عرض مشاركة واحدة
قديم 18/08/2008   #5
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


التأزّم اللبناني في إطاره الإقليمي



لبنان مرشح إلى قدر من التأزم السياسي. نستطيع رؤية النذائر بسهولة. ليس هو التأزم الخاص بعلاقات الرؤساء. ولا ذلك المرتبط بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية. ولا بقضايا التعيينات. هذه كلها ستتراجع ليتقدم ما له علاقة ب»انفتاح« البلد على التجاذبات الدولية والإقليمية في الشرق الأوسط.
تكمن، في خلفية هذا التأزم، قراءتان تبسيطيتان للعلاقة السورية الأميركية. فمن قائل إنها في حالة سيئة جدا ولذلك لا بد من رصّ الصفوف. ومن قائل إنها في حالة جيدة جداً ولذلك لا بأس من المضي في المطالبة بتوازن لبناني سوري لا يمكن تفسيرها بأنها استقواء بواشنطن على دمشق. ثمة تلاوين أخرى وقراءات أكثر تعقيدا ولكنها تندرج، بشكل عام، في هاتين المدرستين.
إن الرئيس الأميركي جورج بوش (شخصيا!) هو أفضل مساجل مع التصورين المشار اليهما. »إن إدارة علاقاتنا المعقدة مع سوريا«، يقول، »تتطلب استخداما دقيقا ومدروسا لجميع الخيارات المتوافرة لنا لخدمة المصالح الأميركية«. جاء هذا التوصيف للعلاقات بأنها »معقدة« في رسالة من بوش إلى أحد النواب الأميركيين، روبرت ويكسلر، العاملين على تمرير »قانون محاسبة سوريا«. يقول الرئيس الاميركي إن خلافات بلاده مع سوريا »جدية« وإنها »قد تكبّدها أي سوريا أكلافا حقيقية«. ويعبّر عن القلق من الصلات الاقتصادية المتنامية بين سوريا والعراق، ويعلن مواصلة »العمل على عدد من الخيارات لوقف هذا السلوك غير المقبول«. غير أنه يعترض على فرض مزيد من العقوبات، حسب ما يطالب مشروع القانون، لأن ذلك »سوف يقلص من خياراتنا ويقيّد قدرتنا على التعامل مع الوضع الصعب والخطير في المنطقة في هذه المرحلة الحرجة«.
لم ينجح بوش في تأجيل البحث بقانون محاسبة سوريا. ولكن لما انعقدت الجلسة، 12 ايلول، تغيّب عنها مندوب الادارة ديفيد ساترفيلد بداعي المرض. لم يلاحظ لبنانيون سوى ان الجلسة التأمت، وأن تصويتا حصل، وأن هجوما عنيفا شنّه دعاة المشروع على سوريا. لقد فاتهم أمران. الأول هو أن مهاجمي دمشق لم يكونوا شديدي الاهتمام ب»السيادة اللبنانية« وإنما بالأمن الإسرائيلي حصرا. ومن لا يصدق عليه مراجعة الخطابات. الثاني هو ان المداخلة الأهم، بالمطلق، هي تلك التي ألقيت باسم ساترفيلد، وهي أهم لأنها التعبير الأدق عن السياسة الأميركية الفعلية في الأمد المنظور.
لقد طوّر ساترفيلد ما جاء في رسالة رئيسه إلى ويكسلر. أعلن الموافقة الكاملة للادارة على الأهداف الموجودة في القانون. وقال إن بوش شديد الاهتمام بالتجارة السورية غير المشروعة مع العراق، وبانتشار أسلحة الدمار الشامل، وبدعم الإرهاب، وبلبنان خال من القوات السورية. وأوضح أن ثمة عقوبات مفروضة، الآن، على دمشق.
غير انه تساءل عما يخدم، في هذه اللحظة، المصالح الواسعة لاميركا في المنطقة وأمن الصديق الإسرائيلي. واعتبر ان افضل نهج هو ذلك الذي يدمج الحوافز مع غيرها خاصة »إذا نظرنا إلى خياراتنا حيال العراق«. ومرّ على التعاون في مطاردة »القاعدة« ليصل الى خلاصة تقول: »ليس هذا الوقت المناسب لمبادرات تشريعية قد تعقد أو تنسف جهودنا«.
