


انك " فقير إلى الآخر " كما هو فقير إليك " وأنك محتاج إلى الآخر ، كما هو محتاج إليك
الأب جورج

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06612 seconds with 11 queries