[The morning]

الى مي زياده

عزيزتي مي :

.... صحتي الان اردأ نوعا مما كانت عليه في بدء الصيف , فالشهور الطويله التي صرفتها بين البحر والغاب قد وسعت
المجال بين روحي و جسدي. اما هذا الطائر الغريب (( قلبه )) الذي كان يختلج اكثر من مئه مره في الدقيقه فقد ابطأ قليلا بل اخذ يعود الى نظامه الاعتيادي غير انه لم يتماهل الا بعد ان هدّ اركاني و قطع اوصالي . ان الراحه تنفعني من جهه اخرى. اما الاطباء و الادويه فم علتي بمقام الزيت من السراج . لا لست بحاجه الى الاطباء و الادويه و لست بحاجه الى الراحه و السكون انا بحاجه موجعه الى من يأخذ مني يخفف عني. انا بحاجه الى فصاده معنويه الى يد تتناول مما ازدحم في نفسي الى ريح شديده تسقط اثماري و اوراقي .
((... انا يا مي بركان صغير سدت فوهته لو تمكنت اليوم من كتابه شئ كبير او جميل لشفيت تماما. لو كان بامكاني ان اصرخ عاليا لعادت عافيتي ..
قد تقولين لماذا لا تكتب فتشفى , لماذا لا تصرخ فتتعافى ؟ و انا اجيبك :
لا ادري لا ادري لا استطيع لصراخ هذه هي علتي , هي عله في النفس ظهرت اعراضها في الجسد ...
و تسألين لان: اذن ماذا انت فاعل و ماذا عسى النتيجه تكون ! و الى متبى تبقى في هذه الحاله ؟ .. اقول انني سأشفى اقول انني سأنشد اغنيتي فاستريح ,
اقول انني سأصرخ من اعماق سكينتي صوتا عاليا بالله عليك لا تقولي لي (( انشدت كثيرا و ما انشدته كان حسنا .)) لا تذكري اعمالي الماضيه لان ذكرها يؤلمني لان تفاهتها تحول دمي الى نار محرقه, لان نشوفتها تولد عطشي , لان سخافتها تقيمني الف مره و مره في كل يوم لماذا كتبت تلك المقالات و تلك الحكايات ؟ لماذا لم اصبر ؟ لماذا اضن بالقطرات فادخرها و اجمعها ساقيه ؟ لقد ولدت و عشت لاضع كتابا - كتابا واحدا صغيرا لا اكثر و لا اقل . قد ولدت و عشت و تألمت لا قول كلمه واحده حيه مجنحه.
و لكنني لم اصبر لم ابق صامتا حتى تلفظ الحياه تلك الكلمه بشفتي ؟ لم افعل ذلك بل كنت ثرثارا فياللاسف و يا للخجل ..
و بقيت ثرثارا حتى انهكت الثرثره قواي و عندما سرت قادرا على لفظ اول حرف من كلمتي و جدتني ملقى على ظهري و في فمي حدر صلد .. لا بأس ان كلمتي ام نزل في قلبي و هي كلمه حيه مجنحه و لا بد من قولها , لا بد لنزيل بوقعها كل ما اوجدته ثرثرتي من الذنوب , لا بد من اخراج الشعله .

جبران (( السنه عالاغلب 1928 ))