عرض مشاركة واحدة
قديم 23/07/2007   #3
شب و شيخ الشباب فاوست
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ فاوست
فاوست is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
في وطني السليب
مشاركات:
655

افتراضي


على صعيد السياسة الداخلية، لم ينأ الإسلام الرسمي بنفسه عن الخوض في هذا المجال. فتناول أمور الحريات والمظالم التي تعاني منها شرائح من المجتمع منذ سنوات طويلة، وإن بقيت الخطوط العريضة متفقا عليها بين مختلف أقطاب هذا التيار فقط اختلفت التفاصيل بين حين وآخر، ووفقا للظرف السياسي العام.
فعلى سبيل المثال، ينادي الدكتور محمد حبش "بإتاحة المجال أمام قيام أحزاب ذات توجه إسلامي معتدل" لما في ذلك من دور في مواجهة التطرف، معتبرا أن "الاكتفاء بالحل الأمني يؤدي إلى تأجيل المشاكل وليس إلى إنهائها". بينما يرى الشيخ البوطي أنه "كلما أقحم الدين في السياسة كانت النتائج وخيمة" وهو يدعو دائما إلى "إبعاد السياسة عن معترك الدعوة إلى الله" وبالتالي يقف ضد تشكيل أحزاب إسلامية بالمطلق.
وبينما دعا الدكتور حبش في مناسبات عديدة إلى إلغاء حالة الطوارئ أو تقييدها وتوسيع هامش الحريات كما أنه طالب بإلغاء القانون 49 لعام 1980 القاضي بإعدام كل منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين وإصدار "عفو" عن المعتقلين السياسيين، نجده مؤخرا يقول في لقاء صحفي "..أما الإصلاح السياسي فدعنا نعترف بأنه كان بطيئا والسبب واضح وهو الضغوط الأميركية...وسوريا بلد شهي بالنسبة للإرهاب وأعتقد لو كان النظام السوري ضعيفا لكانت الأخبار التي تنقل من سوريا هي نفس الأخبار التي تنقل من العراق ولبنان...فعدم تراخي الأجهزة الأمنية كان ضروريا في هذه المرحلة وهو الذي حقق الاستقرار في سوريا ... أنا لا أشعر بأن سوريا تعيش حالة طوارئ كما يتبادر إلى أذهان الآخرين فهذا لا يوجد في سوريا، فسوريا ليست فرع مخابرات كبير....فلولا قانون الطوارئ في سوريا لما تمكنا من محاصرة امتداد النار العراقية.."
ومن الجدير بالذكر أن الدكتور حبش المعتدل والمؤيد جزئيا لإجراءات الإصلاح السياسي، لا يحظى بمثل الشعبية التي يحظى بها رجل دين مثل الدكتور البوطي، الذي أخذ على عاتقه في أحد خطبه التقليل من أهمية المظالم التي يشكو منها السوريون وتنزيلها في سلم الأولويات إلى الكماليات، داعيا المواطنين إلى ترجيح مصلحة الأمة على مصالحهم الخاصة "أنا الآن عندما أعزف على هذا الوتر (دعم الوحدة الوطنية) يأتي من يبكي ويقول: أنا مضام، أنا أعاني من كذا، وكذا، قريبي في الخارج منذ سنوات لم يتح له إلى الآن أن تكتحل عيناه بمرأى بلده ووطنه سوريا. نعم، الآخر يقول: فلان من أقاربه في السجن، وقد أمضى مدته وأنفذ حكمه ولم يطلق سراحه بعد. الآخر يقول لي: كذا وكذا. الواقع أنني أستطيع أن أحاججه، وإذا كان الشعور الإسلامي نامياً بين جوانحه سيقتنع. أقول له: صحيح، لكن يا أخي اطوِ مصلحتك الجزئية الشخصية في سبيل مصلحة الأمة. الآن إن نجحت الخطة الأميركية الصهيونية والله قريبك وأنت وبلدك كلها يذهب. ممكن أن أقول له هذا الكلام، وأحاكمه إلى قرارات الشريعة الإسلامية: الأخذ بسلم الأولويات. نضحي بالتحسينيات في سبيل الإبقاء على الحاجيات، نضحي بالحاجيات في سبيل الإبقاء على الضروريات"... دون أن ينسى توجيه "النصيحة" إلى المسؤولين لإعلان "العفو والمسامحة ...بعد نخل... من أجل أن نتحاشى هؤلاء الذين يقولون نحن مستعدون أن نتعاون مع الشيطان..".