ما يمكن استنتاجه من كلام الرئيس والموظف هو ان العلاقات بين البلدين من وجهة نظر واشنطن، مأزومة الى حد ما، ومعقدة بالتأكيد، ولكنها ضرورية في هذا الوقت، وقابلة للانتكاس في المستقبل. ويمكن، لمن يحسن القراءة، ان يستنتج ان الموضوع السوري، واللبناني استطرادا، لن يرفع الى رأس جدول الاولويات قبل حسم ما يسبقه في هذا المجال: العراق بشكل أساسي. ويمكن، وأيضا لمن يحسن القراءة، ان يستنتج من خطاب فاروق الشرع في الأمم المتحدة أن الميزان يميل نحو المواجهة. فهذا الخطاب قيل بعد خطاب بوش، وخاصة بعد أن تبينت آثار الخطاب الاميركي على مواقف دولية وعربية تحولت في حين بقي موقف دمشق على حاله.
يصح القول، والحالة هذه، ان التوتر سيتصاعد في علاقات الطرفين وأن لبنان يمكنه ان يكون عنوانا اساسيا من عناوين المرحلة ما بعد العراقية.
إذا كان ما تقدم صحيحا وهو، على الارجح صحيح، يصبح ممكنا فهم التشدد الذي تظهره السلطة اللبنانية تجاه معارضة تضع نفسها في موقع واضح الى جانب الأميركيين او في موقع ملتبس. أي ان الحكم اللبناني، يطبق، سياسيا نظرية بوش في »الضربة الاستباقية«. فهذا الحكم يلاحظ، عن حق الى حد بعيد، ان ثمة قوى لبنانية تراهن علنا على الخراب الاقليمي الذي ستقوده الولايات المتحدة (وإسرائيل في فلسطين) من أجل الاعلاء من شأن مشروعه (ميشال عون هو النموذج). وثمة قوى أخرى تضع نفسها في موقع من يقدر على الاستفادة لاحقا من هذا الخراب من دون ان تمضي بعيدا في التورط العلني الراهن لأنها ملدوغة سابقا. ويتقصّد بعض من في الحكم غضّ النظر عن التباينات في هذه الجبهة وإلقاء الشبهة على سلوكيات تحاول العقلنة وشق الطريق نحو »خط آخر« (نسيب لحود) وذلك تصفية لحسابات قد لا تكون موصولة بهموم المواجهات الكبرى.
واللافت في هذه »الضربة السياسية الاستباقية« انها تقوم على تقدير دقيق لموازين القوى الراهنة، وفي المقابل يعيش الذين يتلقون الضربة أوهاما تكاد تكون مضحكة. يعبر عن هذه الاوهام ان نائبا يهدد بالاستقالة في حين انه، في العمق، مهدد بالمثول أمام محكمة بتهمة الخيانة العظمى! والمنطق الضمني لهذه »الضربة الاستباقية« هو ان التحالف السوري اللبناني قد يكون ضعيفا في المرحلة ما بعد العراقية لذا فإنه يريد استخدام الوقت الضائع من أجل
ايصال خصومه إلى تلك اللحظة وهم اشد ضعفا.
لذا فإن الوسائل كلها تستخدم: من »أم.تي.في«، الى عدم التصريح عن ثروة، الى إعادة تركيب المشهد السياسي، الى تحريك استنابات، الى التلويح بقانون انتخاب كارثي...
ومن المقدّر لهذه الوجهة ان تستمر وتعنف فارضة على اللبنانيين جميعا ان يكونوا في واحد من المعسكرين وعلى آلطريقة التي باتت سائدة في »المانوية« المشتركة بين بوش وبن لادن: من ليس معنا فهو ضدنا.
أي »فسطاط« يختار من يدعو إلى صد الهجمة الأميركية وتداعياتها الاقليمية واللبنانية ولكنه يعتبر ان ثمة وسائل أخرى غير تلك المستخدمة؟ لا مجال لكثير من الترف في لحظة الحقيقة هذه. وإذا كان هناك من هو واثق من درجة الدمار التي ستحدثها السياسة الأميركية في المنطقة ولبنان فما عليه إلا ان يكون في صف الخيار الاقليمي الاجمالي للحكم. وهو يستطيع، من أجل حماية نفسه أخلاقيا وسياسيا، ان يبدي بعض الاشمئزاز من سياسات يقال له إنها تخدم أهدافا يوافق عليها.

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04870 seconds with 11 queries