هذا من غير أن نذكر حديثه عن تداعيات اغتيال الحريري التي اعتبر أن هدفها "القضاء على البقية الباقية لفاعلية الإسلام في العالم العربي أولا والعالم الإسلامي ثانيا، ومن ثم القضاء على الحضارة الإسلامية.." معتبرا أن تحقيق ذلك يتمثل في "تعبيد الطريق والقضاء على التضاريس والعقبات التي تتمثل في سياسة سوريا".
من ناحية أخرى، يجري الترويج لفكرة أن الإسلام الرسمي، من شأنه أن يساهم في التخفيف من غلواء التطرف في المجتمع، وإن كان الأمر لا يبدو بمثل هذه السهولة. إذ أن ساحة عمل الأول (المدينة، الطبقة الوسطى، التأهيل العلمي..)، لا تتقاطع إلا نادرا مع ساحة عمل الثاني (الريف، الطبقة الدنيا، الفقر..). كما أنه من الوارد أن يتحول أحدهم من الساحة الأولى إلى الثانية، لكن من المستحيل أن يحصل العكس. ففي قوائم المعتقلين المعلنة من قبل المنظمات الحقوقية، هناك بعض الحالات التي اعتقل أصحابها وكانوا طلابا في معاهد شرعية تدخل في إطار الإسلام الرسمي. أما عن هؤلاء الذين يدورون في فلك التطرف الإسلامي، فإنهم يكفّرون أو على الأقل "يحذرون" ممن يعتبرونهم "مجرد أدوات في يد الحكومات المرتدة". وتصل عبثية التطرف والتكفير إلى حد تكفير رجال دين مثل د.البوطي أو الشيخ يوسف القرضاوي أو غيرهم، من قبل بعض غلاة المتشددين في الأجيال الجديدة خاصة، كما يمكن أن نقرأ في بعض منتدياتهم وكتاباتهم.
أكثر من ذلك، أجمع عدة أشخاص ممن قابلتهم في معرض نشاطي الحقوقي، وكانوا قد اعتقلوا على ما بات يعرف بالخلفية الإسلامية، بأن الإسلام الرسمي، يكون أحيانا أحد أسباب التطرف العديدة، حيث يجد أولئك الشبان الثائرين على خلفية عقائدية، من يتكلم باسم الإسلام وهو يدافع عن الظلم والقهر والحكم غير الإسلامي في الوقت نفسه، وهو ما يولد القناعة لدى البعض بضرورة وجود سلطة دينية بديلة عن هذه السلطة الحالية المرتبطة بنظام سياسي معين. وقد أخبرني أحد أولئك المعتقلين السابقين، بأن "الإسلام الرسمي يهدف إلى تعقيم الشباب من السياسة، بينما جنود الحركات الإسلامية المتطرفة، وبالرغم من هدف الشهادة والجهاد وما إلى ذلك، فإنها تمارس عملا سياسيا بالدرجة الأولى، وإن من وجهة نظر خاصة جدا. قد يساعد حزب سياسي في استقطاب هذا الشاب، وليس حلقة لتحفيظ القرآن".
يغدو السؤال بعد ذلك، هل يؤدي الإسلام الرسمي الدور المرسوم له بغير احتمالات الخروج عليه في ظرف ما؟ وحتى لو كانت تلك "المكتسبات" تخدم بالدرجة الأولى السلطات التي تدعم أصحابها، فكيف ينعكس ذلك على هؤلاء قوة وقدرة على التأثير ؟
الظاهر حتى الآن أن ذلك الدور تستفيد منه فئات معينة من المجتمع، هي تلك التي كان من الممكن أن توجد في ظل أية سلطة وأي مناخ سياسي واجتماعي. الفئة المتدينة بدون غلو بدون مطامح سياسية أو إيديولوجية تُذكر، والتي تحتاج إلى مساحة لتعبيراتها وممارساتها الدينية المجردة. ويصعب التنبؤ فيما إذا كانت هذه الفئات هي خزان كامن لعمل سياسي مستقبلي في حال تغيرت الظروف، حتى لو كانت التربية الدينية التي تتلقاها تحرص على إبعادها عن هذا الإطار، فهذا يعتمد بالدرجة الأولى على الاتجاه الذي من الممكن أن يسلكه رجالات الدين الرسميين في المستقبل وقدرتهم على التأثير على "مريديهم". أما الفئات الأخرى التي يمكن أن تشكل تيارات الإسلام السياسي في سوريا، فلا تزال خارج هذا الإطار، وهي إما تنجذب إلى الفكر السلفي المتشدد، أو لا تزال كامنة بغير حراك مع استثناءات نادرة تتخذ من العمل المجتمعي وسيلة للحراك ومع ذلك لا يكتب لها الاستمرار. ونذكر هنا أن ما عرف بمجموعة داريا، وهم مجموعة من الشبان قاموا عشية الحرب على العراق بتنظيم مظاهرات سلمية صامتة ونفذوا بعض الأنشطة، كتنظيف الشوارع في المنطقة التي يقيمون فيها وتوزيع تقاويم كتبت عليها عبارات مناهضة للرشوة بمضمون ديني، هذه المجموعة ذات الخلفية الإسلامية المتنورة جرى اعتقالها ومحاكمتها أمام محكمة استثنائية قبل أن يفرج عنها فيما بعد.
يبقى من الصعوبة بمكان التنبؤ بـ"شعبية" رجالات الإسلام الرسمي ومآلات علاقاتهم بالسلطة. وأما عن هذه الأخيرة فهناك من يرى بأن لرجالات الإسلام الرسمي قوة تأثير كبيرة في الشارع السوري المحافظ. وهو ما تلمسه السلطة جيدا وتسعى لتطويقه بأشكال مختلفة، "فتدعم رجل دين مثل د. البوطي لضرب الإخوان المسلمين، ثم السلفيين لتطويق تيار البوطي، وهلم جرا" يقول شاب خاض تجربة مع أحد "تيارات" الإسلام الرسمي. ويضيف قائلا "السلطة تلعب بالنار بظنها أنها تسيطر على قواعد اللعبة".
أما عن "الشعبية" فهي تتراوح بشدة بين مختلف الفئات الاجتماعية، حيث تبلغ أوجها بين "الجمهور" المباشر لرجل الدين الفلاني في مسجده أو معهده الشرعي...الخ، بينما تلقى تراجعا أو تختفي نهائيا في شرائح أخرى. فالمعارضة تأخذ عليهم ولاءهم الأعمى للسلطة وترويج خطابها، إذا ما استثنينا المعارضة الإسلامية في الخارج، والتي تتعامل مع الموضوع ببراغماتية واضحة، فتؤيد ما يصدر عنهم "دفاعا عن دين الإسلام" كقضية المعاهد الشريعة وسواها، وتنتقدهم بشدة فيما يتعلق بالأمور ذات الطابع السياسي البحت. والمنظمات التي تعد نفسها في دائرة المجتمع المدني (منظمات حقوق المرأة، المنظمات الحقوقية...) تأخذ عليهم وقوفهم في أحيان كثيرة ضد مقتضيات تحقيق هذا المجتمع وتطويره. والفئات صاحبة المظالم، تأخذ عليهم تجاهلهم لمظالمها والوقوف إلى جانب من تعتقد أنه السبب فيها. وإن كانت الفئتان الأولى والثانية "أقلية" حتى الآن في المجتمع، فإن الفئة الثالثة تمتد على مساحات واسعة من الخريطة المجتمعية في سوريا. فكثيرا ما سمعت من أهالي المعتقلين على خلفية إسلامية القصة المكررة التالية: "ذهبنا إلى الشيخ فلان ليساعدنا في الكشف عن مصير ولدنا، قال مثل المخابرات، أن القانون سيطبق وولدنا سيحظى بمحاكمة عادلة! . قصدنا شيخا آخر، استقبلنا جيدا وسجل الاسم عنده. بس حرام، ما بيطلع شي معه"!
السلطة، "الصحوة الإسلامية" الموجهة، الفئات التي تتأثر بها سلبا أم إيجابا، مجتمع ممنوع من السياسة والفكر والثقافة، وجملة عوامل أخرى تجتمع وتتفاعل فتجعل الواقع معقدا والمستقبل مليئا باحتمالات ما بعد "الصحوة"!

الحرية لسوريا من الإحتلال الأسدي
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05586 seconds with 11 queries